العدد 4923 - الأحد 28 فبراير 2016م الموافق 20 جمادى الأولى 1437هـ

الدكتورة ندى حفاظ: قراراتي... إنسانية

منذ أن بدأت مسيرتها المهنية كطبيبة عائلة في العام 1984، وضعت في أعلى اهتماماتها إجراء الدراسات والبحوث في مجال الرعاية الصحية الأولية، لا سيما في مجال خدمات رعاية الأمومة والطفولة، لذلك، حين تولت منصب وزيرة الصحة في الفترة من العام 2004 حتى العام 2007، جعلت الدكتورة ندى عباس حفاظ استراتيجية عمل تنطلق من (تطوير النظام الصحي في مملكة البحرين)، وحين اختيرت لعضوية مجلس الشورى في العام 2007، وجدت أن هناك مسئولية وطنية (مهمة) وضعت على عاتقها تحويل الخبرات المتراكمة إلى عمل منجز.

وبكل صراحة، تتحدث الدكتورة ندى حفاظ في ضيافة "بيللا" لتؤكد أنها لم (تخطط) لتكون قيادية فحسب، بل (اجتهدت) لأن تكون قيادية تقدم من عطائها وخبراتها لخدمة الوطن، ولذلك، سألناها في أول محطة من الحوار:"هل توقعت في يوم من الأيام أن تتقلدي منصب وزيرة؟".

أؤمن بالتخطيط والاجتهاد

د.ندى حفاظ: في الحقيقة لم أتوقع ذلك أبدًا! وكان هدفي في مشواري المهني أن أقدم أفضل ما لدي في أي موقع أكون فيه مهما صغر أو كبر، وأؤمن بالتخطيط والاجتهاد كطريق لأي إنسان أيًا كانت وظيفته، وعلى هذا الأساس، فإن أي رجل أو امرأة يبذلان قصارى الجهد في موقعهما، سيصلان يومًا إلى الهدف المنشود لا سيما مع التميز في العمل والتهيؤ الدائم لوظيفة أو موقع أعلى، وهذا يلزم المرأة، وكذلك الرجل، لكنني أتحدث عن القطاع النسوي... أقول، يلزم على المرأة أن تتفانى وتتميز وبالتالي تلفت النظر للفرص القادمة.

ولا شك في أن البروز الإعلامي جانب مهم، أيًا كانت وظيفة المرأة، فهي حين تظهر في أجهزة الإعلام وتتحدث بأسلوب مبهر وبجرأة وبعمق في الحديث والأفكار فهي تسجل لنفسها (كاريزما) لها سماتها في كيفية الكلام ومضمونه ومتى تتحدث وماذا تقول، وكيف تنتقي الكلمات، وأقول إن البروز الإعلامي مسألة حساسة للغاية إذ إنها إما أن تنهض بالمرأة أو تسبب لها الوقوع! لذلك، من المهم الاهتمام بمنهج البروز الإعلامي، ولا أقصد هنا الظهور لمجرد الظهور، بل لصنع شخصية لها حضورها الدائم في المجتمع، وتحرص على أن تكون محبوبة من الجميع وفي أي موقع عمل، ومع تطبيق الأنظمة والقوانين، يجدر بنا أن نكسب مودة العاملين معنا بحسن الخلق.

كاريزما المرأة القيادية

حسن الخلق... جميل جدًا، هل هذا يعني الاهتمام بالوصول إلى الناس من مختلف الأهواء والأمزجة والشخصيات؟

-د.ندى حفاظ: بالتأكيد هذا ما أقصده، فالإنسان الودود طيب الخلق يتقبله الناس بكل يسر وسهولة، وهذه صفات شخصية وعملية وعلمية كذلك مرتبطة بالإنسان، فجزء منها يدخل في خلقته وتركيبته وجزء منها يعتمد على أساليب التنشئة وجزء منها تدريب واكتساب، فعلى سبيل المثال، أنا شخصيًا حضرت العديد من الدورات في الجامعة الأميركية في بيروت لاكتساب مهارات الحديث والتأثير الإيجابي وكيفية الخروج أمام الناس في وسائل الإعلام، أو إعداد الكلمات الخطابية والتحدث في الندوات والتواصل مع المجتمع وبيئة العمل، وهذه أمور تتعدى حدود الشهادة الأكاديمية ومستوى التعليم، فبعض المتميزين دراسيًا وأكاديميًا لم يتمكنوا من البروز في المجتمع ما يجعل الاجتهاد والتفاني وحسن اختيار المهنة المستقبلية معتمدًا على القدرة في التميز والإنتاج.

تجربة قيادية أفضل

ربما تقف الظروف دون تحقيق هذا الهدف لدى الكثيرين... فبحكم خبرتك كيف يصل / تصل... المجتهد أو المجتهدة؟

-د.ندى حفاظ: بصورة عامة، تصبح الخبرات المتراكمة ركنًا مهمًا لأي إنسان يطمح لأن يكون في موقع قيادي، وهذا يجعلنا أمام الانتقال درجة أرفع في كل تجربة... فهنا تجربة قيادية، تصبح أفضل في المنصب المقبل، وتصبح أفضل بكثير في الموقع الذي يلحقه، وسينجح من يسعى إلى ذلك، وهذه الأمور قد لا ندرسها في الكتب، مع أن الاطلاع والبحث مهم، إلا أن التجربة العملية في الحياة تضيف للإنسان قدرة على التعامل مع المواقف المختلفة، والصعبة منها تحديدًا، ولربما تأسف أو شعر بالأسى لظرف صعب ولم يتمكن من توظيف خبراته الموجودة والمكنونة لديه، لكن لا يستطيع إخراجها ليستفيد منها في الموقع المناسب وفي الحدث المناسب.

فلسفة “إنسانية القرار”

وكيف طبقت تلك الأفكار في الحقيبة الوزارية؟

-د.ندى حفاظ: لدي استراتيجي الخاصة في العمل وهي تقوم على التخطيط والاجتهاد كما ذكرت سابقًا، ولكن المهم، وأكرر على (المهم)، هو أن يكون (جانب القيم) هو المرتكز للتعامل في الحياة: عمل، أسرة، مجتمع.. سياسة، وقد لخصت لمشواري البحث في “إنسانية القرار” قبل اتخاذه!

كيف ذلك دكتورة ندى.. هل من توضيح أعمق؟

-د.ندى حفاظ: مدى “إنسانية القرار” يخرجني من الصعوبات، ويحقق لي راحة الضمير.. أي أن (أنام مرتاحة الضمير كما نقول)، وها نحن نرى، من كثرة وتنوع وثقل الملفات في حياتنا وتداخل بعضها في بعض من المستوى المحلي إلى الإقليمي إلى الأوضاع المحيطة إلى حقوق الإنسان.. كلها ملفات تلزمنا أن نسأل أنفسنا عن حجم الإنسانية البحتة ونحن نستعد لإصدار القرار، ومهما أخطأ هذا الطرف أو ذاك، لابد من أن نرتكز على (صدق القرار الإنساني)، وهو مبدئي في حياتي، واكتسبته من تجاربي الخاصة وليس من بطون الكتب.. لم أندم على أي قرار (إنساني) اتخذته يومًا ما.

شعور.. يجرحني

هذا يسري على صعيد اهتمامك أيضًا بقضايا المرأة... البحرينية خصوصًا والعربية عمومًا، فمن أي مسار يكون ذلك؟

د.ندى حفاظ: لا أخفيك القول إن الموضوعات التي تشغل اهتمامي في شأن المرأة كثيرة، ومنها ما هو قريب مني.. مثال، ابنتي المتزوجة من غير بحريني، أرى حجم الإجحاف في حق المرأة البحرينية التي من حقها أن تقترن بمن تريد، لكن الصعوبة هنا في اكتساب الجنسية للأبناء وإقامة الزوج وهذا شعور يجرحني كما يجرح الكثير من المواطنين الذين يعيشون الحالة ذاتها، والأكثر من ذلك هو أنني كوني أمًّا لبنت تعاني هذه المعاناة ويعاني معها مثيلاتها، لم أتمكن، وكنت مخططة في الدولة يومًا ما، أن أضع تصوري تجاه هذه القضية، فالقانون يحكم، وقد حاولت كعضوة مجلس شورى، وهاهو المجلس الأعلى للمرأة يحاول بكل ما لديه من إمكانية لإنهاء معاناة البحرينية المتزوجة من غير بحريني، لأننا نريد حلًا وهو من الموضوعات التي تلقي بهمومها على بيوت بحرينية كثيرة.

لدينا كفاءات.. ما المانع؟

ربما يعود ذلك لثقل المرأة البحرينية القيادية ومدى تأثيرها في اتخاذ القرار.. هل ينقص المرأة البحرينية ذلك؟

د.ندى حفاظ: نريد المزيد من النساء في المراكز القيادية.. أقولها بصراحة، صحيح نحن مارسنا تجربة انتخابية، لكن إذا لم ينتخب الناخب المرأة، فلماذا تُحرم من التعيينات؟ لماذا ليس لدينا وزيرات وعضوات مجلس شورى بنسبة أكبر من الحالية؟ وما المانع من أن، ولو من باب التخيل، أن يتم تعيين نصف أعضاء مجلس الشورى من النساء، ونصف الحكومة منهن؟ صدقني لدينا كفاءات على أعلى مستوى في القطاع النسائي ويمكنهن تقديم عمل رائد، ثم هل الرجال المعينون في المواقع القيادية ملائكة؟.. المرأة البحرينية تتعلم وتتميز جيلًا بعد جيل، وبفخر واعتزاز أقول إنني معجبة بتجربة دولة الإمارات العربية المتحدة، وأكرر أنهم هناك لا يشبهون أحدًا، وآخر إشراقة رأيناها هي تعيين (وزير للسعادة)، فالإمارات لا تشبه أحدًا في قراراتها وهي تحقق القفزة تلو الأخرى ويفعلون ما يرون أنه ينهض ويتقدم بالوطن.

آن أوان القفزات

ذلك يعني أننا نحتاج إلى (قفزة) لكي يتغير واقع المرأة في البحرين؟

-د.ندى حفاظ: لا تزال أمامنا الكثير من المعوقات، وهناك تحديات مستمرة، وكما قلت لك، فإن المجلس الأعلى للمرأة يعمل ويضغط ويحاول، وحدث بلا شك تطور، لكن نحتاج إلى قفزة كبيرة ولا أرى أن نسير وفق الأسلوب (التدريجي)! فقد آن أوان القفزات كما يحدث في الإمارات، لا نريد التدرج ولا البدء من الصفر، فالكفاءات النسائية البحرينية موجودة.

سعيدة بإنجازاتي.. سعيدة بالتقاعد

نتطلع إلى تحقق هذه الأفكار بطموح.. لكن، لتكن محطتنا الأخيرة عن مرحلة التقاعد.. كيف هي معك؟

-د.ندى حفاظ: أنا سعيدة جدًا، فمن الجميل أن يشعر الإنسان بعد ما أنجزه من محطات ومراحل بالعمل الجاد والتفاني وخاض مجالات عديدة بدءًا من الدراسة إلى مواقع العمل المختلفة.. أن يشعر بأنه أنجز ما يرضيه، وأنه سعيد بإنجازاته التي لم تأتِ من فراغ، ومن ثم يشعر أن الأوان قد حان للتقاعد الذي يجب ألا ننظر إليه بنظرة سلبية أو سطحية، فللإنسان الحق أن يعيش حياته ويرتاح بعد سنوات من التعب والاجتهاد، ومن حقه أن يجني ثمار ما سبق مع أسرته وعائلته وعلاقاته الاجتماعية ويعيش السعادة.. نسافر مع أزواجنا وعائلاتنا.. نتلاقى مع الأهل والأصدقاء.. ونقدم ما أمكن لمجتمعنا أيضًا، ولهذا أختم بالقول.. إن النصيحة الذهبية لكل امرأة، وللرجال أيضًا، أن نضع التفاني من أجل الوطن وخدمة الناس في المجتمع هي الطريق للنجاح، ولا يعني ذلك ألا نخطئ.. بل نسير نحو الأفضل دائمًا.

العدد 4923 - الأحد 28 فبراير 2016م الموافق 20 جمادى الأولى 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً