العدد 4900 - الجمعة 05 فبراير 2016م الموافق 26 ربيع الثاني 1437هـ

بوشهري: إهمال الأهالي أنتج حلقات مفقودة في تاريخ البحرين... والكرة في ملعب الجمعيات والمآتم

مدينة أزيلت من الدراز... قبور اندثرت في كرانة... وقصر مهمل في الحلة

حمّل الباحث التاريخي علي بوشهري، الجانب الأهلي، المسئولية الرئيسية إزاء حالة الإهمال التي طالت تاريخ وآثار مملكة البحرين.

بوشهري الذي تحدث مع «الوسط»، متكئاً على تجربة في مجال التاريخ، تمتد لأربعة عقود أثمرت 8 مؤلفات، و5 لم تطبع، بين أن حالة الإهمال أدت، مع عوامل أخرى، إلى فقدان حلقات مهمة ليتسبب ذلك في إنتاج معلومات غير موثقة، تتعلق بتاريخ البحرين بما في ذلك الدويلات التي حكمتها، تناقلتها الأجيال بوصفها مسلمات وحقائق.

عطفاً على ذلك، حدد بوشهري الجهات المسئولة اليوم للبدء في ما أسماه «عملية الإنقاذ»، مشيراً إلى الأندية والجمعيات الخيرية والمآتم، مطالباً الأهالي في القرى والمناطق الأثرية، للبدء في تشكيل فرق عمل لحفظ آلاف الآثار المتبقية، وذلك بالتواصل المباشر مع المسئولين في الجانب الرسمي.

رغم ذلك، لم يغفل بوشهري الإشادة بظاهرة «الباحثين الجدد»، في إشارة لتزايد عدد الباحثين والمهتمين في السنوات الأخيرة، وتساءل «لماذا لا تتوحد الجهود؟ وما المانع من تأسيس أكثر من جمعية تعنى بالتاريخ، لتدعم الدور الذي تقوم به جمعية تاريخ وآثار البحرين؟».

وعن مسئولية الجانب الرسمي إزاء مطلب الحفاظ على تاريخ وآثار البحرين، قال بوشهري «أرشيف تصريحاتي ونشاطاتي، يوضح حجم الانتقادات اللاذعة التي وجهتها على مدى سنوات للجانب الرسمي المعني بذلك، إلا أن علينا الإقرار بالجهود الملحوظة تحديداً لهيئة البحرين للثقافة والآثار، في تسجيل عدد كبير من المواقع الأثرية، بما أسهم في حفظها من التحول لأملاك خاصة، والحيلولة دون خسارتها بلا رجعة»، واستدرك «لكن المطلوب والمأمول لايزال أكبر، حيث المطلوب إعادة الحياة للمنقبين البحرينيين، تمهيداً لمباشرة أعمال التنقيب في الكثير من المواقع التي لاتزال مسيجة، ومدفونة».

ويرى بوشهري، أن بقاء آثار هذه المواقع تحت الأرض، هو قرار صائب في الوقت الحالي، وفسر ذلك بالقول «ليست لدينا الجاهزية للبدء في أعمال التنقيب، لا مادياً ولا بشرياً، ما يعني أن الكشف عن باطن هذه المواقع، سيلحق بآثارها أضراراً فادحة جراء عوامل التعرية».

وفي سياق حديثه عن تحميل الأهالي المسئولية الرئيسية إزاء ضياع واندثار عدد من الآثار، عدد بوشهري، نماذج من حوادث تختزنها ذاكرته المتخمة، فقال «عثرنا في قريتي كرانة وحلة العبد الصالح على ساجة أثرية لمتوفى سنة 1559م تبين من معلومات الساجة أنه مقتدر وينسب لعائلة أوالي (إن لم تخني الذاكرة)، وفي المنطقة ذاتها عثرنا في العام 1997 وبمعية أحد الأجانب على قبر آخر وبقايا مسجد، ليتبين لنا أن صاحب القبر الموجود عند بداية قرية الحلة، (يشكل الموقع في مجمله قصراً)، هو لآخر حاكم هرمزي في البحرين، والذي يعود للفترة من 1530 - 1540م، وله ارتباط بالقصة المعروفة بـ «أبو رمانة»، وحين أعلمنا وزارة الإعلام آنذاك، فضل مسئولوها التكتم على الموضوع بذريعة سوء الأوضاع آنذاك».

