العدد 4920 - الخميس 25 فبراير 2016م الموافق 17 جمادى الأولى 1437هـ

التطوع في بناء السلوك البشري والتنمية المستدامة

شبر إبراهيم الوداعي

باحث بحريني

التطوع ثقافة عميقة الجذور في الموروث الإنساني للمجتمعات البشرية وتمثل مؤشراً رئيساً في ثقافة الأقوام ومقوماً مهمّاً في استدامة الجماعات البشرية، ويؤرخ وجودها بوجود اﻻنسان على البسيطة، ومنذ أن صار الانسان يعيش في جماعات تجمعها المصالح المشتركة أخذ في العمل على توفير متطلبات الحياة والأمن المعيشي، وبناء مجتمع متعاون في العمل من أجل صون بقاء الجماعات البشرية المترابطة في ظروف مصالحها المعيشية والاجتماعية.

الباحث الاجتماعي محمود علي حافظ في بحثه «العمل الاجتماعي التطوعي الخليجي وجمعياته في ميزان التقويم» المقدم إلى الملتقى الاجتماعي السادس لجمعيات وروابط الاجتماعيين في دول مجلس التعاون المنعقد في (فبراير/ شباط 2001) في الشارقة، يشير إلى جانب من محددات العمل التطوعي في مراحله الأولى المتمثلة في التعاضد الاجتماعي في مختلف تجلياته الإنسانية ضمن واقع تاريخ المجتمع الاسلامي والعربي.

ومن الطبيعي عند معالجة التطوع في نسقه التاريخي تأكيد حقيقة الأثر الفعلي للظروف الحياتية التي أحاطت بواقع وجود الجماعات البشرية في تكون المفاهيم وثقافة المجتمعات الانسانية التي حددت أهداف ومسارات وقيم التطوع كمنهج انساني، وعلى رغم محدودية الإدراك الاجتماعي في المراحل الأولى للتاريخ الانساني فإن الحقائق التاريخية تشير الى تبني الجماعات البشرية ثقافة العمل الجماعي في إعمار الاراضي الزراعية، وصون ثرواتها ومواجهة المخاطر الطبيعية، والحرص على نقل قيم وثقافة التطوع إلى الأجيال المقبلة.

المتغيرات المتواترة في حياة المجتمعات أفرزت واقعاً مختلفاً عما كان يعيش فيه أجدادنا، وتجسد ذلك في التعقيدات الحياتية والمخاطر التي تطلبت البحث عن أنماط مختلفة في مضمون آلية العمل التطوعي، وذلك الواقع عمّق الوعي بضرورة تبني نهج أكثر فاعلية لمواجهة المتغيرات الحياتية معززة بالأهداف المتنوعة في جوهر مضامينها، بيدَ أنها على رغم الاختلاف في مظهرها فإنها متفقة في جوهر المسار، والمفاهيم والقيم التي بنته الإنسانية في مسيرة تطورها الحضاري.

التطوع البيئي من الإفرازات المهمة للحراك التاريخي للمجتمعات وصار من المظاهر البارزة للعمل الاجتماعي المدني وأداة مهمة في إنجاز أهداف بناء السلوك البشري والتنمية المستدامة في المرحلة المعاصر، ويتعزز ذلك النهج في اتجاهين رئيسيين يتمثل الاتجاه الأول في نشاطات منظمات المجتمع المدني التي تقدم خدمات متنوعة في مختلف مجالات العمل التطوعي في المجال البيئي، وفي جهود الموظفين الذين يتبنون مبدأ التطوع، ونهج الإلتزام المسئول في إنجاز مهامهم الوظيفية ومتابعة عملية تنفيذها خارج الدوام الرسمي بما يساهم في تعزيز فاعلية الإدارة البيئية.

التطوع البيئي في العمل الوظيفي يمثل ركيزة مهمة في تطوير قدرات مناهج العمل البيئي، وحفز المشاركات الفردية والمجتمعية وتسخير جهدها وطاقاتها الإبداعية والمعرفية في ابتكار وتنفيذ البرامج الفعلية والمفيدة في رعاية البيئة وصون نظمها الطبيعية وتنميتها، ويشكل ذلك الاتجاه من جانب آخر عاملاً مهمّاً في تفعيل وتجسيد واقع الإدارة البيئية في نظام عمل المؤسسات مختلفة الاتجاهات في نشاطاتها الوظيفية، ودفعها إلى المساهمة وإبداء قدر من الاهتمام في دعم جهود العمل البيئي، وتسخير إمكانياتها الفنية والإدارية في تعضيد قدرات الدولة في الميادين المختلفة للرقابة البيئية، ومكافحة حالات الطوارئ البيئية، ودعم المشاريع الخاصة بتنمية الوعي والثقافة البيئية للمجتمع.

نهج التطوع البيئي في إطار العمل الوظيفي لا يمكن أن يحقق نتائج ملموسة من دون توافر جملة من العوامل المتنوعة في تكويناتها وتأثيراتها الوظيفية والذاتية، وتتمثل في إعطاء المؤسسة قدراً كافياً من الاهتمام بالجهود الفردية في العمل البيئي، وتوفير بيئة إنسانية ملائمة للعمل والإبداع واحترام الجهود الفردية، ووضع نظام للحوافز يمكن أن يساهم في حفز جهود الفرد للقيام بواجباته الوظيفية بتفان وإبداع، وتتمحور العوامل الأخرى حول ضرورة توافر الجاهزية الفردية لإبداء قدر من الاهتمام والتضحية الذاتية لتحقيق نهج التطوع البيئي في إطار العمل الوظيفي، وذلك من خلال المساهمة الفعلية في تحقيق التحول النوعي في مستوى الانجاز وتجسيد الأهداف.

وينبغي القول إن نهج التطوع البيئي في العمل الوظيفي ظاهرة حضارية يتسابق إلى تأكيد وجودها شريحة اجتماعية هي في تعاظم، ويتمثل ذلك في الجهد الملموس الذي يبذله عدد كبير من أفراد المجتمع ضمن واقع عملهم الوظيفي في مختلف المؤسسات المتنوعة في نشاطاتها في تفعيل جهود العمل البيئي المتنوع الاتجاهات والأهداف، وتأكيد هويته الحضارية في إطار عمل مؤسساتهم، ويتجسد ذلك في سياق السعي إلى تنفيذ البرامج البيئية ضمن نشاطات المؤسسة، إلى جانب سعي عدد مهم من العاملين في المؤسسات البيئية والأخرى إلى إنجاز مهامهم الوظيفية ما بعد الدوام الرسمي للمؤسسة، ومساهمة عدد من الأفراد في جهود العمل البيئي بشكل تطوعي.

ومن الطبيعي ألا نغفل الحقائق التي تشير إلى أن عدداً من المؤسسات أدركت فوائد ذلك النهج، وضرورات تهيئة الظروف والبيئة الإنسانية الملائمة لحفز الجهود الفردية والاهتمام بها، بيد أنه لايزال هناك الكثير من المؤسسات لا تعي ضرورات ذلك ولا تعير الاهتمام بالقدرات العلمية والفنية والمعرفية للفرد، وجهوده التطوعية في دعم الخطط الإنسانية والبيئية، كما أن هناك من المؤسسات التي لا توفر البيئة المناسبة لتمكين المتطوع في أداء واجباته، ويعمل مسئولو بعض المؤسسات على استغلال قدرات المتطوعين في تجسيد أهداف المؤسسة وإبراز دورها؛ تحقيقاً لأغراضهم الذاتية، وفي المقابل يجرى تجاهلهم عندما يكونون في حاجة إلى مساعدة.

إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"

العدد 4920 - الخميس 25 فبراير 2016م الموافق 17 جمادى الأولى 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 12:38 ص

      العمل التطوعي يبعث على سعادة حقيقية داخل النفس . أم مروه

اقرأ ايضاً