العدد 5003 - الأربعاء 18 مايو 2016م الموافق 11 شعبان 1437هـ

قصة قصيرة... إنه عالم مرعب

في منتصف الليل، أحدق من نافذتي المتسخة نحو الظلام منتظراً حلول الضباب، عندها أعرف أن وقتي قد حان.

أقوم بارتداء زوجي حذاء رياضيين باليين كنت قد ورثتهما من أجيال متعاقبة، وكانا مليئين بالثقوب ومع ذلك كنت لا أبالي.

أفتح باب منزلنا الضخم مستنشقا هواء منعشاً رهيباً. أركض مدفوعاً بجرعة من "الأدرينالين" بأقصى سرعة من غير هدى على الأعشاب الرطبة، التي كانت ترتقي لخصري وكأن أحداً لم يطأ هذه البقعة منذ عقود، ولو أن أحدهم عرف هذا الأمر لكان قبض عليّ.

أهرع للبيت مبتهجاً. لا أحد يرى وجودي بسبب انشغالهم بالنظام المنزلي "الربورتي".

الجميع بدناء ولديهم فوبيا في مواجهة عالم الانترنت. الحكومات هي الأخرى استخدمت "الوزن" للسيطرة على مجتمعاتها، مثلما يتلاعب محركو الدمى بعرائسهم المذعنة السمينة في المسرح.

إذاً، لم يتمكن أحدهم أبدًا من رؤيتي وأنا أركض بأقصى سرعة في الحقول، ببساطة لأنهم لم يسبق لهم أن تجرءوا على الاهتمام بمعرفة ما وراء الستار باستثنائي أنا،  ولكن هذه الليلة أشعر وكأن أحدهم يراقبني.

جلس خالد وسط حجرته المكتظة بالموت واللابتوب على ركبتيه . وجهه كان شاحباً والهالات السوداء ارتسمت أسفل عينيه.

مرة أخرى، استيقظ متأخراً لتهكير الأقمار الاصطناعية للحكومة، ارتسمت على محياه ابتسامة نصر كبيرة.

نجح من خلال جهازه مشاهدة كل صغيرة وكبيرة في بلده بحيث يمكنه تصويب "الزوم" بدقة على الهدف المراد مشاهدته، ممتلكاً شعوراً بأنه بات يتجسس على خصوصية أهم الشخصيات، بدت له وجوههم صماء في شاشة الكمبيوتر، وهو الأمر الذي ترك في نفسه انطباعاً بائساً.

احتاج خالد لبعض الإثارة، فوجه بوصلة شاشته نحو الريف مدفوعاً برهبة ما كان يقرأه عبر الانترنت عن هذه البقعة اللغز.

بدأت سماعاته في تشغيل أصوات استرخائية: حفيف الشجر.

كان على وشك الرقاد حينما لمح حركة مفاجئة. كان جسماً يتحرك بسلاسة: طويلا كان ونحيفاً، تماماً كإحدى الشخصيات القديمة في الألعاب ذات الشاشتين.

شبح؟ كلا. كانت فتاة على قيد الحياة تلهث من فرط الجري.

كان خالد يشاهد ذلك مشدوهاً. بدأ راغباً في امتلاك هذا العالم الغريب من الحرية المتخم بالحركة. شعر بغصة قوية في قلبه وعضلات قدميه تتلويان من الألم.

أحس أنه كان عليه التبليغ عنها ولكنه حينها سيلقى القبض عليه متلبساً بتهكير الأقمار الاصطناعية. ذهنه كان يردد باستمرار الكلمات التي كان يراها صبيحة كل يوم وهو يدخل إلى المدرسة عبر الشبكة العنكبوتية:

"الحكومة تتعقبك. كن على ثقة بالحكومة".

كان إدراكه في حالة صراع مع غريزته كان كله ثقة بقدرة الحكومة، لكنها أصبحت فيما يبدو أكثر "شيطنة". كانت أزرار التبليغ على بعد بعض سنتيمترات من أنالمه الصغيرة، إذا ضغط عليها فإن حريتها ستسلب جنباً إلى جنب مع كمبيوتره المحمول.

عندما وصلت إلى البيت من الجري كنت مرهقاً، رميت نفسي على السرير لأتنفس تنهدات الراحة، تماماً مثلما أفعل كل مرة أصل فيها للمنزل مدركاً أنه لا يلحظني أي أحد. أسجل دخولي للشبكة العنكبوتية من كمبيوتري المحمول لأجد رسالة الكترونية جديدة نصها:

"تحتاج إلى مدربين جدد"!





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

اقرأ ايضاً