العدد 4976 - الخميس 21 أبريل 2016م الموافق 14 رجب 1437هـ

السلمان: ناصر الخيري الأديب والمؤرخ الذي حكم عليه المهزع بجدع أنفه

عاش في فريق «الفاضل» ودرس في مدرسة المبشرين البروتستانت بالمنامة...

الباحث التاريخي محمد السلمان متحدثاً في الندوة - تصوير أحمد آل حيدر
الباحث التاريخي محمد السلمان متحدثاً في الندوة - تصوير أحمد آل حيدر

قال الباحث التاريخي، محمد حميد السلمان إن «الأديب والمؤرخ ناصر الخيري الذي ولد في فريق الفاضل بالمنامة، وقع في إشكال ديني كاد يودي بأنفه، بسبب سؤاله لمحمد رشيد رضا، صاحب المنار، عن الحج عبر رسالة وجهها له العام 1913، حيث أراد الشيخ قاسم المهزع أن يحكم عليه بجدع أنفه بسبب هذه الأسئلة الجريئة آنذاك، فتشفع له صديقه الألماني وكيل الشركة».

وأضاف في ندوة قدمها مساء أمس الخميس (21 أبريل/ نيسان 2016) في مجمع الكاونتري مول في أبوصيبع، ضمن فعاليات اليوم الأول لمعرض الوسط الرابع للكتب المستخدمة أن «الخيري يُعتبر الوحيد ممن صنفهم المجتمع بأنهم من الموالى، ولكنه انضم لطبقة مثقفي وعلماء عصره، بل وتفوق عليهم بالبحث الدقيق في تاريخ البحرين، خاصة أنه أتقن اللغة الإنجليزية بعد أن تلقى تعليمه في مدرسة المبشرين البروتستانت بالمنامة مطلع القرن العشرين».

وبيّن أنه «أحد مؤسسي نادي إقبال أوال الليلي بالمنامة 1913، والنادي الأدبي بالمحرق العام 1920، كانت له علاقات فكرية وأدبية مع زملائه مفكري وعلماء البحرين، كما أنه كان شغوفاً بالتاريخ لما له من انعكاسات خطيرة على الحاضر الذي عاشه الخيري، وخاصة التاريخ القديم».

وفي بداية الندوة قال السلمان «لم يكن النبهاني، ولا الخيري، ولا التاجر، هم أوائل المؤرخين الذين كتبوا في تاريخ البحرين، بل هناك غيرهم وإن لم يكن ما كتبوه شاملاً، وليس هنا مجال لذكرهم».

وأضاف «فقط نشير إلى أن كتاب (الذخائر في جغرافيا البنادر والجزائر) لمحمدعلي بن محمد تقي آل عصفور مؤَلف العام 1319هـ أي العام 1901 م، وبذا فهو قبل الكتب التاريخية الثلاثة عن البحرين: النبهاني، والخيري، والتاجر».

وأكمل «هو ناصر بن جوهر بن مبارك الخيري- ولد في فريق الفاضل بالمنامة، ربما العام 1876، وهناك شك في هذا التاريخ، ورباه جده مبارك الخيري بعد وفاة والده عنه وهو صغير، ولا نعلم شيئاً عن والدته».

وأردف «درس في بداية حياته في المطوع على الطريقة التقليدية، وبعد أن ختم القرآن نقله جده لمدرسة الشيخ أحمد بن مهزع في المنامة للاستزادة من العلوم الشرعية واللغة العربية، واستمر بها 3 سنوات، كما يذكر عبدالرحمن الشقير، ثم بدأ يتردد على بعض المجالس العلمية التي تُعقد في المساجد هنا وهناك في المنامة».

وتابع «درس في مدرسة المبشرين البروتستانت بالمنامة، كما يذكر الخاطر، العام 1894، بينما تذكر الشيخة مي آل خليفة، بأن أول مدرسة نظامية في البحرين، وهي مدرسة (The Acorn school)، أو «جوزة البلوط» المسيحية، بدأت العام 1899 للبنات وأخرى العام 1902 للبنين، وليس 1894».

وواصل السلمان «كما تذكر المعلومات المتداولة خطأ عند الجميع بأن الخيري درس الإنجليزية لمدة 3 سنوات في تلك المدرسة حتى بلغ الثانية والعشرين من عمره».

وذكر السلمان أن «الخيري عمل مع تاجر يدعى عبدالله بن جمعة الإبراهيم من تجار المنامة العام 1905 تقريباً، فأتقن فن التجارة ونمت علاقاته بالناس، واشتغل العام 1914 كاتباً لدى الشاعر الشيخ محمد بن عيسى الخليفة، كما كان صديق الوكيل التجاري الألماني لشركة (وستنجهاوس) في البحرين لاعام 1913».

وأفاد «في العام 1918 عمل في بلدية المنامة، ونقله الرائد (كلايف ديلي) العام 1921 من البلدية إلى وظيفة «مُنشئ»، أو كاتب ومترجم في دار المعتمدية البريطانية في قسم القضاء المدني، وبقي في هذه الوظيفة حتى العام 1924».

وأوضح أن «ناصر الخيري يُعتبر الوحيد ممن صنفهم المجتمع بأنهم من الموالى، ولكنه انضم لطبقة مثقفي وعلماء عصره، بل وتفوق عليهم بالبحث الدقيق في تاريخ البحرين، وأيضاً تشابه معهم في مراسلة كبريات الصحف العربية في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، مثل المقتطف، في أعوام 1911-12-13، وهذا يدل على وصولها إلى البحرين كما يبدو واشتراك ناصر وزملائه فيها، مثل المقتطف، والعروة الوثقى، عن طريق (بومباي) بعلم سلطات الحماية البريطانية منذ العام 1895م، والمنار منذ العام 1899».

وأكمل السلمان «لأنه من فئة الموالى، كما يصنفهم المجتمع، فقد تمرد على ذلك التصنيف ونجح في تخطي الكثير من حواجزه ومعوقاته، بإصراره على طلب العلم ونال فيه بجهده الذاتي فوق ما وسعه إلى ذلك سبيلاً».

وبيّن أنه «أحد مؤسسي نادي إقبال أوال الليلي بالمنامة 1913، والنادي الأدبي بالمحرق العام 1920، كانت له علاقات فكرية وأدبية مع زملائه مفكري وعلماء البحرين أمثال محمد صالح يوسف أحد طلبة الأزهر الشريف، وسلمان التاجر من طلبة الهند وتلميذ كل من الشيخ محمد صالح بن أحمد آل طعان، والشيخ علي بن حسن الجشي، والمحامي عبدالواحد قاسم قراطة».

وقال الباحث السلمان إن «له علاقات مع بعض العلماء العرب، مثل محمد رشيد رضا صاحب مجلة المنار- فارس نمر- يعقوب صروف- أصحاب مجلة المقتطف المصرية، وأمين الرافعي صاحب جريدة الأخبار القاهرية، ومحمد علي الطاهر صاحب جريدة الشورى القاهرية. وعلاقات جيدة بالمبشرين بسبب العلم الذي تلقاه عندهم وليس للبحث عن دين آخر، وبالذات ارتياد المكتبة التي أنشأها هؤلاء المبشرون في البحرين بقيادة (صموئيل زويمر) منذ العام 1894، وتواصلاً مع العام 1906 عندما تم تطوير المكتبة ونقلها إلى مقرها بحي كانو وسط المنامة».

وأشار إلى أنه «كان شغوفاً بالتاريخ لما له من انعكاسات خطيرة على الحاضر الذي عاشه الخيري، وخاصة التاريخ القديم، ولذا كان يسأل ويلتقط كل جديد عنه ويدونه أو يحفظه حيث كان يتمتع بحافظة قوية، كما يقول الخاطر».

وأردف «وقع في إشكال ديني كاد يودي بأنفه، والسبب سؤاله لمحمد رشيد رضا، صاحب المنار، عن الحج عبر هذه الرسالة العام 1913: «نرى كثراً من علماء الأمة الإسلامية ومرشديها المصلحين منهم من عاش ومات ولم يحج مع أنه رحل في سنته مرتين أو ثلاثاً إلى أوروبا، أو إلى غيرها من البلاد، ولم يذهب إلى مكة، فما هي الأسباب يا ترى، ونحن نعتقد أن امتناعكم جميعاً عن الحج لابد له من سبب، فما هو السبب العظيم الذي يمنع رجال الإصلاح العظام عن الحج؟»، فأراد الشيخ قاسم المهزع أن يحكم عليه بجدع أنفه بسبب هذه الأسئلة الجريئة آنذاك، فتشفع له صديقه الألماني وكيل الشركة».

وواصل «استفاد من تنقله بين أكثر من موقع عملي ووظيفي بخبرات حياتية وعلمية وعلاقات اجتماعية وأدبية أثرت على منهج حياته كما يبدو، ولذا فقد اهتم بالأوضاع الدينية والأدبية في عصره، وهذا ما جعله من ضمن مؤسسي أكثر من تجمع ديني وأدبي في البحرين».

وأكمل «تأثر ناصر الخيري بمن درسوا في جامعة (عليكرا) الهندية وغيرها، وبمن درسوا في الأزهر الشريف بمصر وعادوا إلى البحرين، وبظهور مكتبة المبشرين في المنامة في فبراير/ شباط العام 1894، قريباً من حي الفاضل حيث كان يعيش الخيري».

وواصل السلمان «أصبحت المكتبة ملتقى الكثير من الشباب من أصدقاء الخيري، فقرأ هناك كتباً مختلفة عن ما كان يقرأ سابقاً، فهي تتناول العلوم، والمخترعات، والاكتشافات لمؤلفين غربيين من مستشرقين ومبشرين، خصوصاً وأن ناصر كان يجيد اللغة الإنجليزية، وصارت المكتبة تلك من حاجات ناصر وغيره اليومية الضرورية للتنفس».

ولفت السلماني إلى أن «خلفية ناصر الخيري الثقافية في القرن العشرين ساعدتها عدة عوامل من انتشار أنواع جديدة من الثقافة الإسلامية والوطنية مع اشتداد الهجمة الاستعمارية الغربية على أجزاء العالم الإسلامي والوطن العربي تحديداً، وازدياد أهمية موقع الخليج، والبحرين خصوصاً، في طرق المواصلات الدولية وفي حركة الاستقطاب والتحالفات الدولية قُبيل الحرب العالمية الأولي وبعدها، وما حدث في (سايكس بيكو) ومعاهدة (لوزان)، و(مؤتمر فرساي)، وإعادة تشكيل خريطة الشرق الأوسط، وكأن زمن ناصر الخيري يعود اليوم تماماً».

وتابع «كما كان نادي إقبال أوال العام 1913 والنادي الأدبي بالمحرق العام 1920 وحتى المنتدى الإسلامي العام 1928، يلتقون في هدف مشترك ضمن التوجه الإسلامي الإصلاحي في مطلع القرن العشرين، وإن كان النادي الأدبي قد جاء بفكر وطني قومي إصلاحي في الثقافة أكثر من أي جانب آخر، إلا أن الخيط المشترك بين الجميع كان مقاومة التبشير في المنطقة الخليجية، وفي البحرين بالذات، لارتباطه بقوة الحماية البريطانية آنذاك، وهذا بحسب تصور زعماء وأعضاء تلك التجمعات الإسلامية والأدبية».

وأوضح أن «الخيري كان من المراسلين لمجلة «المقتطف» المصرية بين عامي 1910 م -1912، وطرح في أول أسئلته ما كان يؤرق فكره بالطبع في ذاك المجتمع وهو: ما قولكم في بيع الرقيق هل هو فضيلة أم رذيلة؟ فإن كان الأول فلماذا يصادره الغربيون؟ وإن كان الثاني فلماذا لا يقول بحريمه رجال الدين في الشرق؟ يقول الغربيون إن علة هذا الداء الإسلام والمسلمون فهل هذا صحيح؟ وإن لم يكن كذلك فما سبب تأصله حتى صار يصعب قطع جرثومته من الشرق؟».

وأردف «رسالة أخرى غريبة ومهمة، بعث بها الخيري لمجلة المنار عنوانها: «عبادة نهر في البحرين برؤيا امرأة»: «حدث في بلادنا تواً حادث يستحق الذكر، وذلك أن امرأة من عامة المسلمين ادعت أن أحد المشايخ أو الأولياء على زعمها أتاها في المنام، وأخبرها أنه على مسافة نصف ميل من البلاد يوجد نهر جار (وهو كذلك إذ أن النهر معروف منذ القدم) وعلى حافة النهر توجد صخرة كبيرة (وهي أيضاً مشاهدة منذ حين) وأنه ضرب بيده تلك الصخرة فتفجر منها الماء العذب، وأمرها أن تخبر أهل البلاد كي يأتوا ويغتسلوا ويشربوا من هذا الماء، لأن كل من شرب واغتسل برئ من جميع العلل والعاهات، وبالفعل إن هذه المرأة أخبرت أهل البلاد فصدقها كثير من الناس وذهبوا إلى ذلك النهر واخذوا يغتسلون ويشربون منه وينقلون منه إلى القرى المجاورة.

وبسرعة البرق انتشر الخبر بإطراف البلاد، فتهافت الناس على هذا النهر كتهافت القطا، وعكفوا على الحجر الأسود معتقدين فيه كاعتقادهم في الله، حتى كثر الضجيج والازدحام عليه بما يفوق حد التصور، حتى أصبح هذا النهر الصغير في بلادنا شبيهاً بنهر (الكانج) بالهند.

ولقد ذهبت بنفسي مع بعض الأصدقاء لمشاهدة ذلك، ولكثرة الزحام لم أقدر أن اتصل بذلك النهر إلا بعد شق النفس، فرأيت أن النهر لم يتغير كما كان عليه سابقاً، ولقد رثيت لحالة بعض الأطفال الذين يكادون يموتون غرقاً لكثرة ما تغطسهم أمهاتهم في الماء ابتغاء البركة والتقديس، فما قولكم سيدي الأستاذ، رشيد رضا، في ذلك، وهل الشرع يُبيح مثل هذا؟ وهل من العدل أن يترك هؤلاء العامة على ضلالهم؟».

وذكر الباحث السلماني أن «ولحسن الحظ أن الخاطر، نقل عن عبدالواحد قراطة، وكان من أقرب أصدقاء ناصر وقد عمل محامياً منذ الثلاثينيات من القرن العشرين حتى وفاته 1975، أنه شاهد ذاك النهر أو النهير المعروف حينها في (سيحة الزنج) في الجهة الجنوبية الغربية من المنامة، وسطت عليه أيدي المتنفذين والمستثمرين في الأراضي قبل سبعينيات القرن العشرين، وأن تلك الواقعة حدثت فعلاً في البحرين العام 1911. وشاهد قراطة النهر مع صديقه ناصر ووجده كما وصفه ناصر، وأنه كان معه عندما كتب تلك الرسالة في المنامة لصاحب المنار».

وشرح السلمان أن «منهج الخيري في كتابة التاريخ كان متأثراً بين قراءاته الأجنبية في مكتبة المبشرين، وفي كتب التاريخ القديمة، ومحاولة البحث عن الحقيقة بين ثنايا ما يقرأ ويكتب».

وقرر «لذا فكتابه عن تاريخ البحرين يُعد أفضل ممن كتب قبله مثل النبهاني، والتاجر لصراحته وجرأته المعهودة منه، فهو كان يرى، كما صرح في كتابه، بضرورة عدم الاقتصار على سير الملوك ومعاركهم، كما فعل النبهاني والتاجر، لأنه تاريخ وقتي يزول بزوال الحكومات، وتاريخ الأمة والبلاد هما الباقيين ما بقي الزمان».

وأكمل السلمان «ودعا للتركيز على أهمية تناول الجوانب الجغرافية والاقتصادية والاجتماعية في تاريخ البحرين عبر مختلف العصور، ثم أنه خالف النبهاني في كثير من مواضع تاريخه وصحح له الكثير مما كتبه عن تاريخ البحرين مما أطلق عليه «ألفيته غير وافٍ بالمراد وغير خالٍ من أغلاط أدت إليها العجلة التي قيل هي من الشيطان»، لاسيما في قضية بناء مسجد الخميس بقوله «ذاك زعم باطل لا دليل عليه ولا برهان، وتاريخ بناء هذا المشهد العريق ذي المنارتين صريح منقوش على صخرة كبيرة بأحرف واضحة على واجهة المحراب الداخلي، ولا تزال باقية حيث لم تمس بسوء».

وختم الباحث السلمان «خلال عمله في المعتمدية البريطانية في البحرين في عهد (ديلي)، أصيب بمرض عضال ربما يكون في القلب، أقعده عن العمل وهو ينهى الصفحات الأخيرة من كتابه التاريخي (قلائد النحرين)، ثم توفي من هذا المرض العام 1925 غالباً، كما يذكر كحالة في معجم المؤلفين- تراجم مصنّفي الكتب العربية، وعمره حوالى 50 سنة، وبقي كتابه قلائد النحرين في مسودته قبل النهائية حتى اليوم».

الحضور في الفعالية على هامش معرض «الوسط» الرابع للكتب المستخدمة
الحضور في الفعالية على هامش معرض «الوسط» الرابع للكتب المستخدمة

العدد 4976 - الخميس 21 أبريل 2016م الموافق 14 رجب 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً