العدد 4904 - الثلثاء 09 فبراير 2016م الموافق 30 ربيع الثاني 1437هـ

كوريا الشمالية وتجاربها النووية

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

لم يكن ينقص الولايات المتحدة الأميركية، الغارقة في مستنقع الشرق الأوسط وحروبه بالوكالة، سوى إطلاق كوريا الشمالية لصاروخها النووي الأخير في موقف لم يفهم منه الخبراء والسياسيون إلا نوعاً من التحدي واستعراض العضلات أمام القوى الدولية. فهل حقاً تستعرض كوريا العضلات أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟

الدكتاتور الزئبقي

قبل التطرق للحدث ثمة أمور يستوجب الإشارة إليها بأن «كيم جونغ أون» زعيم كوريا الشمالية الذي تعلم في سويسرا وتولى الحكم الاشتراكي الشيوعي وراثة خلفاً لأبيه عام 2011 في الثلاثينات من عمره، هو ذاته الذي يصدر الأوامر بإجراء التجارب وإطلاق الصواريخ. تصفه وسائل الإعلام بأنه شخصية زئبقية دكتاتورية شرسة يصعب التكهن بما يدور في باله وأفعاله، سواء أكان ذلك للأعداء أو للحلفاء، فمستوى التحدى والعناد لديه فيما يتعلق بالتجارب النووية كما يقولون لا حدود له ولا تكهنات، وإذا ركز على شيء فلابد أن يستحوذ عليه. وماذا أيضاً؟

سنوات إدارته للبلاد تميزت بأحداث مثيرة احتلت عناوين رئيسية في الصحافة والإعلام العالمي، وخصوصاً فيما يخص البرامج النووية والأسلحة والتصفيات، فقد غير وزير الدفاع أربع مرات، وعلى عهدة المخابرات الكورية الجنوبية أعدم أحدهم بسلاح مضاد للطائرات، كما قام بتصفية خمسة من كبار المسئولين المؤيدين الرئيسيين لزعامته، أحدهم زوج عمته الذي يعتبر السلطة الفعلية وراء العرش وذلك في 2013. الزعيم يعزز سلطته وإظهار صورته كقائد قوي حاله حال زعماء الاستبداد والدكتاتوريين عبر المؤسسة العسكرية المعروفة بالتشدد هي الأخرى.

داخلياً وفي ظل حكم الزعيم الشاب المرح توقع الكثيرون بحكم سنه واشتداد العزلة الدولية المفروضة على بلاده التي تعاني من فقر مدقع في الأصل، توقعوا انتشار الفوضى بل وانهيار النظام، بيد أن الاقتصاد الموازي وتنامي المشروعات الخاصة التي يغض الطرف عنها قد ازدهر وزاد من حجم الفجوة الطبقية بين الفئات الاجتماعية، الأمر الذي يتوقع المراقبون أن يدفعه لإجراء إصلاحات اقتصادية في نهاية المطاف.

تجارب نووية وشكوك

الإعلان عن التجربة النووية الرابعة بإطلاق الصاروخ «كوانغميونغسونغ-4» مطلع هذا العام، ليست المرة الأولى، فقد سبق وأعلنت كوريا الشمالية عن اختبارها للقنبلة الهيدروجينية وعن إطلاق صاروخ عابر للقارات وآخر يطلق من الغواصات، إضافة لاختبارات أي.سي.بي.إم وإس.إل.بي.إم، وصاروخ طويل المدى من نوع «أونها-3» عام 2012 سبق وأن باءت تجربته بالفشل في عهد أبيه. التجربة الأخيرة وبأمر من الزعيم «كيم جونغ أون» نجحت حسب كوريا الشمالية بوضع القمر الصناعي في المدار لمراقبة الأرض، وهي ترى أن النجاح في إطلاق الصاروخ يمثل حدث العصر في تطور البلاد العلمي والتقني والاقتصادي وقدراتها الدفاعية عبر ممارسة حقها المشروع في استخدام الفضاء لأغراض سلمية ومستقلة، كما إن اختبارها الصواريخ البالستية في مجال صناعة الأسلحة قادر على ضرب الأراضي الأميركية، وهي بهذا الإجراء حتماً تتحدى وتخالف قرارات الأمم المتحدة والأسرة الدولية التي تتباحث لفرض عقوبات جديدة عليها.

