العدد 4911 - الثلثاء 16 فبراير 2016م الموافق 08 جمادى الأولى 1437هـ

أبناء الأكارم والأصول!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

من الأخبار التي استوقفت العين أمس، خبر إدانة طبيبة كويتية والحكم عليها بـ3 سنوات و6 أشهر، ودفع مبلغ 5001 دينار، في قضية تعذيب وضرب «خادمتها» من الجنسية المدغشقرية بجسمٍ صلب.

لا ندري ما هو كنه هذا الجسم الصلب، حيث لم تذكر الصحيفة هذا التفصيل... لكنّي تخيّلته أحد محتويات الصالة أو المطبخ: مطفأة سجائر أو كوباً أو مزهريةً أو زجاجة بيبسي أو غلاية شاي، ما تسبّب لها بعاهة مستدامة، بفقدها البصر في عينها اليسرى.

الطبيبة كانت تعذّب هذه المرأة الأجيرة يومياً وبشكل مستمر، وتبيّن لسلطات التحقيق أن للمتهمة سوابق في قضية تعذيب «خادمة» أخرى، ما يدلّ على نفسيةٍ ساديةٍ مريضة، تتلذّذ بتعذيب الآخرين. وقال محامي الضحية: إن القانون «جرّم الرق والاستعباد ومعاملة الخادمة بمبدأ السيد والعبد، وهذا من مظاهر الرجعية البائدة التي جرّمها المشرع الكويتي».

أما الضحية فقالت إنها تركت بلادها وجاءت لـ «بلد الخير والإنسانية؛ هرباً من الفقر والعوز في بلادها»، لكنها لم تتوقّع أن يكون مصيرها الحجز والتعذيب اليومي وفقدان البصر. ورغم تعاسة هذه المرأة البائسة، إلا أن من حسن الحظ أن القضاء أنصفها وحكم على الجانية بالسجن والغرامة المالية، مع أن كل أموال الدنيا لن تعوّضها عن عينها المطفأة. وستظل هذه العاهة لصيقةً بذاكرتها في كل خطوة تخطوها، وفي كل مرحلة من حياتها، تؤثر على نفسيتها وتستعيد ذكراها السيئة إلى الأبد... حتى تنزل إلى القبر.

لا يهم أن نعرف اسم هذه المرأة، أو نسأل عن جنسيتها أو دينها أو مذهبها لنتعاطف معها، يكفي أنها إنسانةٌ مثلنا، ويكفي أن نتخيّل صورتها، امرأةً سمراء، بعين واحدة، ووجه مليء بالكدمات والتجاعيد التي حفرها الألم جراء أشهرٍ من المعاناة. فبسبب الروح العنصرية التي تتلبّسنا؛ عادةً ما نبدأ بالسؤال عند كل حدث أو واقعة: من أين فلان؟ فإذا كان من جماعتنا ملنا له بقلوبنا، وإذا كان من الأقوام الأخرى أخرجناه من دائرة تعاطفنا.

قبل يومين، تلقيّت فيديو قصيراًً جداً (مدته دقيقة وعشر ثوانٍ)، أعجبني لما يحمله من رسالة إنسانية جميلة جداً، من إنتاج «هيئة حقوق الإنسان» السعودية. يبدأ الفيديو بصورةٍ لحقول القرية حيث تعمل النسوة. ثم تنتقل الكاميرا إلى البيوت الخشبية، وهي شبيهة بالبيوت والعشش التي كان يعيش فيها أجدادنا في الخليج، قبل اكتشاف النفط. مجرد كوخٍ بين مزارع، تقف أمامه العائلة الإندونيسية لحظة الوداع المريرة. يجرّ الأب طفله المتعلق بأمه من الخلف، بينما تتعلق بها طفلتها من الأمام، ودموعها تسحّ على خدها في حسرة. كيف كنا سنشعر لو كانت هذه الأم أختنا أو أمّنا أو زوجتنا أو إحدى قريباتنا، اضطرتها ظروف الفقر للهجرة طلباً لإعالة عائلتها وإنقاذها من غائلة الجوع؟

تتحرّك السيارة بالأم، الأب ممسكٌ بطفله، بينما تفلت الطفلة يدها منه وتجري وراء السيارة، حيث تنظر الأم بلوعةٍ من زجاجها الخلفي دون أن تلحق بها، فتناديها يائسةً بصوتٍ عالٍ: ماما.

تصل المرأة في اللقطة التالية إلى السكن الجديد، فيلا كبيرة فخمة أو قصر، وهي تحمل حقيبة صغيرة وكيساً يحتوي متاعها القليل. يُفتح لها باب القصر، وتستقبلها سيدة المنزل وطفلتها متمسكة بها، فتبادر باحتضان المرأة القادمة. طبعاً ليست هذه طريقة الاستقبال الأكثر شيوعاً، فبعضهم يستقبلها بالنظرات الشزراء أو بالضحكات الساخرة من اللحظة الأولى، ما يزرع في نفوسهن بذور الحقد على هذه الأقوام المترفة التي لا تجيد أبسط قواعد السلوك والتعامل الإنساني.

الفيلم القصير جداً يُختم بوصية الرسول الأعظم (ص) الذي نسيناه وأضعنا سنّته «من كان أخوه تحت يده فليُطعمه مما يأكل، وليُلبسه مما يلبس، ولا تكلّفوهم ما يغلبهم، فإن كلّفتموهم فأعينوهم». صدقتَ وبلّغتَ يا رسول الله.

ترى من منا يطبّق مثل هذه التعاليم الإنسانية البسيطة الواضحة الناصعة... في بيته وأسرته؟

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 4911 - الثلثاء 16 فبراير 2016م الموافق 08 جمادى الأولى 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 15 | 10:12 ص

      ما هو اسم الفيديو

      لو سمحت استاد شلون نقدر انشوف الفيديو

    • زائر 10 | 3:07 ص

      الخدم

      في رأيي إلى الناس الأغنياء مو كل من هب و دب حط ليه خدامه أو خدام حق بس أرباب.

    • زائر 13 زائر 10 | 5:28 ص

      كلامك

      عين الصواب

    • زائر 9 | 2:50 ص

      نحن نعامل الخدم كافراد الاسرة يطبخون وياكلون وجباتهم الخاصة بهم ونزيد رواتبهم سنويا ويسافرن كل عامين مباشرة (وليس ترانزيت) الي موطنهم لمدة اربع اسابيع ..واذا فضلن عدم السفر صرفنا لهن قيمة التذكرة
      وقديما قيل "لو خليت خربت"

    • زائر 8 | 1:38 ص

      لا حول ولا قوة إلا بالله!

      وقلْ للشامتين بنا أفيقوا * سيلقى الشامتون كما لقينا

    • زائر 11 زائر 8 | 4:23 ص

      الحمد لله. نتعامل مع خادمتنا بطيب نفس واسلوب جيد. فان كانت كريمة بادلتنا المودة والاحترام وان لم تكن كذلك لم يهمنا لأننا محاسبون على أعمالنا لا على أعمال غيرنا. هؤلاء أمانة عندنا الى يوم يرجعون الى أهاليهم. لا زلت أذكر احداهن يوم سفرها وكيف بكت لفراقنا وعانقت زوجتي وبكت كلتاهما ثم عانقت الأطفال واحدا واحدا. ابنتها التي كانت تجيد العربية لأنها عملت من قبل في بلد عربي كانت تتصل لنا لتشكرنا على الاهتمام بوالدتها ونحن لم نفعل شيئا سوى المعاملة الطيبة. هكذا هم اصبحو يتوقعون الأسوأ من هول مايسمعون.

    • زائر 7 | 1:12 ص

      هل الكلمة للنواب و المسؤاين الذين تركضوا وراء المصلحة الخاصة و تركوا الاعباء للشعب المعدم فزادوا من أعباءه برفع الاسعار و جلب من يحتل اراضيه و بيوته و وظائفه بدلا عنه.
      حسبنا الله و نعم الوكيل

    • زائر 6 | 12:06 ص

      ..

      المفترض احنا مانجيب العاملات
      وصلنا لزمن نتكاسل عن اداء مهام المنزل
      مجرد استعباد ولكن بمسمى اخر

    • زائر 5 | 11:49 م

      مقال جميل يحمل معاني إنسانية رائعة

    • زائر 3 | 10:59 م

      دكتور وجه نصيحه لأولياء الأمور المهملين إلي أولادهم يقذفون الآسيويين بالحصي اثناء مرورهم وخاصه في القري

    • زائر 4 زائر 3 | 11:33 م

      ??,,

      شنو هالكلام؟

    • زائر 2 | 10:48 م

      سﻻم الله على الأمير

      ما جاع فقير إلا بما متع به غني فلعنة الله على الأغنياء الذين ليس في مالهم حق للسائل والمحروم

    • زائر 1 | 10:19 م

      الكاسر

      لكل شخص يمتلك خادمة علية ان يتخيل اخته أمة
      في نفس الموقف لكي يرحم من في الارض من ضعفاء

    • زائر 12 زائر 1 | 4:53 ص

      حبيبتي شغالتي

      والله اني اعزها ..13 سنه ما رجعت بلدها ..كبيره في السن ..انسانه امينه وربت الجهال وما قصرت ..واني بدوري عاطتنها الحريه ولا اجبرها علي العمل ..واقصر على روحي واولادي ولا أقصر عليها ..الشغاله الزينه نعمه من الله ..الله يعطيها الصحه

اقرأ ايضاً