العدد 4991 - الجمعة 06 مايو 2016م الموافق 29 رجب 1437هـ

الأحذية الثقيلة في سورية

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

سأفتتح مقالي بهذه العبارة: «إن ثمن إنهاء ارتباطنا بالعالم سيفوق كثيراً تكاليفه». هذا القول ليس لي، بل ذكره السفير الأميركي السابق لدى الناتو إيفو دادلر، وهو اليوم رئيس مجلس شيكاغو للشئون الدولية، ومعه كاغان، وهو زميل أول بمعهد بروكنجر، في مقال كَتَبَاه عن مستقبل الهيمنة الأميركية على العالم. وهو من أهم المقالات التي كُتِبَت في الفترة الأخيرة عن السياسة الدولية.

كنا نتساءل دائماً: ماذا تجني الولايات المتحدة الأميركية من كل هذه الهيمنة على دول العالم ومحيطها؟! ليس في الخليج العربي فقط، بل في أوروبا كلها وأميركا اللاتينية، وفي شبه الجزيرة الكورية واليابان، وحول الصين وشبه الجزيرة الهندية وسيرلانكا ومنطقة النمور، وأستراليا والقرن الإفريقي وشمال وجنوب إفريقيا وكافة المحيطات والبحار، ما خلا بعضها كـ بحرَيْ قزوين والأسود إلى حدّ ما. بل وامتدّ تواجدها حتى إلى المحيطيْن المتجمِّدَيْن في الشمال والجنوب.

الجواب هو أن المنافع التي تجنيها واشنطن من تلك الهيمنة هي «عظيمة». هكذا يصفها كل من دادلر وكاغان. هما يُفصّلان بأن الازدهار الهائل الذي حصل بفضل «الأسواق الحرة والمفتوحة» وكذلك وضع «التجارة الدولية المنتعشة» وانتشار النظم الديمقراطية «وتجنب وقوع صِدَام كبير بين القوى العظمى» ساهم في تعزيز الوجود الدائم للأميركيين وزيادة نفوذهم وبالتالي منافعهم.

يضربان مثلاً على ذلك بأن شراكة الولايات المتحدة الأميركية عبر الأطلنطي، وحسب تقديرات معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، ستزيد من حجم الدخل الأميركي السنوي قرابة الـ 131 مليار دولار. هذا الأمر ينطبق على غيره من العقود والاتفاقيات التي قد يعقدها الأميركيون. فتقوية روابط الاقتصاد بين واشنطن و»شرق آسيا وأوروبا» يجعلها تتربّع على عرش العالم في التنمية والوفرة.

في المحصلة فـ «إن مردود الأمن العالمي الذي سيتحقق من هذا الاستثمار سيفوق قيمته» حسب وصفهما. وهو ما يعني أن سياسة زيادة الإنفاق العسكري والاستخباراتي والأمني مطلوب وبقوة، وذلك لدعم السياسة الخارجية وفرض وقائع على الأرض، تحمي الحلفاء وتواجه الخصوم.

ثم يُثار تساؤل أكبر وأكثر إلحاحاً وهو: كيف يمكن للأميركيين أن ينسحبوا من العالم وهم يرون التحولات الخطيرة: غزو روسي لأوكرانيا (ما يعني أنه غزو لأجزاء من أوروبا). وتنمّر الصين وسعيها الدؤوب للسيطرة «على الممرات البحرية التي تنساب عبرها حصة كبيرة من التجارة الدولية». ومساعي إيرانية للهيمنة. وسيطرة «داعش» على مناطق واسعة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؟!

بل اليوم يمكن للولايات المتحدة الأميركية وبفضل قوتها النفطية الجديدة أن تساعد أوروبا على التخلص من الهيمنة الروسية على مسائل الطاقة التي تحتاجها. وهو ما يجعل نفوذها أقوى من السابق، ويزيد من حضورها في أهم منطقة في العالم ضمن حلفائها الخمسين في الشرق والغرب. وهي تفعل ذلك وتدرك أن عملتها (الدولار) ما تزال هي عملة الاحتياط العالمية.

ليس ذلك فحسب، بل إن مستقبل الطاقة لم يعد مفتوحاً أو حكراً على «الصادرات الهيدروكربونية» ولا على كارتيل «أوبك» المعني بالنفط، بل هو لأدوات أخرى في الاقتصاد، وهو ما يجعل الولايات المتحدة التي تمتلك قرابة نصف اقتصاد العالم أن تتخلص من قيود اقتصادية كلاسيكية كانت تلقي بظلالها على حركتها السياسية. كما يشير إلى ذلك دادلر وكاغان.

مثل هذه الظروف وهذه التطورات التي ربما تصب في صالح واشنطن تجعل من غير المنطقي أن تنسحب الولايات المتحدة من المشهد العالمي حسب رأي دادلر وكاغان. هنا، وبعد استحضار كل هذه القوة «المفترضة» و «المُسوّقة» عن واشنطن أصل إلى تطوّر لافت حصل في السياسة العسكرية لأميركا، وهو قرار الرئيس باراك أوباما إرسال 250 جندي من قوات المهام الخاصة إلى سورية، بعد أن كان أوباما ينأى بنفسه عن مسألة التورط العسكري المباشر هناك.

باعتقادي أن هناك خلطاً بين القدرة على الهيمنة وبين القدرة على خوض معارك غير نظامية. فأي تدخل أميركي في سورية سيكون خطأ فادحاً ترتكبه الإدراة الأميركية ويرتكبه الرئيس تحديداً وهو يقضي بقية شهوره القليلة في البيت الأبيض. وربما ليس ببعيد عنه ولا عن ذاكرته تجربة الأربعة آلاف جندي أميركي (وأكثر) الذي قُتِلوا في العراق طيلة ست سنوات من التواجد «الفعلي» على الأرض (2003 – 2009). ولم يستطع 150 ألف جندي أميركي وحلفاء آخرين من حماية السياسة الخارجية لإدارة بوش الإبن هناك. فُعِل المستحيل كي يتوقف تسرّب برميل الدم لكنه لم يتوقف.

على أوباما أن يُدرك بأن سورية المتخمة بالسلاح والمقاتلين يمكنها أن تكون ساحة أخطر من العراق، وبالتالي ستجعل أي رئيس أميركي قادم في مشكلة لا قِبَل له بها. وإذا كان أوباما قد جاء إلى الرئاسة ليطفئ حرائق «الحقبة البوشيّة» فمن الخطأ أن يُورّث للقادم الجديد ذات الحرائق التي أرهبته.

على جميع مَنْ يُسوّقون للعسكرتاريا الأميركية أن يُدركوا بأن الهيمنة على العالم كـ قوة اقتصادية شيء والنزول إلى الأرض للنِزال غير المتكافئ شيء آخر ومختلف. فقوة أميركا في العالم لم تجعلها قوية في الصومال وهو البلد المتهالك الذي لا يجد أهله كثيراً من الأكل والشرب في حياتهم اليومية. وهو ذات الأمر الذي سيكون في سورية.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4991 - الجمعة 06 مايو 2016م الموافق 29 رجب 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 4:23 ص

      مادة لطيفة ومهمة جدا

    • زائر 3 | 4:20 ص

      Thanks Mohammed

    • زائر 2 | 12:51 ص

      الكاسر

      لا تخاف بو جاسم
      سوريا الصمود سوريا الأسد
      قالها سيد المقاومة حفظة الله اطمأنو سوريا سوف تنتصر

    • زائر 1 | 12:48 ص

      يا حسرتاه على امول الشعوب وهي تهدر في حروب لا ناقة للشعوب فيها ولا جمل بل تهدر هذه الاموال لتدمير بلد عربي فقط نكاية به لآنه يدعم المقاومة

اقرأ ايضاً