العدد 4942 - الجمعة 18 مارس 2016م الموافق 09 جمادى الآخرة 1437هـ

الجلَّاوي من ظلِّ سواه إلى حضوره

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

بعض «البورتريهات» هنا تستدعي الذين غابوا أو غُيِّبوا. تستدعي الذين اعتزلوا، أو عُزلوا. تستدعي الذين نأى بهم المكان، أو نأوا بالمكان. وفي استدعائهم، استدعاء للذي أحسنوه في هذه الحياة. نعيد القراءة كمن يعيد علائقه بها.

علي الجلَّاوي ونصه الذي بدأه تقمُّصاً لواحد من أكثر شعراء العربية حزناً وغربة: العراقي مظفَّر النوَّاب. ظل لزمن على متاخمة مع ذلك الصوت. يدنو منه حيناً، ويستقل حيناً آخر. لتستقلّ التجربة بعد ذلك، ضمن فضائها المتنوِّع والشفيف، من دون أن يعني ذلك نأيه عن الحزن الأول الذي تقمَّصه واستبد به في أكثر من نص. ثم من منَّا لم يتقمَّص صوتاً سبقه؟ صوتاً حفر حضوراً بحق وإيمان بالقضايا التي ضمَّنها شعره، روايته، قصته، سيرته؟ وهنالك من تقمَّص صوتاً يعلم أنه يترهَّل مع مرور الزمن. لكنه تجاوز ظل سواه إلى حضوره.

في الذهاب إلى السيرة. سيرته يكتنز النثر بالشعر أيضاً. يحدث ذلك ضمن مساحات كبرى من تلك السيرة، وهي متاخمة للحزن والقلق والتمرُّد من دون شك.

«خرجتُ متعرّياً من الحكمة والثورة، كنتُ مُصاباً بنزلة صمت رافقتني، أمشي بممرّ سنواتي الأولى عرْضةً للدهشة، جسدي يفيضُ عليَّ، ربما أكون من فصيلة النحل لأني أحببتُ أكثر من زهرة... فأي لعنة تلك»!

لم يبرح الدهشة تلك، إلا أنه تجاوز بمراحل كبرى «نزلة الصمت»، ومن منا لم يحب أكثر من زهرة في حياته. من منا لم يكن من فصيلة النحل؟!

وفي الحديث عن الإيقاع الذي ظل منحازاً له منذ تجربته المبكرة، بذلك الانهمار حيناً، والتأنِّي حينا آخر، تتهيأ القصيدة كفَرَس تختبر المدى، أو مدى يختبر الفَرَس، نقف على ملامح من ذلك في مجموعته «تشتعل كرزة نهد» سنجد المجرى بدل المدى: ‹›وأنا.. أنا/ حاولت أن أبدو كغيري/ واضحاً أو باهت القدمين/ يمسك ظله من رجله/ ويعيد ترتيب الكمان إلى قميصك/ ثم حاولني/ فكنت أنا.. أنا/ لي زورق قرطاس أدفعه إلى مجرى الزمان/ وياقتي مقلوبة وأعود من نفسي/ ولي شكُّ البنفسج/ حين يصعد سلَّم الأسوار/ يلقي بالقصيدة بين نهديْ سيدة».

وبالعودة إلى إصداراته الشعرية: «وجهان لامرأة واحدة»، «العصيان»، «المدينة الأخيرة»، «دلمونيات»، بجزئيه الأول والثاني، و «تشتعل كرزة نهد»، لا يفارق تلك الحساسية والانضباط مع إيقاع نصه، في تحول يمتد ويضمر، وتنتابه حال من تكرار هنا وهناك بإعادة تدوير المفردة والذهاب في استلالها من القاموس في كثير من الأحيان؛ إلا أنه ينجو بأكثر من نص يكشف عن طاقته في ترك مخيلته على غير هدى، وبغير الهدى ذاك سنقبض على الشعر، وفي أحيان يقبض علينا!

له في البحث ما لم يُطرق - محلياً - ويراد أن يكون مسكوتاً عنه، أو أن يذهب في سياق لا يعكِّر صفو أحد! له مفتتح في هذا الباب أنجز من خلاله: البهائية... السيرة التأسيس المعتقد»، و «يهود البحرين»، في تأسيس سيفتح الباب لتناول أعمق وأشمل.

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 4942 - الجمعة 18 مارس 2016م الموافق 09 جمادى الآخرة 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 2:20 ص

      جميل

      جميل وقوفك في التحليل على عبارات تخرج عن الغموض وﻻ تدخل في السطحية..ليت اﻷدب الحديث يقف دائما في هذا الطريق الذي يكشف ماهية القدرة وانها ليست مجرد اخفاء العجز كمن ركب التجريدية لعجزه عن رسم الانسان

    • زائر 1 | 10:55 م

      دائما متألق

      أبدعت التحليل والتوصيف لدقيق لشاعرنا الفذ

اقرأ ايضاً