العدد 4956 - الجمعة 01 أبريل 2016م الموافق 23 جمادى الآخرة 1437هـ

أحمد رضي: في «انتشاء النص أيضاً»!

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

أكثر ما يعلق بالذاكرة، المشاكسة أو الصِدام الأول مع إنسان لم تلتقه... لم تعرفه. قد يكون ذلك بداية لعداوة مقيمة، أو ربما عابرة؛ وقد يكون ذلك بداية لصداقة... محبَّة... تقدير، وإن كان عن بُعد. وإن لم تلتقِ ذلك الإنسان. الاتفاق السريع والسهل لا يؤسس لعلاقات وفهم متجذِّر. يفعل ذلك الاختلاف. ويفعل ذلك بعض الخِلاف أحياناً. القراءة... الاقتراب من النص، هو واحد من المُحصِّنات التي يفتقر إليها كثيرون اليوم. يمكنك أن تحب نصاً ولا تألف صاحبه. يمكنك أن تحب شخصاً ولا تألف نصه. ويمكنك أن تجمع الاثنين معاً.

منذ صدور مجموعته الأولى «طعْم شفاهك»، (2006)، مروراً بـ «تراتيل الخلاص... ما قالته الآلهة للرائي»، (2008)، وصولاً إلى «نابذا إلياذة الشطرنج» (2010)، ستجد ألفة هنا، وصدَّاً هناك، وتأجيلاً هنالك. لكنك ستحبُّ ذلك المسار الهادئ في التجربة. ستحب البديهة في أروع صور الاشتغال عليها. ستحب البساطة التي لا تُسْلمك إلى بذاءة السطح والمباشرة. معظم المباشرة في الشعر بذاءة صريحة، وصارت مألوفة ومتكررة في كثير من «الترانيم» التي يصرُّ كثيرون على أنها شعر!

في «نابذا إلياذة الشطرنج»، نقف في بعض نصوص المجموعة على الإيقاع المباشر الذي لم يأته رضي استكمالاً للخوض في تجربة الأشكال. أتاه قابضاً على شروطه، من دون أن يكون أسيراً له (الإيقاع) في الشوط الطويل الذي يقطعه الشاعر، وهو غير منشغل بالأشكال، بقدَر ما هو مُتوحِّد ومندغم مع المضامين التي هي القلب من كل شيء، وأعني كل شيء.

في الذهاب إلى الإيقاع، ثمَّة انشغال بلغة النص ونسَقها، ثمة دلالات لا ينفكُّ دفقها؛ مع قدرة على تمرير الإيقاع دون أن يكون النص مرتهناً له. نقرأ من أجواء مجموعة «نابذا إلياذة الشطرنج»: «وإذا سكبتَ السحرَ في المحرابِ/ دعها في خشوعٍ تنتشي من ذاتها إذ صمتها في الكأسِ بدءُ الحدسِ بالأشياءِ/ وارشفها كأنكَ قد تموتُ اليومَ... وارشفها/ كأنكَ لن تموتْ».

في «شبق الغزالة»، ينحاز رضي إلى الإيقاع، لكن لا يتركه مهيمناً على النص؛ بمعنى أن يكون رصفاً لمفردات ضمن اشتراطات وإمكانات صوتية تحويها، تتيح لذلك الإيقاع الاستمرار. الملفت هنا هو في قدرة لغة الشاعر - بما يملكه من رؤية وطاقة على التخيُّل - على أن تكون البدء، ولا نهايات يمكن الوقوف عليها؛ أو هكذا يترك لنا مثل ذلك النظر.

«شبقُ الغزالةِ للندى الطيني

لستُ يوحنّا النبيّ...

واسمي لم يكن متواتراً بمدوناتِ الأنبياءِ/ وليس لي نسبٌ ملوكيٌ عريقٌ/ لا ضياءَ على جبينِ قصيدتي»

يرتبط ذلك بتأسيس مهم ارتضاه رضي يتعلَّق بقراءاته. هو ينتقي ما يقرأ بعناية فائقة؛ لذلك يكتب بعناية وسحْر. أعني هذه المرة ما يكتبه بعيداً عن الشعر. في حديثه عن العمران... التخطيط... في حديثه عن الديمقراطية أيضاً. كل ذلك لا ينفصل عن دائرة فهمه وتلقيه واستيعابه وردِّه. مع التنويه إلى أن الرموز الثقافية التي يشتغل عليها رضي - كما أعرف - لم يتم النظر إليها وقراءتها وتناولها كما يجب؛ على الأقل من رؤية... نظر... تناول شاعر. لا أتحدَّث هنا عن المواد والعناصر الداخلة في ذلك العمران. أعني موضوع وأساس ذلك العمران: الإنسان).

أحمد رضي: هو نفسه «يدع النص ينتشي من ذاته»!

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 4956 - الجمعة 01 أبريل 2016م الموافق 23 جمادى الآخرة 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً