العدد 4900 - الجمعة 05 فبراير 2016م الموافق 26 ربيع الثاني 1437هـ

«ريم... قيْس» حمدة خميس

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

محاولة تقديم «بورتريه للنص»، تلك التي تمَّت الإشارة إليها في عمود الأسبوع الماضي، استحضاراً لتجارب ربما آثرتِ العزلة، دون أن يعني ذلك أن نصوص أصحابها قد دخلت في حلْف مع النسيان والغياب، ترمي إلى استجلائها، والتذكير بحضورها، وإن أمعن غياب في غيِّه.

أول ظهور أمام الجمهور عرفتُه صحبة الشاعرة البحرينية حمدة خميس، التي قدَّمتني في أول أمسية شعرية أقامها اتحاد كتَّاب وأدباء الإمارات في نهايات ثمانينات القرن الماضي. الظهور الأول يشكِّل قدرتك على أن تكون في مواجهة مع نصِّك أولاً، والجمهور الذي يتلقَّى ذلك النص ثانياً.

نصُّها يسبق حضورها بالنسبة إلى كثيرين من جيلي. «تستيقظ ريم» في نصِّك أيضاً؛ ليست تلك التي في نصِّها فحسب «تنشر أجنحتها فوق قلبي... تتناول قبلتي في لغط طفولي لذيذ».

لا ترتكبْ خطأ الهرولة مع نص حمدة. نصُّها يحتاج إلى ذلك القدْر من التجلِّي في حضوره. تلك اللياقة التي لا تكشف أسرارها في المكان أو الزمان. هو ذاته «كنز الدفاتر» الذي رمَتْ إليه ذات نص. «وتُهرول مشرقة على ظهرها، كنز من الدفاتر».

ذلك التجمْهر الذي لا يشبه أي حشْر. تجمهر الضوء، والسهر على صوغ المفردة والمعنى، بتلك التلقائية النادرة في كثير من النصوص التي تطلع علينا اليوم كالفِطْر. اليقظة التي تُعيد للأفكار أجنحتها الغائبة في غفوة طارئة.

نقف على «ريم يتجمهر الضوء حولك، حين تستيقظين أغفو قليلاً، كي يتسنى لي أن أشعل أفكاري». ليس انشغالاً بالأسماء بقدر ما هو انشغال بالاكتمال الذي يحتاجه أي منا. نذرف الأسماء تلك عواطفَ في الحضور، وعواصف حين ينهشنا الغياب المُرُّ.

في انشغالات «قيس» البسيطة ينبجس ماء الشعر. بأشيائه البسيطة يمكن لتلك القصيدة أن تستوي على ما تريد الإطلالة عليه.

«لقيس عشرة أصابع، لقيس عشرة ألوان، ينتقيها من حليب الأمومة، وشعاع الصباح، حين ينهض قيس مخفوراً بقلبي، وفوضى الفراشات، وتزف العسل

حين يهطل بقبلاته، ولغط الغايات، يفتح الكون حدائقه لي، وتصطفيني النجوم

أيها الأطفال يا رنين الضياء، وقبلات الندى».

من «الترانيم»، التي نثرتْها في الظهور الشحيح، من عزلتها التي ارتضت هناك، حيث تؤثث نصَّها بما يليق بتاريخ من الوفاء في التخوم البعيدة للكتابة والنص. لوفاء الرؤية أيضاً. رؤيتها إلى العالم من حولها، صغُر أم كبُر ذلك العالم. مروراً إلى «مسارات»، تختط عبْرها المُضيَّ لا الوصول. في الوصول «بطالة» من نوع مُهْلِك. لا تريد لنصها الوصول إلى حيث يجفُّ عندها المعنى، وتتيبَّس المُخيَّلة. لا تريد لوصول يضعها في طابور النهايات. و «أضداد»، التي تنتقي منها ما يقيم أوَد الاستواء. ما يجعل المعاني كالفراشات في حضرة الحقول المفتوحة على الشمس والنار أيضاً.

وعن «عزلة الرُّمان». كأنها عن عزلتها تكتب. تتهَادى اللغة بكنوزها و «مسٌّ من الماء» ذلك الذي جُبلْنا عليه. قد يكون ماء الروح هذه المرة، وماء شغف ركنَّاه حتى انهمار وجع صفيق.

و«تراب الروح»، و«في بهو النساء»، و «وقْع خفيف»، ذلك الذي يمكن تلمُّس شيء من إضاءة لرؤيتها. لا تكشف سرَّاً بـ «لماذا» الكتابة. تضعنا أمام الورطات الجميلة: «أكتب كي أضيء.../ كذا الشعَاع/ ينسلُّ خلسة/ ليمحو الظلام».

حمدة خميس: صوت مُؤسِّس عصيٌّ على الغياب والنسيان.

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 4900 - الجمعة 05 فبراير 2016م الموافق 26 ربيع الثاني 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً