العدد 4992 - السبت 07 مايو 2016م الموافق 30 رجب 1437هـ

الاقتصاد والتقاعد ومؤشراتهما للفساد

يعقوب سيادي comments [at] alwasatnews.com

.كاتب بحريني

نعم لقد صَرَّحَ وعَلَّقَ، وكتب وانتدى، وحاور وراسل، الكثيرون قبلاً، ومازال الكثيرون يعقدون المؤتمرات الصحفية والعلمية و..، لكن الأمر لم ينقضِ، لا إلى حَلٍّ، ولا إلى مَنعِ أو تخفيف العَلِّ، بل باحت الأنباء، فيما مضى، ومازالت تبوح فيما حضر، وستستمر بالبوح فيما هو آتٍ، بأن ما حذَّر منه «المعارضون»، الذين لهم شغف المتابعة والدراسة والتحليل، ومن ثم إبداء الرأي والملاحظات، فيما يصح وينفع الناس جميعاً، عمّا يخطئ ويضر، ورغم حقيقة الوصف ودقته، إلا إننا سنخفف الوطء على صلابة أرض الحقائق، ونحن نعلم أن الحقيقة تضحك على مزيفيها، نعلمها أنها باقية بشموخها وسرمديتها.

سنخفف ونتحاشى استفزاز نصفنا المواطني الآخر، شركاءنا في الوطن، الذين صرح الكثير منهم متباكياً، عندما بدأت تدور الدوائر بما لم يحسبوا، أنهم أيضاً معارضون، ولكن في حدود ما لا يغضب السلطات، وأن السياسة لديهم هي فن الممكن وبشرط السلامة، وأن ما يُمنع رسمياً، يجب احتسابه أنه لا يحق للعامة، لذا فلنوازي مفردة «المعارضين» بمفردة «المختلفين»، مع تأكيد التعارض والاختلاف بين الجمعين.

ففي الاقتصاد، عندما يُراد للمعالجة الأمنية أن تحكم المجتمع، توازياً مع توسيع رقعة الفساد السياسي والإداري، وسرقات المال العام، بما يدعمه من استفراد بالقرار، كما ساد في حقبة أمن الدولة، يتم تسييس الاقتصاد وتسييس المهن، بجعل النمو الاقتصادي يعتمد على زيادة عدد العمال، ذوي الأجر المتدني، لتحقيق غرضين، الأول تشويه الاقتصاد لغرض الفساد، بالابتعاد عن تأسيس الدافع والعامل الحقيقي للنمو الاقتصادي، المفترض تحقيقه من خلال تدريب العمالة المواطنة، وزيادة إنتاجيتها، بالعطف على زيادة العمالة الأجنبية رخيصة الأجر، وما ينبني عليها من سوءات الفساد الإداري والمالي بما يتضح من المعادلة التالية:

فريق بناء من أستاذ وعامل متدنيي الإنتاج، يتقاضى الأستاذ 80 ديناراً شهرياً، ويتقاضى العامل 60 ديناراً، ينهيان صف 80-100 طابوقة في 8 ساعات يومياً، يُضاعَفان بمثلهما لتصبح المحصلة فريقين بمجموع 4 عمال بناء أجانب، يحققون صف 160-200 طابوقة يومياً، مقابل راتب 280 ديناراً، وفي حال أخرى يمكن لفريق واحد مؤهل أن ينجز صف 180-200 طابوقة في اليوم، مقابل راتب الأستاذ 120 ديناراً وراتب العامل 80 ديناراً، بمجموع 200 دينار.

فعلى رغم أن الحال الثانية أنفع لاقتصاد البلد والمقاول، وأجود في الأداء للمستهلك صاحب البناء، إلا أنها مُخسرة للفاسدين من المتاجرين بتأشيرات العمل، المتقاضين مبالغ تصل إلى الألف دينار وأكثر، مقابل كل تأشيرة عمل تباع، للعمل الخاص الفردي «فري فيزا»، وهؤلاء الفاسدون فريقان، فريق يتحايل على أنظمة العمل وتراخيصه، باستخدام سجل تجاري وهمي، لا يقوم إلا على «دكان في داعوس» كمكتب لنشاط السجل، وهو في حقيقته مقر لممارسة الفساد بالمتاجرة بالبشر، ومن ذات الفريق أيضاً من يجلب العمالة للعمل لديه ولكن مقابل بيعهم التأشيرات، التي يلزمه القانون، الغائب المتابعة والتنفيذ، تكفله بها؛ والفريق الثاني هم المتورطون في الوزارات، ممن يسهلون للمتاجرين بالبشر «تجارة الفري فيزا» حصولهم على التأشيرات، والتي هي في غالبها رشاوي للرضا والسكوت.

وهذا الوضع خلق في المجتمع، طائفةً من المقيمين الأجانب، وتبعهم بعض من المتجنسين حديثاً، من سماسرة وتجار «الفري فيزا»، والغرض الثاني هو موضوع التقاعد، الذي لم يخرج هو الآخر، عن ذات منظومة الفساد الإداري والمالي، ولقاء ذلك بدءًا نسأل المختصين، عن المبالغ المستحصلة سنوياً مقابل التأمين ضد إصابات العمل، وكم بلغت ملياراتها غير المستخدمة من العمال الوافدين، للسنوات منذ بدء العمل بقانون التأمين الاجتماعي في 29 يونيو/ حزيران 1976 لغاية اليوم، وكم مقدّرٌ لها للقادم من الأعوام، وفي أي باب من ميزانية الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية، تم رصد هذه المليارات عن العمال الوافدين، المقررة بنسبة 3 في المئة من الراتب، ذلك الراتب غير المدقق من قبل الجهات المعنية، حيث أنها تكتفي فقط بتصريح صاحب العمل، لتبقى حاله حال المتاجرة في «الفري فيزا».

ثم نأتي لمعاشات التقاعد، المتكفلة بها الهيئة، من باب الجبر، مقابل «يكون خضوع أصحاب العمل والعمال للقانون إلزامياً»، المادة (5) من قانون التأمين الاجتماعي، ومأمونة هذه المعاشات، تطبيقاً للمادة 11 من ذات القانون، «تخصص أموال الهيئة العامة ومواردها لتقديم المزايا والمنافع والمعاشات والتعويضات... وتغطية نفقاتها الإدارية... ولا يجوز لمجلس الإدارة السماح بأن تتجاوز النفقات الإدارية السنوية للهيئة العامة، سبعة بالمئة من الموارد الناتجة من الاشتراكات المدفوعة من أصحاب العمل والمؤمن عليهم، (بغض النظر عما يتراكم من إيرادات أخرى لدى الهيئة) إلا بقرار من مجلس الوزراء على ألا تجاوز عشرة بالمائة من تلك الموارد».

فإن تجاوزت السبعة في المائة فهي مسئولية مجلس الوزراء، ولكن إذا تجاوزت العشرة في المئة فمسئولية من؟ وهذه الحال واردة في حال العجوزات المتكررة لكل سنة بعينها، عندما تفوق المصاريف التي جلّها النفقات الإدارية، إيرادات الهيئة من الاشتراكات التأمينية لكل سنة، جزء.

والأهم نص المادة 15 من القانون، التي في صدرها «ينشأ صندوق للتأمينات الاجتماعية، ويكون مستقلاً عن ميزانية الدولة ويتفرع عنه حساب لكل فرع من فروع التأمينات المشار إليها... وتتكون أموال الصندوق من الموارد الآتية: ...

5- القروض التي تؤديها الخزانة العامة للدولة عند الإقتضاء، إلى الصندوق لسد العجز الذي قد يظهره تقدير المركز المالي إكتوارياً ...»

وكذلك المادة 16 «... فإذا تبيّن من التقرير الذي يعده الخبير (الإكتواري مرة كل خمس سنوات على الأقل) وجود مال زائد فيرحل هذا المال إلى حساب خاص بالصندوق، ولا يجوز التصرف فيه إلا بموافقة مجلس الإدارة في الأغراض التالية:

1.تسوية كل أو بعض العجز الذي تكون الخزانة العامة للدولة، قد قامت بسداده عن طريق القروض التي تؤديها للهيئة العامة لهذا الغرض (فقط في حال أقرضت الدولة الهيئة وإلا فلا).

2.زيادة المعاشات على ضوء الأرقام القياسية لنفقات المعيشة بنسبة يحددها قرار من مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير العمل والشئون الاجتماعية.

3.تكوين احتياطي عام واحتياطيات خاصة.

أما إذا تبين وجود عجز... جاز لمجلس الوزراء - بقرار منه بناء على عرض وزير العمل والشئون الاجتماعية- منح الهيئة قرضاً لهذا الغرض، أو زيادة اشتراكات التأمين التي يلتزم بها كل صاحب عمل والعامل المؤمن عليه، وفقاً لما يظهره الخبير... بشأن أسباب العجز».

الخلاصة أن الدولة ملزمة بالجواز لها إقراض الهيئة، وليس للدولة بأي حال من الأحوال، الاقتراض من الهيئة، فماذا عمّا يدور من حديث عن سحب جهةٍ ما، من الهيئة المبالغ اللازمة لبناء مركز البحرين للمعارض، الذي هو ليس استثماراً تملكه الهيئة بل تملكه الحكومة، وكذلك جهات أخرى، ولم يتم حتى استرجاع تلك الأموال؟

إقرأ أيضا لـ "يعقوب سيادي"

العدد 4992 - السبت 07 مايو 2016م الموافق 30 رجب 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 12:59 ص

      مواضيع إنشائيه جميله

      دائماً استخدم كتاباتك كمواضيع إنشاء لطلبتي في الاعدادي
      شكراً استاذي

    • زائر 1 | 12:41 ص

      لفت نظري كلمة (فنّ الممكن) وهو مصطلح يردّده الكثير ويؤمنون به لكنهم غفلوا وتغافلوا ان هذا الممكن الذي يتوقون له اصبح غير ممكنا وما هو ممكننا هو بقاء الحال على ما هو عليه والوضع يسير للأسوأ فها هي ملفّات الفساد تعجّ بقضايا الفساد ومجلس النواب لا يستطيع ان يمارس الممكن له. وها هي البلد تعج بالمشاكل والاعتقالات والسجون ولا يمكن مناقشة أي ملفّ من هذه الملفّات .اذا اصبح الممكن مناقشة بصقة المواطن ومكانها والحلوى المنزلية ومحاولة التضييق على الصناعات المنزلية من حلوى وغيرها هل هذا هو الممكن؟

اقرأ ايضاً