العدد 4957 - السبت 02 أبريل 2016م الموافق 24 جمادى الآخرة 1437هـ

ثلاث تجارب قيّمة في أمسية واحدة

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

من الأمسيات الثقافية التي تركت انطباعاً جميلاً، تلك التي نظّمتها مجموعة «مجاز الثقافية»، قبل أسابيع، في «مساحة مشق للفنون»، حيث هيّأت للمهتمين بالثقافة، فرصة التعرف على ثلاث تجارب مهمة، لثلاثة من المترجمين البحرينيين البارزين.

إلى جانب أهمية الدور الذي لعبه الرجال الثلاثة (محمد الخزاعي، منذر الخور، عبدالحميد القائد)، وأهمية الأعمال التي ترجموها من وإلى العربية، فإن الأمسية كانت فرصةً للتعرّف عن قربٍ على سيرتهم الذاتية، وقصة كلٍّ منهم مع هذا النشاط الثقافي النوعي المهم الذي يمدّ الجسور ويقوم بعملية «مناقلة» بين الثقافات والشعوب، حتى شبّهوها بـ»سرقة النار»... نار المعرفة، استعارةً من سرقة بروميثيوس النار من جبل الأولمب.

محمد الخزاعي، الذي تعرّفت عليه لأول مرةٍ من خلال عرضه بإحدى المجلات لمسرحية «مأساة الحلاج» لصلاح عبدالصبور، بدأ قصته مع الترجمة منذ كان طالباً بالجامعة، من خلال مادة الترجمة، ثم العمل مدرّساً في مستهل حياته، وزاد اهتمامه بها بعد الماجستير. وكان أول عملٍ ترجمه «دليل البحرين»، ثم كتاب جورج أورويل «مزرعة الحيوان»، وهو من الأعمال التي يعتز بترجمتها.

منذر الخور، عرفته مباشرةً لأول مرةٍ من خلال نشاطه في مجال حقوق الإنسان في السنوات الأخيرة. وتحدّث عن تجربته في «سرقة النار» أثناء دراسته العليا في فرنسا، حيث كان عليه ترجمة بعض النصوص العربية للفرنسية للاستشهاد بها ضمن المراجع، للماجستير والدكتوراه. ثم عمل مترجماً في السفارة، ثم انتقل إلى مجال جديد: الترجمة الفورية. وبعد عودته للبحرين عرض عليه أحد الأصدقاء ترجمة كتاب «أرض النخيل»، لمؤلفه الهندي كرستجي، خريج أكسفورد، وكان ذلك تحدياً لقيمته العلمية ولصعوبة النص. ثم ترجم بحثاً عن تاريخ المسيحية في البحرين؛ وكتاب «صائدو اللؤلؤ»، للصحافي الفرنسي المشهور ألبير لوندر، الذي تُمنح جائزة سنوية باسمه لتوسّعه في التحقيقات الصحافية، وتوفي في عدن في الثلاثينيات؛ إلى جانب مختاراتٍ من عيون الشعر الفرنسي لبودلير وفيكتور هوغو، الذي اشتهر روائياً في العالم من خلال «أحدب نوتردام» و»البؤساء»، أكثر منه شاعراً.

وإذا كان مدخل الخزاعي والخور لعالم الترجمة من خلال الدراسة الأكاديمية، فإن مدخل عبدالحميد القائد كان مدخلاً رومانسياً، من خلال «قصة حب». فقد عشق في صباه فتاةً بريطانية، وهو لم يتجاوز الخامسة عشرة، فدفعه ذلك لتقوية لغته الانجليزية المتواضعة، فأخذ يقرأ بها بشكل جنوني كما يقول، وهجر قراءة العربية لأكثر من ثلاث سنوات، حتى أجاد لغة من عشقها وعشق لغتها.

النقلة الأخرى في حياة القائد، كانت في جزيرة جدا، حيث كان سجيناً سياسياً في بداية السبعينيات، وطالب مسئول السجن بإدخال الكتب، فردّ عليه ساخراً: وهل تريد فيديو أيضاً؟ (وهذه معضلةٌ يعاني منها السجناء وكان يفترض أن مصلحة السجون تجاوزتها منذ عقود)، لكنه عاد ليصحّح الموقف بقوله: لديّ كتب ولكنها بالانجليزية... وهكذا فُتح الباب أمام السجناء للقراءة بالانجليزية.

بعد السجن، عمل القائد بأحد البنوك، وبعد فترةٍ استغنوا عن خدماته، فكانت فرصةً لفتح مكتبٍ للترجمة، مع عدم حاجة المشروع لرأسمال. ثم نشر حلقتين مترجمتين بمجلة «هنا البحرين»، ولكنها توقف عن النشر لرغبتها في النشر دون اسمه، ربما لاعتبارات سياسية/ أمنية. واستمر القائد في العمل، ليطرح على نفسه سؤالاً: لماذا لا أترجم الشعر البحريني لأخرجه من إطاره المحلي إلى آفاق أرحب؟ وهكذا اتصل بعددٍ من الشعراء لتتحوّل الفكرة إلى التطبيق.

من الرؤى الجميلة التي نثرها «سرّاق النار الثلاثة» في تلك الأمسية الجميلة، قول الخزاعي إن «سلاح المترجم امتلاكه لناصية اللغة التي يترجم منها وإليها». ورفض الخور المثل الإيطالي القائل بأن «الترجمة خيانة»، حيث يعتبرها «نافذة تفتح على الثقافات الأخرى.. وعلى المترجم أن يكون موسوعي الثقافة». أما القائد، فقسّم المترجمين إلى ثلاثة: «المترجم الشاعر، والمترجم الكاتب، والمترجم المثقف»، وعلى المترجم أن يكون «أديباً ومثقفاً ومطلعاً، وهي أمورٌ لا تعتمد على الدراسة بقدر اعتمادها على الموهبة والجهد».

تجربة الرجال الثلاثة تدلّ مرةً أخرى وأخرى، على ثراء هذا الشعب الصغير عدداً، وتنوعه الفكري وعمقه الثقافي.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 4957 - السبت 02 أبريل 2016م الموافق 24 جمادى الآخرة 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 9:18 ص

      شكرا على هذا المقال الجميل الذي اطللت من خلاله على معلومات جميلة لثلاث مترجمين ستفخر البحرين دائما بهم و باعمالهم

    • زائر 2 | 9:13 ص

      جميل ياجميل

    • زائر 1 | 5:26 ص

      الدكتور محمد الخزاعي والدكتور منذر الخور والاستاذ عبدالحميد القائد. كفاءات كبيرة في البلد. تجربة الرجال الثلاثة تدلّ مرةً أخرى وأخرى، على ثراء هذا الشعب الصغير عدداً، وتنوعه الفكري وعمقه الثقافي

اقرأ ايضاً