العدد 4970 - الجمعة 15 أبريل 2016م الموافق 08 رجب 1437هـ

ما حصل «روسياً» في «سورية»

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في إحدى المعارك الشرسة في سورية، أحاطت عناصر من تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بجندي نظامي مُدجَّج بالسلاح. وما هي إلاّ ثوانٍ معدودات وإذا بالمنطقة التي يقع فيها عناصر التنظيم وذلك الجندي (الذي كادَ أن يقع أسيراً لديهم) قد تحوّلت إلى كتلة من النار، أذابَتْ حرارتها كل ما صادفته من بشر وحجر. لم يعلم التنظيم لحظتها ما جرى بالضبط، لكن ذلك الجندي كان يعلم ما سيحصل له ولخصومه! كيف؟! هذه الحادثة تحتاج إلى تفصيل في السّرد والوصف.

تفصيلها هي أن ذلك الجندي الذي كاد أن يقع أسيراً في يد تنظيم الدولة هو جندي روسي وليس سورياً. وأنه وحَسَب التصنيف العسكري ينتمي إلى القوات الخاصة الروسية المسمّاة بـ «سبيتسناز». وقد يظنّ بعض المحللين، أن ذلك الجندي، قد خالف التعليمات الصارمة من قيادته العسكرية في مركز حْمَيْمِيْم، الأمر الذي جعله في مسار آحادي في المعركة، فَضَلّ الطريق.

والحقيقة، أنه لم يكن كذلك، فمن مهمّات تلك القوات الروسية الخاصة في الأراضي السورية هي المشاركة الفِعليّة على الأرض إلى جانب القوات السوريّة النظامية تكتيكياً، والعمل في الخطوط الأمامية. تلك المشاركة جعلت الجيش السوري يُحقق مكاسب على الأرض، ويسترجع أزيد من 500 مدينة وبلدة في 6 أشهر فقط، مثلما صرّح المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية الجنرال إيغور كوناشينكوف خلال مؤتمره الصحافي في بلدة القريتين السورية في محافظة حمص قبل أيام.

أمر آخر، فإن عمل القوات الخاصة الروسية في سورية هو مزدوج. فهي إلى جانب عملها في الخطوط الأمامية، فإنها تقوم أيضاً بتقديم أغلب المعلومات الاستخباراتية الميدانية إلى الطيران الروسي، وبالتالي فإرشادها الطيران المُغِيْر للأهداف هو من صميم عملها. هذا ما قاله الخبير البحري المتابع للعمليات العسكرية الروسية في سورية مايكل كوفمان، وذكره جيبونز نيف في الـ «واشنطن بوست».

لذلك، وبالرجوع إلى ذلك الجندي الروسي، فإنه كان في مهمّة إرشاد للطيران الروسي من موقعه على الأرض، وأنه وعندما بلَغَ مبلغاً لا فِكاك منه من الأسْر، أرشَدَ غرفة التصويب الجوي لموقعه كي يُقصَف بوجوده. وهو ما جعل مسئولاً روسياً يُصرِّح لـ «إنترفاكس»، بأن ذلك الجندي قد مات «ميتةً بطولية». وقد ألقت تلك الحادثة بظلالها على طبيعة ونشاط التواجد الروسي داخل سورية.

في واقع الأمر، أن تلك الحادثة تجيب إلى حدّ ما عن السؤال المثار اليوم هو: ما الذي أتَتْ به روسيا إلى سورية كي تستطيع أن تعيد للسلطة السورية كل هذه المساحات الشاسعة التي كانت خارج سيطرتها، وفي مدّة لا تزيد على الـ 6 أشهر كما أسلفت، بينما عجزت إدارة الأميركيين للتحالف الستيني ضد «داعش» في تحقيق نصر مماثل على رغم مُضِي 49 شهراً على عملها!

فما حصل «روسياً» في «سورية» مختلف كلياً عن الذي حصل «أميركياً» في «العراق» و «سورية». ذلك التدخل لم يكن مثل ما يظن البعض، بأنه مجرّد ضربات جوية، بل هو حرب حقيقية، برية وبحرية وجوية. برياً أتى الروس بقوات النخبة لديهم التي تُسمّى «سبيتسناز» مسنودة بوحدات مدفعية ودبابات. كما جاءوا بوحدة عسكرية خاصة تُسمّى «زاسلون» وهي من جهاز الاستخبارات الخارجية الروسية، مهمّتها تأمين المناطق التي تتعرّض عادة لخطر أمني شديد كما يشير جيبونز نيف.

أيضاً، جاء الروس بقيادة العمليات الخاصة التي تُسمّى: «كي إس أو» والتي من مهمتها الاستطلاع. وهي وبحسب مايكل كوفمان توازي في القدرات العسكرية الاستثنائية قيادة العمليات الخاصة المشتركة الأميركية. بالإضافة إلى ذلك، جاء الروس بمركز متكامل لإزالة الألغام كي يمر الجند بسلام.

أما بحرياً فقد قامت السفن الروسية بتأمين ميناء طرطوس، ومحيط مطار حْمَيْمِيْم في محافظة اللاذقية. كما استخدم الجيش الروسي سفنه الحربية لإطلاق صواريخ مُجنّحة من نوع «كاليبر» لضرب أهداف محددة في سورية.

أما دور الطيران الحربي الروسي في الحرب والأجواء السورية، فهذا ما لا يستره شيء، حيث نفّذ الطيران الروسي عشرات الآلاف من الغارات المركزة على مواقع تنظيم الدولة وجبهة النصرة وفصائل أخرى مرتبطة بهما، الأمر الذي أفضى إلى «تدمير مراكز الإسناد الأساسية» كما يقال. ويكفي أن نعلم، أن الطيران الروسي شنّ خلال عملية تحرير تدمر قبل أكثر من أسبوع 2000 ضربة جوية على تنظيم الدولة!

نقطة أخرى ساهمت في تعميق فاعلية الدور الروسي وهو الدخول في عملية التسويات الاجتماعية في المناطق السورية، ومدّ جسور مع القيادات الروحية والسياسية للطوائف والأحزاب، لمحاولة استقطاب مناطق متمردة على المركز، وعدم ترك هذا الأمر إلى التقديرات السورية التي عادة ما تكون أسيرة للرؤية الأمنية الصرفة لكل تحركاتها في الداخل.

ذلك التدخل لم يكن من دون ثمن، فعلى رغم أن موسكو لم تُعلِن إلاّ عن تسع حالات موت لجنودها في سورية، إلاّ أن العدد هو أكبر من ذلك حتماً في ظل مشاركتها على الأرض، لكن هي تعلم أن تلك الكلفة تهون في سبيل تصديها لخمسة آلاف متطرف من مناطق القوقاز موجودين في سورية.

غاية القول هو المقارنة بين التعامليْن الروسي والأميركي مع «داعش» وتوابعها، ونتائج كل منهما كي يتأمل المرء فيما يجري ويطرح علامة استفهام كبيرة بشأن ذلك.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4970 - الجمعة 15 أبريل 2016م الموافق 08 رجب 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 9:26 ص

      في جلسة لفريد شوقي مع فريد الأطرش قال أحدهما للآخر واحدة سوريه وأخرى روسيه تقاربتا في خر م شهر أو في عبادان فقالت إحداهن للأخرى إذا كان عدد أحرف روسيه مثل سوريه أيوزنهما اللغوي متساوٍ إلّا أن الواو والراء محركتان من أماكنهما ومقدمة إبن خلدون هنا لا تعني شيء إلّا أن روس وعكسها سور إجمعها وإطرحهما أرضا تأتيك بشيء جميل جمال مالوش مثال ولا في الخيال!!

    • زائر 4 | 7:03 ص

      شكرا أستاذ محمد ...
      نتمنى أن تكتب لنا عن الداخل الايراني ، خاصة موضوع التصعيد ضد رفسنجاني ..

    • زائر 3 | 4:24 ص

      مقال مميز

      يقدم ما لا يقدمه لنا الإعلام العادي ..

    • زائر 2 | 3:38 ص

      شكرا أستاذي

      مقالاتك سهلة عميقة رائعة
      تربطني بعالم السياسة و تعقيداتها
      رغم كرهي للسياسة

    • زائر 1 | 1:16 ص

      لو بقيت ستة شهور أخرى بذات القوات ربما تحررت كل الاراضي السورية

اقرأ ايضاً