العدد 4949 - الجمعة 25 مارس 2016م الموافق 16 جمادى الآخرة 1437هـ

القطان: عندما يُباع الضمير ستجد الشهادة دون درس...والطبيب يهمل فحص مرضاه

الشيخ عدنان القطان
الشيخ عدنان القطان

قال إمام وخطيب جامع مركز أحمد الفاتح الإسلامي، الشيخ عدنان القطان: «إن ضمير الإنسان إذا لم يكن موصولاً بالله، وصاحبه محافظاً على العبادات والطاعات، والذكر وقراءة القرآن، فإنه سيأتي يومٌ يموت فيه هذا الضمير أو يعرض للبيع في سوق الحياة... وعندما يباع الضمير ستجد ذلك الصاحب والصديق الذي ائتمنته على مالك قد خان الأمانة، وتنكر لك».

ورأى القطان، في خطبته يوم أمس الجمعة (25 مارس/ آذار 2016)، أنه «عندما يباع الضمير، ستجد من يعطيك شهادة تعليمية دون أن تدرس يوماً واحداً، وستجد شاهداً باع‎ ضميره، وزور أحداث شهادته، وحول الظالم إلى مظلوم، والمظلوم إلى ظالم، واختل واقع الحياة، وضاع مصير الإنسان».

وأضاف «عندما يباع الضمير ستجد الطبيب الذي يهمل فحص مرضاه في المستشفى ليضطرهم للذهاب إليه في عيادته الخاصة، بل ستجد من يخون أمته، ويبيع وطنه، ويدمر مجتمعه ووطنه».

وأردف قائلاً: «عندما يباع الضمير أو يغيب من النفوس تهمل الواجبات، وتضيع الحقوق والأمانات، ويوسد الأمر إلى غير أهله، وتظهر الخيانات، وتحاك المؤامرات، وتقدم المصالح الشخصية الضيقة على مصالح المجتمع والأمة. فلنحذر من الغفلة، وبيع ضمائرنا، ولنتذكر قوة الله وقدرته وعلمه».

وتابع «ما أتعس ذلك الإنسان عديم الضمير والوازع الديني، عندما يخلو بمحارم الله فينتهكها، فلا يردعه دين ولا خلق، وإن أظهر من أعمال البر والخير ما أظهر، فيحرم التوفيق في الدنيا والثواب في الآخرة؛ لأن ضميره لم يكن مع الله عز وجل».

وأشار إلى أن المجتمعات المسلمة عانَت في هذا العصر من غيابِ الضمير الحيِّ الواعِي، ذلكم الضميرُ الذي عوَّدَهم في غابرِ الأزمان أنه إذا عطسَ أحدٌ منهم في المشرقِ، سمَّتَه من بالمغرب، وإذا استغاثَ من بالشمال، لامسَت استِغاثتُه أسماعَ من بالجَنوب. بَيْد أن الدهشة كل الدهشة مما أصابَ الأمةَ الإسلامية في هذا العصر والزمان؛ حيث يصرخُ من هو بجانبِك ويئِنُّ، فلا يُسمَع، ويُشيرُ بيدَيه: الغوثَ الغوثَ، فلا يُرى.

وقال: «لا يشكُّ كل صادق غيور أن الأمةَ الإسلامية بمجموعها وهي تكتوِي بلَهيبِ الصِّراعات والنَّكَبَات والعُدوان والحُروب التي أكلَت الأخضرَ واليابِسَ، أحوجُ ما تكون إلى إحياء الضمير الصادق، الذي لا غِلَّ فيه ولا حسَد، الضمير المُشفِق الناصِح، الذي يُقدِّمُ مصلحةَ بني مِلَّتِه ومُجتمعِه ووطنه وأهلِه الظاهِرة، على مصلَحَته الشخصيَّة القاصِرة؛ لأننا نُدرِكُ أنه عندما يموتُ الضميرُ، تزأرُ الأثَرَةُ وحبُّ الذات، ويُصبِحُ منطقُ الأفراد والمُجتمعات: عليك نفسَك، لن تُقدِّم أو تُؤخِّر، ماذا عساكَ أن تصنَع؟ لستَ كفيلاً على بني آدم، ولا وكيلاً، ولا حفيظًاً».

وزاد في القول: «عندما يموتُ الضميرُ، يُؤمَّنُ الخائنُ، ويُخوَّنُ الأمين، ويُصدَّقُ الكاذِبُ، ويُكذَّبُ الصادق... عندما يموتُ الضمير، يستأسِدُ الحَمَل، ويستنوِقُ الجمَل، وتنطِقُ الرُّويبِضَة، ويتَّخِذُ الناسُ رُؤوساً جُهَّالاً فيضِلُّوا ويُضِلُّوا، ويُصبِحُ التعييرُ نصيحةً، والغِيبةُ حُريَّةً، والنَّميمةُ تحذيراً».

وذكر أنه «عندما يموتُ الضميرُ، يُمكنُ للظالِمِ والباغي من أن يدُكَّ شعباً كاملاً، فلا يُبالِي في أي وادٍ هلَك، فيقتُل ويفجُر، ويأسِرُ ويُشرِّد، فيستصرِخون ويستغيثُون ويُنادُون، ولكن لا حياةَ لمن يُنادَى. وعندما يموتُ الضميرُ، يعلُو الظلمُ، ويخبُو العدل، ويكثُر الشُّحُّ، ويقِلُّ الناصِح، وتُستمطَرُ الآفاتُ والعُقوبات، ويُهدَمُ البُنيان لبِنَةً لبِنَةً، ولاتَ ساعة ترميمٍ. وأخيراً عندما يموتُ الضميرُ، يموتُ الإحساس، وإذا ماتَ الإحساسُ، استوَت الأعالِي والأسافِل، فصارَ باطنُ الأرض خيراً لأهلها من ظاهرِها».

ولفت إلى أن «الدول والحكومات والشعوب والمجالس البرلمانية، لتسن القوانين والدساتير، وتوجد التشريعات، وتحدد العقوبات التي تكفل لها ولأفرادها الحياة الطيبة والآمنة، فتحفظ الحقوق، وتنجز الأعمال، وتؤدي الواجبات، وتكافح الجرائم والمفاسد، ويعيش الفرد ينظر عندما يقدم على عمل ما، إلى موقف القانون والعقوبة المترتبة على ذلك، فإذا وجدت وسائل الرقابة البشرية التزم بذلك، وإلا فإنه سرعان ما يتفلت ويتهرب ويتحايل على هذا القانون».

وأكد أن «المرء لينظر في حياة الناس اليوم فيجد عجباً، مشاكل وصراعات، وتهاجر وقطع أرحام، وغمطاً للحقوق، وتنكراً للمعروف على أتفه الأسباب، بل إنك تجد من يكون سبباً في شقاء المجتمع؛ بسبب سوء أخلاقه وتصرفاته، يستغل المواقف، ويتحين الفرص، ليشبع رغباته، ويحقق شهواته على حساب القيم والأخلاق والدين، ومصالح الآخرين، ومنافع العباد».

وأوضح أن «الناس ما وصلوا إلى هذه الأمور إلا بسبب غياب الضمير الإيماني الذي يهذب الأخلاق، ويقوم اعوجاج السلوك، ويكون سبباً في صلاح النيات، وقبول الأعمال، وكثرة العبادات والطاعات، بل إنه يورث الخوف من الله والخشية من عذابه وسخطه».

واعتبر أن «تربية الضمير، وتقوية الوازع الديني في نفوس الناس، فيه سعادة الأفراد والمجتمعات والدول، ومن دونه لن يكون إلا مزيد من الشقاء والتعاسة، مهما تطورت الأمم في قوانينها ودساتيرها، وطرق ضبطها للجرائم، وإدارة شئون الناس، فإنه سيأتي يوم وتظهر ثغرات في هذه القوانين، وبالتالي ما الذي يمنع الموظف أن يرتشي أو يسرق أو يختلس، والكاتب أن يزوّر ويدلّس، والجندي أن يخل في عمله، والطبيب أن يهمل في علاج مريضه، ما الذي يمنع المعلم أن يقصر في واجبه، والقاضي أن يظلم في حكمه، والمرأة أن تفرط بواجبها، والتاجر من أن يغش ويحتكر في تجارته، ما الذي يمنع المسلم في أن يتعاطف مع المستضعفين المظلومين في العالم الإسلامي، وما الذي يمنع المحرض في أن يدعو إلى زعزعة الأمن في بلاده، والمغرر به في أن يقوم بالعنف والإرهاب والتفجير وأذية العباد.

وتساءل إمام وخطيب جامع مركز أحمد الفاتح الإسلامي: «ما الذي يمنع هؤلاء من تلك المنكرات والمخالفات والجرائم، إذا لم يكن هناك ضمير يمنع، ودين وإيمان يردع؟».

العدد 4949 - الجمعة 25 مارس 2016م الموافق 16 جمادى الآخرة 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 2:48 ص

      مقال

      معلمين واداريين في وزارة التريبة بشهادات ثانوية واعدادية، ضمير ميت

    • زائر 1 | 12:23 ص

      يعجبني فضيلة الشيخ القطان.وطني وبعيد عن الطائفيه ويحترم جميع الطوائف..وتشرفنا بحضوره عزاء العلامة الوداعي..وفقك الله ياشيخ عدنان..

اقرأ ايضاً