العدد 4974 - الثلثاء 19 أبريل 2016م الموافق 12 رجب 1437هـ

من العراق إلى البرازيل... السلطة مفسدة

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

تطرح تطورات الوضع السياسي الصاخب في العراق والبرازيل، كما في بلدان أخرى، إشكالية كبرى... كيف تفسد السلطة النخب الحاكمة الجديدة، حتى لو جاءت من خلفيات دينية أو نضالية أصيلة.

قديماً قال أحد المؤرخين الإنجليز: «السلطة مفسدة»، وهي قراءةٌ دقيقةٌ تؤكّدها تجارب الشعوب عبر القرون.

من السهل للمرء أن يكتب نظريات جميلة، أو شعارات مثالية، وهو بعيدٌ عن السلطة، لكن عندما يتعرّض للامتحان، وتتاح بين يديه الأموال العامة يتصرف فيها كما يشاء، فحينئذٍ يتبيّن صدقه ونبله.

الكثير الكثير من الصراعات، التي قرأنا عنها في التاريخ، أو التي نعاصرها، إنّما تدور حول المال. المال قوة، والمال نفوذ، وجاه وأبهة وسلطان. ومن يتحكم في المال يمكنه أن يتحكّم في الكثير من الناس ويذل الرقاب.

في التاريخ الإسلامي، لعب المال دوراً حاسماً في توجيه مساراته، منذ فجر الإسلام. تجربة الخلافة العادلة لم تستمر إلا أربعة عقود، انقلب بعدها الوضع إلى أَثَرَةٍ واستبداد، مع سيطرة الثورة المضادة، وأُخرجت الأمة من المعادلة، ليتحول شعار المرحلة: إنما السواد بستان قريش.

حتى قبل ذلك، كان هناك تياران فكريان في الساحة، تيار يميل للزهد في الدنيا، والدعوة للعدل والإنصاف والمساواة، وتيار «عملي» تغلب عليه أخلاق التجارة، وحسابات الربح والخسارة، والمغنم والمغرم. وكان النبي (ص) يعد أتباعه بجنةٍ عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين.

بعد ربع قرن من رحيل المؤسس، تنقل كتب السيرة كيف تكوّنت ثروات ضخمة، من الأموال السائلة، والخيول والماشية التي تسدّ الأفق، والذهب الذي يكسر بالفؤوس ليوزّع بين الورثة بعد وفاة من جمعها. وكيف تنازع التياران الرئيسيان، في تأويل آيات القرآن حول حرية التصرف بالمال، حتى وقعت بينهم الحروب.

كانت امتحاناً كبيراً، نجح فيه بعض المسلمين وفشل آخرون. وهي سنة الله في عباده. لقد عوّل القرآن على تحكيم الضمير والتخويف من عذاب الآخرة، في مسألة العدل والإنصاف والتوزيع العادل للثروة، ولكن قليلٌ من يخاف الآخرة ويستمع إلى صوت الضمير.

أحد أخطر الأفكار المدمرة في تاريخ المسلمين، اعتبار المال العام لقطة، يمكنك أن تتصرف فيها كيف تشاء. فالخلفاء منذ بداية العصر الأموي حتى نهاية الإمبراطورية العثمانية، كانوا يتصرفون في المال كملك خاص لا يسألهم عنه أحد. وحين احتج أحدهم على منح أحد المقربين مالاً ضخماً، طرده الحاكم، فخرج باكياً وهو يقول: ظننت أني خازن لمال بيت المسلمين.

في السنوات الأخيرة، وتماشياً مع موجة «التبشير الإسلامي»، انتشرت مسلسلات تركية وعربية، سورية ومصرية خصوصاً، تمجّد فترات حكم الخلفاء والسلاطين. واكتشف الناس من خلالها جانباً من حياة الترف والبذخ، الذي كنا نقرأ عنه في كتب التاريخ، من قصص «ألف ليلة وليلة»، التي كانت تعكس أجواء بغداد في عصرها الذهبي. كانت غيضاً من فيض حكايات الجواري والقصور، وكيف كانت تنفق الآلاف من «مال بيت المسلمين»، على الشعراء المتملّقين التافهين، الذي أنتجوا كماً هائلاً من القصائد الفارغة، طمعاً في العطاء.

قليلٌ من الخلفاء عبر أربعة عشر قرناً، من شذّ عن هذه القاعدة، مثل عمر بن عبدالعزيز، الذي أعاد الأموال التي نهبها قومه، إلى بيت المال، وأمر عامله بأن ينادي عليها في السوق: هلموا لشراء متاع الظالمين.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 4974 - الثلثاء 19 أبريل 2016م الموافق 12 رجب 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 14 | 6:12 ص

      أي رغد عيش مقابر جماعية .

    • زائر 13 | 4:00 ص

      للا سف نعرف الحقيقة في العراق ونلتف عليها والعراقيون يتاباكون على ايام صدام حسين، حيث كانوا في رغد العيش الامن

    • زائر 16 زائر 13 | 1:46 م

      اي رغد ..

      كانوا يوزعون عليهم الطعام والمؤن بالبطاقة.

    • زائر 12 | 2:10 ص

      العراق تدمر في سنه 2003 بعد وصول القرامطه للحكم

    • زائر 11 | 1:41 ص

      الدنيا.

      يقول أحد الحكماء :الناس عبيد الدنيا. والدنيا هي المال والسلطة والنفوذ بأي طريقة كانت. الكلام والتنظير شي سهل وكل واحد يقول أي شي لأنه ببلاش ، وعلى قول أبي رحمه الله لما يصف حال الفقراء (الله عارف اليك) وقصده انك لو تصير غني راح تفسد لأن السلطه فعلا تفسد كل شي.

    • زائر 10 | 1:18 ص

      هو في بلد

      هو في بلد ما فيها فساد مالي

    • زائر 6 | 11:57 م

      صدام ليس مفسدا ؟!!!!

      وهل قتل الناس لا يعد فسادا ؟

    • زائر 2 | 9:55 م

      كل من يتلاعب بالأموال العامة مفسد وصدقت ياسيد يعتبرون أموال الشغوب لقطة وياويلك إن تكلمت لفقوا لك بدل التهمة تهم بس يلقونك في الزنازين والسراق يسرحون ويمرحون.

    • زائر 1 | 9:39 م

      الغريب ان في زمن صدام لم يكن هناك فساد

    • زائر 3 زائر 1 | 11:29 م

      أمركم مضحك

      في عصر الدكتاتور صدام حسين التعتيم اﻹعﻻمي لعب دوره في إخفاء الواقع العراقي المزري.
      تأخر عراق الحضارة والتأريخ وتدهورت بﻻد ذات النهرين في عصر صدام أكثر من مائة عام.
      إخلع النظارة السوداء

    • زائر 4 زائر 1 | 11:34 م

      ههههههههه

      صدام كان أمير المؤمنين وسيف الله المسلول ،، الله يهداكم بس

    • زائر 5 زائر 1 | 11:43 م

      الحقد وما يسويكان الطاغية يبني القصور لاخر ايامه

      وكان اطفال العراقيين يموتون من الجوع. ولا عاد اولاده كيف كانوا يتلاعبون بالفلوس

    • زائر 9 زائر 1 | 12:44 ص

      صدام لم يكن فاسداً!!!! لانك لا تقرأ او تحاول التذاكي صدام افسد العراق عبر الحكم الدموي و اغراقة في حروب لا طائل منها و من جاء بعدة اكمل المشوار بوجوة مختلفة و اساليب جديدة و في النهاية الضحية هي بلاد الرافدين و شعبها الطيب.

اقرأ ايضاً