وبرغم تشكيك الولايات المتحدة وشركائها والاستخبارات الغربية في قدرة ومستوى اختباراتها، إلا أن وزارة الدفاع الأميركية ذكرت «بأن آلية الإطلاق وصلت إلى الفضاء على ما يبدو»، في هذا الصدد يشير مهندس الفضاء «جون شيلينغ» الذي يقدر مخزون «بيونغ يانغ» بنحو «1000 صاروخ» بأنه يرتكز أساساً على تكنولوجيا سوفيتية قديمة، يمكنها الوصول لمعظم الأهداف في كوريا الجنوبية واليابان، بل إنها حققت مستوى متطور تكنولوجيا في نقل السلاح النووي للهدف، الأمر الذي يرسخها كقوة نووية صغيرة في السنوات المقبلة، إلا إنها من وجهة نظره تواجه تحديات تقنية في تطوير صواريخ عابرة للقارات فعالة يمكنها إطلاق سلاح نووي عبر المحيط الهادي على الولايات المتحدة. لماذا؟ لأنها برأيه قادرة على إطلاق عدد محدود من صواريخ «تايبودونغ» طويلة المدى في حالة الطوارئ، لكنها غير موثوقة وعرضة لضربة وقائية وغير دقيقة... مضيفاً، إنه وخلافاً للقمر الصناعي، أي رأس نووي على صاروخ عابر للقارات يجب أن يتمكن من النزول إلى جانب الصعود.. وكوريا الشمالية لم تبرهن يوماً على أنها قادرة على صنع آلية يمكنها العودة إلى الغلاف الجوي ومواصلة طريقها»، ومع ذلك فالتنديدات والاستنكارات لم تتوقف تجاه دوافع الخطوة الكورية الشمالية.

تنديد وإدانات

من جانبها، كوريا الجنوبية حليف واشنطن ترى أن التجارب النووية ما هي إلا رسالة تهديد موجهة لها وللعالم، وهي تتم لأغراض سياسية، أبرزها التهيّؤ لعقد مؤتمر الحزب الحاكم في مايو/ أيار المقبل، والذي أسسه جد الزعيم الحالي وورث زعامته الأب «كيم جونغ إيل» والد كيم، و»كيم» في هذه الخطوة يريد الظهور أمام المؤتمر بإنجازاته ونجاحه في إحداث طفرة في تعزيز القدرة النووية على الساحة الداخلية أو الخارجية.

الاختبار النووي الأخير تعرض للإدانات والمعارضة الدولية، واشنطن رأت فيه «استفزازاً» يهدد أمن آسيا وله عواقب وخيمة وخطيرة، كما أشار الأمين العام للأمم المتحدة بأن إطلاق الصاروخ مؤسف وينتهك قرارات الأمم المتحدة التي تحظر عليها تطوير أي برنامج نووي أو بالستي، مطالباً إياها بالكف عن أعمالها الاستفزازية. اليابان من جهتها تتعامل بريبة وحساسية مع الخطر الكوري الشمالي، وتفكر باتخاذ خطوات استباقية قد تشمل ضرب قواعد الصواريخ، وقد بادرت إلى نشر بطاريات دفاع صاروخي ومدمرتين في بحرها الإقليمي وهذا ما أثار حفيظة الصين. ودعت واشنطن وكوريا الجنوبية لعقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي لتبني إجراءات عقابية جديدة قوية، كما أعلنتا عن بدء محادثاتهما لنشر نظام دفاعي أميركي متطور مضاد للصواريخ «ثاد» في كوريا الجنوبية ولمواجهة التهديدات وهذا ما تعترض عليه بكين بشدة، برغم استيائها وأسفها واتفاقها مع واشنطن على أهمية الرد الدولي القوي والموحد على هذه الاستفزازات، فهما في نهاية المطاف لا تقبلان بكوريا الشمالية كدولة نووية. أما موسكو فأدنت الخطوة داعية «للاحتجاج الصارم» ونصحت كوريا الشمالية بعدم تجاهل مبادئ القانون الدولي، معتبرة التجربة الصاروخية «صفعة خطيرة لأمن حكومات المنطقة وأولها كوريا الشمالية نفسها»، فيما وصفت فرنسا الخطوة بأنها «عمل استفزاز جنوني»، داعية الأسرة الدولية للرد السريع والقاسي، ومثلها دانت لندن «بحزم» إطلاق الصاروخ، ودعت إلى «رد قوي».

ختاماً، لاشك أن استمرار التجارب النووية الكورية الشمالية يشكل تحدياً دبلوماسياً وأمنياً كبيراً لدول الجوار، كما يبقي على أوضاعها الأمنية والإقليمية متوترة ومضطربة لجهة الصراع بين القوتين العظميين «الولايات المتحدة والصين» على بحر الصين الجنوبي والعلاقات بين الصين وتايون، وما أثير حول نشر صواريخ «ثاد»، فكل هذا وذاك ومعهم زئبقية الزعيم وعدم التنبّؤ بتصرفاته وخطابه العدائي يجعل المنطقة حقاً على حافة الهاوية، لكن ثمة سؤال بريء يستوجب طرحه: لماذا يحق لإسرائيل العنصرية العدوانية إجراء تجاربها النووية وممنوع على غيرها؟

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 4904 - الثلثاء 09 فبراير 2016م الموافق 30 ربيع الثاني 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً