العدد 4970 - الجمعة 15 أبريل 2016م الموافق 08 رجب 1437هـ

دلمون وسومر: نشأة هوية دلمون

المنامة - حسين محمد حسين 

تحديث: 12 مايو 2017

عثر على أقدم ظهور للعلامة الدالة على اسم دلمون في بلاد الرافدين، وذلك في النصوص التي تعود لحقبة الوركاء الرابعة في المنطقة التي عرفت باسم معبد إنانا والمؤرخة في 3200 ق. م. - 3000 ق. م.، بعد ذلك عثر على اسم دلمون بصورته المتطورة في الحقب الزمنية اللاحقة، حقبة جمدة نصر، وحقب أور المختلفة، وصولاً للحقبة الأكدية أي قرابة العام 2300 ق. م. ولا يعرف على وجه الدقة، هل نشأت هوية دلمون قبل العام 3200 ق. م. بسنوات طويلة، أم أنها بدأت بالتكون في قرابة هذا التاريخ. كذلك، لا يمكن التحديد، على وجه الدقة، المكان الذي نشأت فيه هوية دلمون، فهل نشأت ضمن بلاد الرافدين، أم أنها تكونت في منطقة أخرى، ومن ثم انتقلت لوادي الرافدين بسبب عمليات الهجرة الوافدة إلى سومر. وبذلك، نشأت العديد من الفرضيات والنظريات حول الزمان والمكان الذي نشأت فيه هوية دلمون.

لقد سبق أن ذكرنا في الحلقة السابقة، أن بعض الباحثين يفترضون أن دلمون نشأت قبل العام 3000 ق. م.، ربما في الحقبة العُبيدية، وذلك في الحضارات الأولى التي نشأت على سواحل الخليج العربي، ومن ثم انتقلت إلى بلاد الرافدين. غير أن الغالبية العظمى من الباحثين، يرجحون أن دلمون، بدأت في التكون في شرق الجزيرة العربية قرابة العام 3000 ق. م.؛ حيث بدأت تظهر العديد من المستوطنات في العديد من المناطق في شرق الجزيرة العربية. وقد بدأ سكان هذه المستوطنات يتداخلون بصورة مباشرة بين سكان جنوب بلاد الرافدين؛ وذلك بسبب نظام التبادل الحضاري بين المنطقتين، والذي لعب دوراً فاعلاً في تشكيل حركة تحول استيطاني وحضاري باتجاه جنوب بلاد الرافدين، وقد ترتبت على ذلك هجرات متوالية من شرق الجزيرة العربية باتجاه جنوب بلاد الرافدين.

وهكذا، فإن هوية دلمون الأولى نشأت في شرق الجزيرة العربية، ثم انتقلت إلى بلاد الرافدين، وذلك مع الجماعات المهاجرة والتي كونت لاحقاً مكوناً حضارياً ثانوياً ضمن حضارة سومر وحضارات وادي الرافدين اللاحقة، ولعل هذا يفسر الأهمية الخاصة لدلمون ومعبوداتها القديمة في الأساطير الدينية السومرية المتأخرة.

ربط دلمون بالبحرين

أول من ربط دلمون بالبحرين هو المستشرق الفرنسي أوبرت Oppert وذلك في العام 1880م، حيث اعتبر أن دلمون هي البحرين بناءً على الشبه الكبير بين اسم دلمون واسم تايلوس، وهو اسم البحرين الذي ورد في المصادر اليونانية والرومانية في الحقبة الهلنستية. إلا أن Oppert لم يأتِ بأي شواهد آثارية يدعم بها رأيه. وفي العام نفسه، أكد Rawlinson النتيجة التي صاغها Oppert مؤكداً أن دلمون هي البحرين، وذلك في معرض تعليقه على تقرير الكابتن ديوراند عن جزيرة البحرين. بعد ذلك بدأت تتجه الأنظار نحو البحرين وعلاقتها ببلاد الرافدين، وأدى ذلك لحدوث العديد من الزيارات للبحرين لأغراض البحث والتنقيب عن الآثار التي نقبت في تلال القبور الدلمونية، من مثل Prideaux، وMackay، وBurrows، وCornwall.

يذكر أن Cornwall نشر في العام 1946م دراسة حول موقع دلمون، وقد أكد فيها أن هناك احتمالية أن تكون دلمون هي البحرين؛ حيث ذكر في دراسته أهم النصوص المسمارية القديمة التي تشير إلى التطابق بين دلمون والبحرين، منها نصان من أواخر العهد الآشوري الحديث. وقد عرض Cornwall الآثار المادية التي اكتشفها خلال فترة تنقيبه في البحرين وشرق الجزيرة العربية. وبذلك لم يعتمد Cornwall على الكتابات الأدبية والأسطورية التي ذكرت دلمون، بل أضاف لها الوثائق السياسية والاقتصادية، وكذلك اللقى الأثرية. ومن خلال نتائج Cornwall في البحرين وشرق الجزيرة العربية، تم إيجاد صلة بين المنطقتين، بسبب وجود تشابه في اللقى الآثارية بين المنطقتين.

