العدد 4974 - الثلثاء 19 أبريل 2016م الموافق 12 رجب 1437هـ

تحديات أمام «منظمة التعاون الإسلامي»

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

على وقعٍ ثقيلٍ من التوترات والاضطرابات في دول الجوار الجغرافي، وبين دول إسلامية متخاصمة وأخرى متهالكة ينخر فيها الاحتراب، عُقدت قمة «منظمة التعاون الإسلامي» الـ«13» التي استضافتها إسطنبول الأسبوع الماضي بحضور زعماء وممثلين عن «57» دولة عربية وإسلامية.

معلوم أن القمة تأسست في (أغسطس/آب العام 1969) كرد فعل على حرق العدو الإسرائيلي المسجد الأقصى، وكان أبرز أهدافها حماية المسجد الأقصى الذي لايزال يرزح تحت احتلال العدو الصهيوني، والفلسطينون ممنوعون من دخوله للصلاة إلا حسب مزاجه وموافقته، وهو الذي يحفر في أساسات المسجد ويعرضه للانهيار. القمة تعقد كل ثلاث سنوات للتشاور ومراجعة ما يحدث في العالم من تطورات سياسية واجتماعية واقتصادية مختلفة، كما تحلل تأثير تلك التطوّرات والمتغيرات على الدول الأعضاء بالمنظمة التي تتباين مصالحها أحياناً حد التناقض أو تلتقي مع بعضها في مسائل محدودة ومعلومة.

فتن مذهبية وإثنية

ثمة وضع بائس لا يخفى على المتابع عكسته القمة فيما يمر به العالم الإسلامي والشرق الأوسط، حيث تطفو الفتن المذهبية والإثنية على السطح؛ وحيث الاحتراب والخلافات التي تتصدر المشهد، لم يستطع الرئيس التركي رجب طيب اردغان الذي تسلمت بلاده رئاسة القمة من مصر، تجنب مطبات هذا الواقع، فقد أشارت وسائل الاعلام إلى أنه لم يوجه أصلاً دعوة للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لحضور القمة الذي أكد الأخير التزام القاهرة تجاه المنظمة الإسلامية، كما تجنب وزير خارجيته تبادل التحيات ومصافحة نظيره وزير خارجية تركيا مولود جاويش أوغلو، وغادر قاعة الاجتماع حال الانتهاء من إلقاء كلمته، ودون الاستماع إلى كلمة أردوغان، أو حتى المشاركة بالصورة التذكارية، فقضية الخلاف بين القاهرة وأنقرة بسبب الإخوان المسلمين لايزال عالقاً وعميقاً ولا يمكن تجاوزه بجرة قلم أو بشراء خواطر.

الرئيس أردوغان أعرب في خطابه بالقمة عن أمله في أن تمثل القمة وسيلة لمستقبل يتصف بالأمن والرفاهية للمسلمين ولجميع مواطني العالم، وأكد ضرورة الإسراع في تحقيق مفهومي العدالة والسلام اللذين يمثلان محور القمة؛ لكن السؤال المعضلة يدور بشأن كيفية تحقيق ذلك عمليّاً في ظل استمرارية ممارسات لأنظمة ودول إسلامية مشاركة بالقمة؛ تتمثل في القمع والاضطهاد ضد شعوبها، وتتعدّى على الحريات العامة والصحافية والإعلامية، كما تحجر على الآراء، وتقلص مساحة وهامش الديمقراطية، وينتشر في بعضها الفقر والتمييز والفساد، وكلها بيئات مثالية لتكاثر مشاعر اليأس والقنوط، بل هي حواضن دافئة وخطرة لتنامي «الإرهاب».

ظاهرة «الاسلاموفوبيا»

وعلى رغم ما جاء في الكلمة الختامية لأردوغان التي حضَّ فيها العالم الإسلامي على محاربة «الآفات الثلاث» التي تقوّضه وهي «الطائفية والعنصرية والإرهاب»، ومع تأكيده الحاجة للتصالح بشأن الخلافات مع قوله: «نحن مسلمون، لن نسمح بتقسيم الإسلام»، وعلى رغم تكرار بيان «منظمة التعاون الإسلامي» شجب الإرهاب ومحاربته بكل أشكاله وتجلياته مهما تكن دوافعه وذرائعه ومسوّغاته ومصادره، فإنه لا يمكن المجادلة في أن ما يسود في الغرب من خوف وهلع من «الإرهاب» وخلاياه النائمة، يمثل تحدياً حقيقيّاً أمام «منظمة التعاون الإسلامي» ولاسيما مع اتساع ظاهرة «الاسلاموفوبيا» التي انتشرت في الغرب بسبب شعارات تصدير الثورات والخلافة الإسلامية إلى الغرب، وما ارتكب تحت راياتها السوداء من هجمات إرهابية، وجرائم بشعة راح ضحيتها مئات الأبرياء، وخلفت آلاف الجرحى. فهذا الوضع أدى إلى ما أدى إليه من احتجاج وهيجان ورفض للإسلام والمسلمين في المجتمعات الغربية، ما يشكل حتماً تحدياً كبيراً أمام البلدان الإسلامية عامة، وهو ما لفت إليه العاهل المغربي، في كلمته بالقمة حين قال إن الحالة تتميز بـ «تصاعد التيارات المناهضة للدين الإسلامي، وانتشار ثقافة الخوف والحذر والكراهية تجاه الأقليات المسلمة داخل المجتمعات الغربية»، لِمَ لا وقد تنامت في المقابل الأحزاب اليمينية المتطرفة بخلفياتها الدينية، فالمسلمون الذين يصل عددهم إلى نحو «50» مليوناً، يشكلون على اختلاف أصولهم حالة مقلقة وينتابهم شعور بأنهم محط اتهام وشك وريبة، وخصوصاً مع تنامي الاعتداءات على الأماكن الدينية الإسلامية في أوروبا كرد فعل على ما نفذه متطرفون مسلمون من تفجيرات من أسف.

تأييد للشعب الفلسطيني

«قمة إسطنول» انتهت إلى «بيان» اعتبره المحللون وثيقة تضمنت «196 بنداً»، تطرقت فيه إلى دول إسلامية ومناطق يدور فيها الاحتراب والنزاعات، واعتبرت الحرب على الإرهاب أولوية.

ودعا البيان إلى التصدي إلى خطاب التطرف والطائفية، كما تمثل القرارات والتوصيات لجهة القضية الفلسطينية بما اشتملت عليه من «33 بنداً» الأبرز في استعراضها لمختلف الانتهاكات التي تتعرض لها الأراضي الفلسطينية، ودعم وتأييد الشعب الفلسطيني في المحافل الإقليمية والدولية، والإشارة إلى ضرورة الدعوة إلى عقد مؤتمر دولي لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي المحتلة العام 1967 والقدس الشرقية، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس، فضلاً عن توفير آليات دولية لحماية الشعب الفلسطيني، وملاحقة إسرائيل ومحاسبتها على جرائمها، ومع ذلك فغالبية المراقبين لاحظوا أن القمة لم تقم بإدانة ما يمارسه العدو الإسرائيلي من إرهاب صراحة وتهديده للقدس المحتلة، وعدم التطبيع مع دولة الكيان الصهيوني.

اللافت في البيان تشديده على وحدة الأراضي السورية وسيادتها وسلامتها الإقليمية، ودعمه لحل تسوية سياسية للنزاع على أساس بيان جنيف، لتنفيذ عملية انتقال سياسي يقودها السوريون، وتمكن من بناء دولة سورية جديدة على أساس نظام تعددي ديمقراطي مدني ومبادئ المساواة أمام القانون واحترام حقوق الإنسان، داعياً المجتمع الدولي لدعم اللاجئين السوريين والدول المستضيفة لهم، كذلك تثبيت الاقتراح الجزائري بدعوة كل البلدان إلى معارضة أي تدخل عسكري في ليبيا، والامتناع عن التدخل في شئونها الداخلية والتوقف عن توريد الأسلحة للجماعات المسلحة واستخدام وسائل الاعلام للتحريض على العنف، ومحاولات تقويض العملية السياسية.

أما الموقف الذي اعتبر المحللون أنه أحدث فرزاً طائفيّاً بين المشاركين في القمة، فقد تمثل في تكريس استراتيجية إدانة إيران ودعوتها إلى عدم التدخل في الشئون الداخلية واحترام سيادة واستقلال دول الجوار، وحل الخلافات بالطرق السلمية، ووصف «حزب الله» بالإرهاب، ما أدى الى انسحاب الرئيس الإيراني حسن روحاني والوفد المرافق.

ختاماً، تداول الاعلام الكثير من الأحاديث عن لقاءات ومصالحات تمت أثناء القمة، بيد أن أغلب المراقبين غير متفائلين ويرون أن القمة وعوضاً عن تجمع وتقارب، كرست وضعاً خطيراً يجعل المنطقة مقبلة على فتن وحروب تتمدد وتتطور بسبب تداخل الصراع السياسي بين المحاور الإقليمية والدولية، وتفاعل ذلك مع الخلافات، وتقسيم العالم الإسلامي إلى معسكرين سني وشيعي الأمر الذي يزيد الطين بلة، إن بعض مناطق الدول المجتمعة توفر حاضنات للمذهبية والطائفية وبالتالي الأرهاب، الأهم أن الإسلاميين المتنورين وكما بشرونا بدورهم التنويري لم يفعلوا شيئاً بعدُ لوقف هذا النزيف الدامي.

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 4974 - الثلثاء 19 أبريل 2016م الموافق 12 رجب 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 4:23 ص

      ماذا قدمت هذه المنظمة ؟

      لم تقدم اي خير للمسلمين ولم تستطع ان تؤثر على المحتلين ارى لو تحل هذه المنظمة وتلغى افضل من ان ترصد لها ميزانيات بلا فائدة تذكر.

    • زائر 1 | 12:16 ص

      أتمنى ان يتم تجميد عضوية ايران في منظمة المؤتمر الاسلامي لان الإيرانيين اليوم هم أشد أعداء الاسلام و العروبة

    • زائر 5 زائر 1 | 4:25 ص

      كالببغاوات تتكلم

      مجرد قالوا انت قلت مجرد يقولون ان تردد بلا عقل ولا تدبر.

اقرأ ايضاً