وأضاف «لو تحدثنا عن اهتمام البحرينيين من الأهالي بهذه المواقع، فسنعرف مقدار الإهمال لها، وذلك يشمل العناية بها وزيارتها»، وتابع «أتذكر أنني في إحدى السنوات وجهت سؤالاً لطلبة قسم التاريخ في جامعة البحرين، عن زيارتهم للمواقع الأثرية، فكانت النتيجة هي طالب واحد من بين 17 طالباً، تحدث عن زيارته لموقع قلعة البحرين».

وأردف «في قرية المرخ، خذلنا الجانب الأهلي في سنوات مضت في خطوات كنا نستهدف من ورائها، حماية قنوات الماء التاريخية (الثقب)، وفي الدراز جرفت مدينة كانت ممتدة من معبد الدراز إلى عين أم السجور، وبنيت عليها الأملاك الخاصة، وفي عالي، سنجد التلال الملكية المهملة وبقربها الأنقاض والنفايات».

وأضاف «حالة التقصير والإهمال ليست وليدة الحاضر، وتتركز على الفترة التالية لحضارة دلمون»، مشدداً على أهمية هذه الفترة والتي تشكل امتداداً لحاضر البحرينيين اليوم.

كما جدد تأكيداته على حاجة تاريخ هذه الفترة، وخاصةً ما يمتد للفتح الإسلامي، إلى تحقيق أكاديمي، لتثبيت المعلومات المؤكدة، ولسد حالة الفراغ الناتجة عن «الحلقات المفقودة»، وللإجابة على علامات الاستفهام وحالة التضارب في بعض المعلومات.

واستشهد على بعض من ذلك بالقول «لنأخذ مثلاً تاريخ الفتح الإسلامي، المختلف عليه، بين من يرى أن البحرين دخلت الإسلام في عهد النبي محمد (ص)، مدللين على ذلك برسالة المنذر بن ساوى التميمي، وبين من يتبنى رأياً آخر، على اعتبار أن ذلك لا يختص بجزر البحرين بل بما يعرف بالبحرين التاريخية، أي المنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية».

ووفقاً لحديث بوشهري، فإن «البحرين، ومنذ دخولها الإسلام حتى قبل 100 عام من اليوم، لم تشهد إنتاج كتابات في التاريخ، عدا استثناءات اكتفت بالحديث عن الشخوص دون الإشارة للمناطق ووصفها، بما في ذلك الشيخ يوسف البحراني في كشكوله أو حتى أنوار البدرين للشيخ علي البلادي، ولا بد التنويه هنا بالتوثيق الجزئي والذي يعود الفضل فيه لبعض الشعراء، كما هو الحال مع الشاعر أبو البحر جعفر الخطي الذي تحدث عن مسجدين في المنامة، وعن طريق بين قريتي سار وسلماباد».

وأضاف «ألّف علماؤنا عشرات الكتب في الفقه والتراجم لكنهم غفلوا عن مجال التاريخ، من بين ذلك مخطوطة بحوزتي كتبت في 1882م، وتتكون من 3 أجزاء للمرحوم مال الله حسين عبدالكريم (مواليد 1850م)، والذي أنتج عبرها في نحو 600 صفحة جمعت في مجلد، لم تتضمن ولو سطراً واحداً عن تاريخ مدينة المنامة والبحرين، كما لم يترك مؤلفاً تاريخياً رغم امتلاكه مكتبة في ذلك الوقت».

وتابع «إذا أردنا الحديث عن مدينة المنامة، فسنصل لعلامة استفهام كبيرة لاتزال معلقة رغم مرور 7 قرون على تأسيس هذه المدينة، حيث تشير المعلومات إلى أن المدينة التي تأسست في العام 1320م، شهدت بناء أول مساجدها في العام 1599م، ممثلاً في مسجد الشيخ خميس (القريب من مأتم الحاج خلف)، ثم مسجد الخواجة في 1600م، فهل من المعقول أن مدينة إسلامية بقيت بلا مسجد طوال 279 عاماً؟ ونحن نعلم عدم العثور على أية بقايا أو آثار لمساجد اندثرت»، معتبراً أن ذلك «لغزاً، لم يكترث أحد بفكه».

وفي الحديث عن ما اعتبره «معلومات متضاربة تتعلق بفترات حكم الدويلات للبحرين»، كشف بوشهري عن امتلاكه 16 عملة نحاسية غير مدورة، «تعود للعام 1316م، مدون عليها أنها ضربت في مشهد لملك من أسر المغول، وبعد البحث تبين لي أن المقصود بالمشهد هنا هو مسجد الخميس الذي كان يعرف في السابق بالمشهد ذو المنارتين، وليصحح ذلك المعلومة السابقة التي كانت تربط العملات بمدينة مشهد في إيران، التي لم تتحول لمدينة إلا في العام 1350 هـ تقريباً، بينما تاريخ ضرب العملات سابق لذلك ومحدد في 1316م (719هـ)».

