العدد 4910 - الإثنين 15 فبراير 2016م الموافق 07 جمادى الأولى 1437هـ

الانتخابات الرئاسية في تايوان

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

نجحت مرشحة الحزب الديمقراطي التقدمي تساي انج وين، فيما أخفق مرشح حزب الكومنتانج الأكثر قربًا من الصين Tsai Ing-wen والذي تولى الرئاسة منذ العام 2008 إلى 2016، وحقق إنجازات ملموسة في التقارب بين بكين وتايبيه لعل أهمها اللقاء الثنائي مع الرئيس الصيني شي جين بنج في سنغافورة، وكذلك نجحت الدبلوماسية التايوانية في تلك الفترة في تحسين علاقاتها غير الرسمية مع الولايات المتحدة وفي توقيعها 25 اتفاقية تعاون مع اليابان وهو ما يمثل زيادة بنسبة 4 في المئة في عدد الاتفاقات التي وقعت بين البلدين منذ 60 عاماً، كما نجحت الدبلوماسية التايوانية في الحصول على معاملة تفضيلية بزيادة عدد الدول التي تسمح لمواطني تايوان الدخول بدون تأشيرة من خمس دول إلى 158 منذ العام 2008، وتحولت تايوان من دور خالقة المشاكل إلى دور صانعة السلام في النزاعات الدولية.

وعلى رغم ذلك فان تساي، مرشحة الحزب الديمقراطي التقدمي، والتي فازت وستتسلم المنصب في مايو/أيار 2016 هاجمت الدبلوماسية التايوانية في عهد حكومة الكومنتانج، واتهمت أثناء حملتها الانتخابية الدبلوماسيين بأنهم فقدوا قدرتهم على الصلابة وفقدوا القدرة على الرؤية والكفاءة والمنافسة؛ ولذلك فإن تايوان من وجهة نظرها أصبحت أسيرة بكين، كما طالبت تساي في فترة الانتخابات بإصلاح وزارة خارجيتها، وتخليصها من الأفراد غير ذوي الكفاءة وتحويلها إلى دبلوماسيين وصفتهم بأنهم يجب أن يكونوا مناضلين، لكن في مناقشة انتخابية أخرى بعد ذلك تراجعت عن موقفها عند إجابتها على سؤال عن هدنة 1992 وقالت إنها ليست الاختيار الوحيد، كما أبدت مرونة في نظرتها للدبلوماسية التايوانية في عهد الكومنتانج.

السؤال الذي يفرض نفسه، هو ماذا ستكون الاختيارات أمام المسئولة الجديدة في تايوان؟ ومن أجل الإجابة على ذلك فان المحللين المتابعين إلى الأوضاع في تايوان يرون أن هناك ثلاثة احتمالات أمام المسئولة الجديدة، هي:

الأول - الحفاظ على هدنة 1992 بين تايبيه وبكين، وهو ما يحافظ على علاقة الطرفين وتنافسهما الدبلوماسي، ويوفر الأموال والجهد بعد الفضيحة التي لحقت بدبلوماسيتها في مايو العام 2008 عندما انفجرت حادثة محاولة إدارة تشين شوي بيان Chen Shui Bian تقديم رشوة بمبلغ 30 مليون دولار الي بابونيوغينيا «غنيا الجديدة» ولذلك، فان التوافق بين الطرفين منذ العام 1992 وفر المنافسة والفضائح، وأدى إلى تحويل تايبيه إلى بلد صانع السلام وليس صانع المشاكل.

الثاني - الدبلوماسية المرنة بالحفاظ على علاقات الطرفين في ظل مبدأ الصين الواحدة، وترك تفسير معنى ذلك لكل طرف، وهذا سيسمح بتطوير علاقاتهما دون إحراج أي طرف؛ ومن ثم تحقق وقف إطلاق النار الدبلوماسي غير الرسمي بحثًا عن الحلفاء، ويتنبأ أحد المشرعين من حزب الكو منتانج أن يؤدي موقف تايبيه المتشدد في الفترة المقبلة إلى تحويل معظم حلفاء تايبيه إلى الاعتراف بالصين الشعبية وانخفاض عدد مؤيدي تايبيه من 22 إلى 4 دول فقط، أي ستفقد تايبيه 18 دولة ممن هي من المؤيدين لها. وذهب بعض أعضاء حكومة تشين شوي يبان السابقة إلى أن احتمال تحول عدد من الدول إلى الاعتراف ببكين وسحب اعترافهم بتايبيه احتمال قوي وربما يكون له تأثير» ظاهرة الدومينو» في علاقات تايبيه مع الدول الأخرى.

الثالث - خروج بعض الدول من تأييد او الاعتراف بأي من الطرفين كما حدث في خروج جامبيا من مؤيدي تايبيه في (نوفمبر/ تشرين الثاني 2013) وأصبحت دولة جامبيا بلا تمثيل مع أي من بكين أو تايبيه، وأشارت معلومات الخارجية الأميركية إلى أنه لا توجد شواهد على ممارسة بكين أي ضغط على جامبيا لسحب اعترافها بتايبيه.

ويذهب البعض إلى أن إنهاء الهدنة الدبلوماسية التي تم التوصل إليها العام 1992 سينهي التقارب بين الطرفين عبر المضيق وهو الذي ساد منذ 2008 ويقوض السلام والاستقرار في المنطقة.

ويذهب بعض الخبراء الأميركيين إلى أن الطرفين عليهما اتباع سياسة براغماتية، وينتهجون تفكيرًا جديدًا حول مفهوم السيادة والوضع السياسي لتايوان بالاعتراف بأن وجود البلدين في إطار سيادة الصين الواحدة وتحويل تفاهم 1992 إلى اتفاق سلام دائم فإنه يعني انتهاج سياسة التفكير البناء، وهذا أحد الخيارات الذي يبعد الصراعات والخلافات في علاقات طرفي المضيق والتي كانت سائدة قبل العام 2008 (أي وصول حزب الكومنتانج إلى السلطة) ويمكن أن يكون ذلك البديل تعبيرًا عن منطق سيناريو الكسب المتبادل للطرفين وللمجتمع الدولي ككل.

ولكن السؤال الذي يمكن أن يطرحه أي محلل سياسي محايد هو هل من الأفضل لتايوان أن تكون جزءًا مهمًّا مع دولة عملاقة مثل الصين؟ أم تكون دولة مستقلة ضعيفة لا حول لها ولا قوة وتواجه تحديات ومخاطر جمة على الساحتين الإقليمية والدولية؟ أم تكون دويلة تابعة إلى قوة عظمى بعيدة عنها ثقافيًّا واجتماعيًّا وجغرافيًّا لا تنظر إليها إلا شذرًا، وفقط من أجل تحقيق مصالحها واستراتيجيتها الدولية في التنافس مع الصين العملاقة، ومن أجل السيطرة والهيمنة في مناطق بعيدة عن موقعها الجغرافي، وهي دولة معروفة بتخليها عن أكثر حلفائها مصداقية في مناطق عدة من العالم عندما تجد مصالحها الاستراتيجية في مثل هذا التغيير؟

هذا بالتأكيد سيكون السؤال المطروح على القيادة التايوانية الجديدة؟ والإجابة على ذلك تستلزم أن يسود التفكير العقلاني والمنطقي برؤية استراتيجية تبتعد عن الشعارات السياسية المثالثة الحالمة، وترتبط بأرض الواقع وبالتراث والتاريخ والمصلحة على المدى البعيد.

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 4910 - الإثنين 15 فبراير 2016م الموافق 07 جمادى الأولى 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً