العدد 4949 - الجمعة 25 مارس 2016م الموافق 16 جمادى الآخرة 1437هـ

لا تكتبْ عن الذين تحبُّهم... لا تحبُّهم!

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

هذه الكتابة «بورتريهاً» من نوع آخر. بورتريهاً لأنفسنا... لدافع الكتابة عمَّا نحب وما لا نحب. ما وسعك الأمر، لا تكتب عن الذين تُحبُّهم. ولا تكتب عن الذين لا تُحبُّهم أيضاً! عمَّن تكتب بعدها؟ عمَّن لا تعرفهم؟! ليس بالضرورة أولئك الذين لا تجمعك بهم أمكنة وفضاء مباشر ومشترك. أعني الذين لا تعرفهم.

الكتابة عن الذين لا تعرفهم تخلِّصك من محاذير المحبَّة والمراعاة. محاذير العتاب الذي ربما لا تقوى عليه. محاذير سوء الفهم المرشَّح لعداوة «سمينة»!

بالكتابة عن الذين تحبُّهم ستغضُّ الطرْف كثيراً؛ بطبعك الشرقي! بالعاطفة الملقاة حتى على الرصيف. بالكتابة عنهم قد تُواري القبْح الذي تراه وتعمل على ادِّعاء عدم رؤيته. بالكتابة عنهم أنت العاطفي سيصعب عليك رؤية قبح ما في ثنايا الكتابة. وأبشع أنواع القبح ذلك الذي يأتي في هيئة نص! بالكتابة عنهم لن تكتفي بكيل المديح، وبذلك أنت تهجو نفسك.

وبالكتابة عن الذين لا تُحبُّهم ستجد نفسك إما مُتصنِّعاً أو متورِّطاً في ادِّعاء حياد. لن تنجح في المحاولة دائماً. لأنك ستكذب... ستناور... ستستحضر خبثك المُؤجَّل، ذلك الذي تتوهَّم براعة دسَّه سُمَّاً في ما يبدو عسلاً في الكلام!

لن تكون وفيَّاً لنفسك... للكتابة... لمَا قرأت وتعلَّمت... حين تذهب إلى الكتابة مدجَّجاً بكراهية؛ قلَّت أم كثرتْ.

ما الذي يتوجَّب عليك فعله؟ هل تكتفي بقراءة ما تحب ممن تحب؟ هل تكتفي بقراءة ما تحب ممن لا تحب؟ هل تضع الكتابة بمنأى عمَّا ترى فيها من جمال وقبح، بالتوقف عنها، انشغالاً بمن لا تعرف. بمن لم تنسخ وجوههم في ذاكرتك، ولم تصافحهم أو تعانقهم في أسى وفرح أو فراغ؟!

فقط لا تذهب إلى الكتابة بحب ولا تذهب إليها بكراهية. بحب؛ بمعنى نسيان الجماليات المخبوءة في الكتابة انشغالاً بجماليات تراها فيمن تحب.

هل يمكن لأي منا أن يذهب إلى الكتابة من دون حب؟ الكتابة أكثر تحديداً والتزاماً بقيمة الحب من القراءة نفسها. ذلك ما أعتقده من حيث مسئولياتها والأثر المترتّب عليها.

يتعذَّر بل يستعصي على أي منا أن يذهب إلى الكتابة في حال من الضجر، ويكاد الأمر عصيِّاً ومستحيلاً في حال من الكراهية؛ ذلك أن الكتابة خلْق آخر، ولا يمكن أن يكون المرء على تماس مع الخلق وهو مشغول بحبَّة خردل من الكراهية.

كيف يُمكن تسوية هذا الإشكال؟ هل تكتب كأنك لا ترى؟ كيف سيكون شكل الكتابة تلك. هل تكتب من عتمة ترتضيها؟ وهل يمكن لعتمة أن تضيء؟ كأنك بالعتمة تلك تسهم في تسوير العالم بما هو فائض من حوله أساساً!

لا إشكال في الأمر: يعتمد ذلك على كمِّ ومقدار الحب الذي تتضمَّنه الكتابة التي أنت بصدد قراءتها... الكتابة عنها. ذلك الكمُّ والمقدار هو الذي باستطاعته أن يُحيِّدك. جماليتها هي الحب. تلاشي وانعدام تلك الجمالية في كتابة ما هي التي ستحرِّضك على التمسُّك بكراهيتها - ربما - وعلى الجمال في الكتابة أن يكون دافعك ومحرِّضك على الكتابة؛ وإن كنت ترى من تكره قبيحاً. وعلى القبح أن يكون رادعك عن الكتابة وإن كنت ترى من تحب جميلاً. ذلك مقياس عصيٌّ على الرضوخ له في الأحوال كلها. وتلك هي المشكلة... ذلك هو القبح!

فقط: اختبر نفسك بالكتابة عنهما معاً!

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 4949 - الجمعة 25 مارس 2016م الموافق 16 جمادى الآخرة 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 7:42 ص

      ساكتب لحبي لنفسي

      ساكتب واغرد كما يغرد دائما والدي جعفر ، واحب القلم لانه ينغص الاخرين ببعثراتي رغم كل المعوقات سنكتب مانشعر به ليس لماده وانما لكلمه ترسم طريق
      تحياتي تسبق قبلاتي والدي العزيز????????

    • زائر 2 | 4:41 ص

      هكذا أراها

      أعجبتني جدا (( المرشَّح لعداوة «سمينة»! )) وهكذا أراها أنها ذات بدانة وليست ذات أنواط .

    • زائر 1 | 12:29 ص

      رائع

اقرأ ايضاً