الباحث التاريخي علي بوشهري متحدثاً إلى «الوسط»  - تصوير أحمد ال حيدر
الباحث التاريخي علي بوشهري متحدثاً إلى «الوسط» - تصوير أحمد ال حيدر

العدد 4900 - الجمعة 05 فبراير 2016م الموافق 26 ربيع الثاني 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 11 | 9:18 ص

      السؤال الذي يطرح نفسه و يسدح نفسه بهنف:
      هل الجهات الرسمية تهتم حقا بتاريخ البحرين؟
      يبدو ان السياسة تلعب دورا في ذلكَ!

    • زائر 7 | 5:27 ص

      تغيير التاريخ

      المدينة التي يتكلم عنها الباحث في الدراز التاريخية أصبحت بالسجلات الرسمية في باربار

    • زائر 5 | 3:40 ص

      كل الشكر موصول للأستاذ علي و نتمنى اتخاذ خطوات نحو مخاطبة مؤسسات دولية أو أشخاص ذوي نفوذ من الخارج لديهم الإستعداد في تحمل تكاليف هذه الأبحاث و حماية الآثار البحرينية

    • زائر 4 | 3:36 ص

      الحلقات المفقودة .

    • زائر 3 | 3:27 ص

      المقال والرجال يقول إهمال الأهالي هو السبب وبكل وضوح ويجيك واحد يشكر فيه ويقول نعم هو إهمال رسمي متعمد!!!! ممكن تزودونا بالصنف اللي تستخدمونه.

    • زائر 10 زائر 3 | 9:01 ص

      المسؤليه تقع على الجميع

      هناك إهمال رسمي بالدرجه الإولى وإهمال من الإهالي لأن هذا تاريخهم ومن لايحفظ تاريخه تضيع هويته

    • زائر 12 زائر 3 | 10:41 ص

      البلاد دخلت في الاسلام طوعا من مجيء مبعوث النبي إليها. ألا يعد هذا طمسا متعمد. كذلك بعض الدول تهدم الاثار الاسلامية كي لايبقى لها أثر. أليس القصد الطمس؟

    • زائر 2 | 12:23 ص

      الاهمال مقصود

      الاهمال متعمد من الجهات الرسمية لطمس هوية البلد البحرانية والتركيز على تاريخ دخيل على البلد كبيت الجسرة وغيرة لكي لا تعرف الأجيال القادمة التاريخ الحقيقي نعم دور المآتم مقصرين ويجب عليهم الاهتمام بذلك بدلا من المناسبات الدينية فقط والمجالس الحسنية عبر إقامة ندوات ومحاضرات في هذا الشأن

    • زائر 9 زائر 2 | 7:06 ص

      سلامة قلبك حبيبي لا طمس هوية ولا شي ،،،،
      انتوا الي تعمدتوا تهملون

    • زائر 1 | 11:17 م

      هدهد

      شكراً لك من الاعماق الاستاد علي ، نعم هناك اهمال مقصود من الجهات الرسمية واهمال غير مقصود من الاهالي الاول لا يعنيه الماضي لانه غير مرتبط به والثاني لا يعنيه الماضي لخوفه من ضياعه كما ضاع الماضي وما بين هذا وهذا الحل عسير

    • زائر 6 زائر 1 | 3:45 ص

      اعتقد ان الجانب الاهلي متعمد ايضا في طمس التاريخ من خلال بيع المزارع والاراضي التي بها اثار الى كبار القوم طمعا للرزق، وانا احدد بالذات ما كانوا يسمون بالمخاتير حيث ان معظمهم اصبحوا سماسرة للعقارات لكبار القوم كونهم يعرفون المزارع وغيرها ،بالتالي لم يقف احد من الاهالي في وجههم او ردعهم بكلمه ما نبغي نضايقه هو "من الجماعة". لنعترف اننا فرطنا في التاريخ بسبب الاموال حتى وان كان المال والفقر التي تعيشه القرى سببا. شكرا للباحث والوسط، فاراضي البحار ذهبت بسبب اختلافنا على الارث وبسبب الاوقاف!

اقرأ ايضاً