وبذلك مهدت دراسة Cornwall للدراسات الآثارية التي تلته، لتوسيع الرقعة في مجال البحث عن دلمون. فقد خلصت الدراسة التي قامت بها Piesinger في مطلع الثمانينات في شرق الجزيرة العربية إلى أن مركز دلمون كان في شرق الجزيرة العربية، وذلك في الحقبة التي سبقت العام 2300 ق. م.، وفي العام 1983م أكد Potts هذه الفرضية، وصاغ نظرية مفادها، أن دلمون شملت شرق الجزيرة العربية، وذلك قبل العام 2300 ق.م.، وقد كان مركز إدارتها يقع في شرق الجزيرة العربية. وبعد العام 2300 ق. م.، انتقل مركز دلمون إلى البحرين. وقد أصبحت هذه النظرية هي المسلم بها حالياً عند جميع الباحثين في تاريخ حضارة دلمون.

دلمون في جنوب بلاد الرافدين

حتى وإن تم التسليم بأن دلمون نشأت في شرق الجزيرة العربية، إلا أن هناك علاقة قوية بين شرق الجزيرة العربية وبلاد الرافدين والتي أدت لنشوء مكون حضاري ثانوي في المجتمع السومري يمثل امتداداً للجماعات المهاجرة من شرق الجزيرة العربية. فهل تكونت هوية دلمون في الجنوب الرافدي وانتقلت إلى شرق الجزيرة العربية، أم العكس، أنها تكونت في شرق الجزيرة العربية وانتقلت إلى جنوب الرافدين، لا يمكن التأكيد على أي من الاحتمالين السابقين، ولكن، كلاهما يدلان على وجود هوية دلمون، وربما مكان يسمى دلمون، في جنوب بلاد الرافدين، وهو ما يرجحه عدد من الباحثين.

على سبيل المثال نشرت Howard Carter في العام 1981م دراسة حول تحديد موقع دلمون، حيث حددت الباحثة مكانين ارتبطا باسم دلمون، الأول وهو دلمون الأولى وقد نشأت قبل العام 2200 ق. م.، وتقع في منطقة القرنة في جنوب العراق، ولكن بعد العام 2200 ق. م. أصبح اسم دلمون مرتبطاً بالبحرين وجزيرة فيلكا وشرق الجزيرة العربية. ومازال البعض يرى أنه كان هناك مكان يسمى دلمون وكان يقع في جنوب بلاد الرافدين.

دلمون في شبه القارة الهندية

من أقدم الفرضيات حول موقع دلمون والتي صاغها Kramer في عدد من دراساته التي نشرها حول أساطير سومر منذ الأربعينيات من القرن المنصرم، والتي تنص على أن دلمون تقع في حضارة وادي السند أو هي حضارة وادي السند نفسها. وقد بنى Kramer هذه الفرضية بعد أن قام بترجمة وتحليل بعض أساطير سومر وبالتحديد أسطورة إنكي وننخورساج وعليه استنتج أن دلمون هي الأراضي الواقعة في جنوب غرب إيران أو حضارة وادي السند. وقد اعتمد Kramer على الوصف الأسطوري لدلمون التي تمتلك البساتين والمياه العذبة واستبعد أن يكون الوصف ينطبق على البحرين. وقد لاقت هذه الفرضية قبولاً من قبل بعض الباحثين، ففي العام 1975م نشرت Thapar فرضيتها حول موقع دلمون وأصل اسم دلمون. وترى Thapar أن دلمون تقع في شبه القارة الهندية، وبالتحديد تقع في الغرب منها. وقد اعتمدت Thapar على التحليل اللغوي لاسم دلمون والذي تزعم أنه يعود إلى اللغة السنسكريتية أو إحدى لغات الهند القديمة.

مما سبق يلاحظ وجود العديد من الفرضيات التي تتقاطع أو تتعارض فيما بينها، حول نشأة دلمون. ولا يمكن في أي حال، أن نرجح فرضية معينة حول بدايات نشأة دلمون، إلا أننا نستطيع أن نرجح نظريات تطور دلمون، ومتى ارتبطت بشرق الجزيرة العربية والبحرين، والذي يمكن التدليل عليه باللقى الآثارية.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً