العدد 4991 - الجمعة 06 مايو 2016م الموافق 29 رجب 1437هـ

البريطانية ديسكي «في العرفان» الحياة الشاقَّة على الطرقات المُعبَّدة ووعورة السَرطان

رحلت عن عمر ناهز 68 عاماً...

جيني ديسكي
جيني ديسكي

في السيرة الذاتية للمرض، وتحديداً في السيرة اليومية للسرطان، وبمعنى أكثر دقة، في السيرة الذاتية للاحتضار والتلاشي والفناء. ذلك ما تستحضره الكاتبة والروائية البريطانية جيني ديسكي، التي رحلت عن العالم يوم الخميس (28 أبريل/ نيسان 2016)، عن عمر ناهز الثامنة والستين عاماً، بعد إصابتها بسرطان الرئة والتليُّف الرئوي، في كتابها «في العرفان»، الذي تبدي فيه عرفاناً وامتناناً لكل الخبرات التي قُدِّر لها أن تكون جزءاً من حياتها، مذ كانت طفلة، وتخلَّى عنها والدها في السادسة، مروراً إلى تخلِّي الوالدين عنها وهي في الحادية عشرة من عمرها، ووقوفا عند على تبني الروائية البريطانية الحائزة على جائزة نوبل في الآداب، دوريس ليسينغ لها لمدة 4 سنوات، وليس انتهاء بترددها على المصحات النفسية، والاكتئاب الطويل الذي لازمها طيلة حياتها، والعزلة التي رأت فيها ملاذاً عن الصخب الفارغ والمصطنع. الصخب الذي قد لا يقول شيئاً. هي نفسها التي كتبت وقالت: «لقد كنا ميتين من قبل». و «عندما أجد نفسي أرتجف في ترقُّب الفناء» و «أستطيع أن أثبِّت نفسي من خلال التفكير في الهاوية التي مررت بها فعلاً».

دوايت غارنر، من صحيفة «نيويورك تايمز»، كتب تقريراً يوم الأحد الماضي (1 مايو/ أيار 2016)، نورد أهم ما جاء فيه.

رحلت الكاتبة والروائية البريطانية جيني ديسكي يوم الخميس (28 أبريل/ نيسان 2016)، عن عمر ناهز الـ 68 عاماً، بسبب معاناتها من سرطان في الرئة كان متعذراً إجراء عملية جراحية له.

الدعابة في مواجهة السرطان

يشير غارنر إلى حال من البداهة أبْدتها ديسكي في رد فعلها على نبأ إصابتها بالمرض، ولم تتخلَّ عن دعاباتها، في تجسيد للمعنويات العالية إزاء مرض لا يعرف إلا الفتك بالحياة. هي الطريقة المثلى للتعالي على الألم، وما سيعقبه من فناء.

موضحاً، أنه من الصعب حضور الابتذال في العديد من كتبها، سواء كانت روايات، كتب الرحلات، سيرة ذاتية، أو قصصاً قصيرة؛ إذ إنها في كثير مما تكتب وتعالج وترصد، حادَّة ولاذعة. مقالاتها في «لندن ريفيو أوف بوكس»، والتي نُشر كثير منها في كتابها الجديد «في العرفان»، يمكن الوقوف على حزمة من المُتَع التي يمكن الوثُوق بها، تلك التي تتجلَّى في قراءة الحياة. ولكن السرطان حشَرها في ورْطة ككاتبة. وأصبح الأمر الآن بمثابة كليشيه، عند كتابة سيرة السرطان، حتى لو تخلَّلت تلك الكتابة استعراضاً لمقاومته، لن يتمكن من تجاوز كونه نوعاً من الكليشيه.

كانت ديسكي حتى يوم معرفتها بإصابتها بالسرطان متَّقدة ومُضاءة بقدرتها على التكيُّف، بعد أن قرأت الكتب الأخيرة لكل من: أوليفر ساكس، كلايف جيمس والناقد الفني توم لوبوك. وجدت أن تفوُّقهم فيما يكتبون ويبدعون مؤلم. « لا توجد ردود جديدة مُحتملة»، كما كتبت. «بالتأكيد لا شيء من ذلك كنت أفكِّر فيه. الردود على التشخيص. العلاج وآثاره الجانبية. تطوُّر أعراض السرطان. الألم وعدم الراحة. الاحتضار. الموت».

مع «في العرفان»، كتبت نوعاً مختلفاً من يوميات السرطان، وهو واحد من كُتبها التي تخلو تقريباً من الابتذال، ومنشأ ذلك ببساطة يأتي عن طريق كتابة مُعتادة وفريدة من نوعها. إنها كتابة من النمط الذي تتضمنه كتب جيني ديسكي نفسها؛ ما يمكن القول، بأنه كتاب يدفع بك في اتجاهات خمسة أو ستة في آن واحد.

الأماكن المُفضَّلة: السرير والأريكة

جزء من الكتاب، يتناول تجربة علاجها، وحالات الضعف التي تتبدَّى مندفعة، فيما أتت مضامين ذلك التناول بلغة سهلة هي قريبة من الكلام. مُروِّعة وفيها الكثير من التحرُّك الدائم. كما أن جزءاً منه يتضمَّن قصة شبابها ومرحلة البلوغ، وهي الفترة التي عانت فيها من الاكتئاب والعزلة، وما تبع ذلك من تردُّدها الدائم على المستشفيات النفسية، دخولاً وخروجاً. هو كذلك كتاب عن والديْها السقيمين، اللذين بدرجة أو أخرى تخليا عنها.

كما يتضمَّن كتابها العلاقة المتشابكة التي ربطتها مع الروائية الإنجليزية الحائزة على جائزة نوبل في الآداب دوريس ليسينغ، والتي عاشت معها فترة مراهقتها، وكانت ابنتها بالتبنِّي. وأخيراً هو كتاب عن المرض باعتباره أداءَ أو عرْضاً، كما أنه كتاب ذو طابع أدبي، من دون أن يعني ذلك أن حصْره ضمن ذلك المسار، إضافة إلى تناوله موضوعات متنوعة.

يوضح غارنر بأن النكتة المتكرِّرة والحاضرة «في العرفان» تكشف عن مدى الاستعداد الذي كانت عليه ديسكي بلعبها دور مريض السرطان. وهي بطبيعتها منكفئة اجتماعياً. وتظل الأماكن المفضَّلة لديها على امتداد سنوات حياتها: السرير والأريكة. تعيش، وتفكِّر وكأنها واحدة من تلك الشخصيات الثانوية التي يتضمَّنها الأدب الفيكتوري، تلك التي تنعزل باستمرار كي تدخل في حال إغماء على الأريكة. ذلك ما أخبرت به طبيبها.

يقول لها الطبيب: «هذا أمر يختلف». وهو على حق. وتبيَّن أن ديسكي تعاني مرضين: ليسا من الأمراض السارة بطبيعتهما. (هل ثمة أمراض سارة أساساً)؟ هما سرطان الرئة والتليّف الرئوي. كلاهما يجعلانك تشعر بأنك تختنق، وهما معاً ساحقان. «لا أفعل نصف الأشياء» كما تعلق ديسكي.

كتبت كثيراً عن علاقة حب طويلة الأمد مع التدخين. هذا الموضوع تحديداً لم يتم تناوله «في العرفان» على الأقل ليس من جانب تأثيره على صحتها. ومع ذلك، تجدها على غلاف الكتاب، تُشهر بأناقة سيجارة. إنها الصورة المُبهمة التي تقول ما يكفي من الكلام.

تعترف ديسكي بالرعب الصريح في مواجهة الموت. وقالت إنها تجده كما وصفته «السلوان في ذعر صحراء بلا حدود» من سطر في السيرة الذاتية لفلاديمير نابوكوف والتي تم تعديل عنوانها إلى « تكلمي... تكلمي أيتها الذكريات» والتي صدرت في العام 1951. كتب نابوكوف: «يتأرجح المهد فوق هاوية الفراغ. وها هو الحس العام يخبرنا بأن وجودنا ليس سوى بصيص الضوء القصير القادم من شق بين أبديتين من الظلام».

لقد كنا ميتين من قبل، بعبارة أخرى. وتكتب: «عندما أجد نفسي أرتجف في ترقُّب الفناء» مضيفة «أستطيع أن أثبِّت نفسي من خلال التفكير في الهاوية التي عانيتها فعلاً».





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً