العدد 5004 - الخميس 19 مايو 2016م الموافق 12 شعبان 1437هـ

القضاء البيئي في تنظيم السلوك البشري والتنمية المستدامة

شبر إبراهيم الوداعي

باحث بحريني

يتَّفق المختصون في الشأن البيئي والقضائي والتشريعي والقانوني والخبراء في علم الجريمة على ضرورة وجود القضاء المختص في الإجراءات الجنائية في الشأن البيئي، ويتخذ الجدل بين المختصين مساقات واتجاهات مختلفة في حيثياته بشأن الطرق المنهجية لبناء مؤسسات القضاء البيئي، وتتباين الرؤى الفقهية في شأن الوظائف المنهجية لآلية القضاء البيئي، وذلك التباين مسألة طبيعية تفرضه ظروف واقع الجريمة البيئية، وصعوبة إثبات الضرر البيئي، والمؤشر الرئيس في تحديد نوع وطبيعة مستوى آثار الجريمة البيئية، وعوامل حدوثها وبُعد أضرارها ومخاطرها على مكونات النظام البيئي والأمن البيئي للإنسان.

الجريمة البيئية حلقة رئيسة في ما يجري من جدل في شأن محددات مفاصل الإجراءات الجنائية بشأن تحديد مؤشرات الجريمة البيئية، إذ تتباين الرؤى في شأن طبيعة الجريمة البيئية وموقعها في خريطة قيم المسئولية الإنسانية، ومحددات مفاصل بعدها الأخلاقي والقيمي والقانوني، كفعل يشمل بآثاره الإضرار بالمصالح الفردية والمجتعية، وتعد انتهاكاً للحق البيئي للمجتمع، ويجرى معالجة جوانب هذه المرئيات في كتاب «التحقيق الجنائي في جرائم البيئة» للقاضي بمحكمة الجنايات أشرف هلال الصادر عن دار النهضة العربية في القاهرة، إذ يشير الباحث في سياق معالجته موضوع «أهمية دراسة العمل الإجرائي الجنائي للبيئة» إلى أنه «لايزال لدى البعض الشعور بأن اقتراف جريمة ماسة بالبيئة لا يعد فعلاً مخالفاً للدين والأخلاق».

الثابت أن الجريمة البيئية بوصفها ثقافة وسلوكاً غير سوي ومصدراً للتدمير البيئي وانتهاكاً للمصالح والحقوق المعيشية لحياة المجتمعات البشرية، تصدرت في المراحل التاريخية القديمة منظومة القيم الإنسانية والثقافات التقليدية للجماعات البشرية، وقواعد المدارس القانونية والفقهية القديمة والديانات السماوية ومبادئ الشريعة الاسلامية، وذلك قبل أن تكون نشاطاتها محوراً للمبادئ والأحكام القضائية والتشريعية، وقواعد القوانين الوضعية الدولية والوطنية الحديثة في الشأن البيئي.

النشاط الإجرامي للمافيات الدولية في البيئات الطبيعية للدول، وتصاعد وتائره التدميرية، وما تركه من أضرار خطيرة على الإنسان والبيئة دفع المشرعين الوطنيين إلى تبني النهج المتشدد في اعتماد العقوبات القانونية، للحد من وقمع النشاط التدميري للبيئات الطبيعية، وصون الأمن البيئي للإنسان، ذلك ما أكده المشرع الإماراتي في القانون الاتحادي رقم (24) لسنة 1999 في شأن حماية البيئة وتنميتها، إذ يؤكد في المادة (73) على أن «تكون العقوبة الإعدام أو السجن المؤبد والغرامة التي لا تقل عن مليون درهم ولا تزيد على عشرة ملايين درهم على كل من خالف حكم المادة (62/بند 2) من القانون»، ويقضي البند المشار اليه على أنه يحظر على أية جهة عامة أو خاصة أو أي شخص طبيعي أو اعتباري «استيراد أو جلب المواد أو النفايات النووية أو دفنها أو إغراقها أو تخزينها أو التخلص منها بأي شكل في بيئة الدولة».

المشرع البحريني أخذاً في الاعتبار تصاعد مخاطر الجريمة البيئية، يتجه أيضاً إلى تغليظ العقوبة على مخالفة دفن النفايات النووية المشعة في قانون البيئة الجديد، وتصل العقوبة إلى الإعدام، ذلك ما أشار إليه الرئيس التنفيذي للمجلس الأعلى للبيئة محمد مبارك بن دينة في تصريح لـ «الوسط»، المنشور في (21 مارس/آذار 2016)، ونرى انه على رغم أهمية ذلك النهج في قمع الجريمة البيئية، فإن ذلك يحتاج إلى قانون يؤسس لبناء نظام للرقابة والبحث الجنائي البيئي، ويعزز قيم العدالة القضائية، ويوفر الضمانة التشريعية لعمل القضاء البيئي ويصون الحق القضائي لمرتكب الجريمة البيئية والمتضرر من المخالفة البيئية الناشئة.

بناء نظام مؤسس للقضاء البيئي، يتطلب توافر قواعد منهجية تنظم صلاحية وإجراءات المحاكم في تشخيص وتحديد معالم مكونات الجريمة البيئية، كما أن تجريم الأفعال والأنشطة الضارة بالبيئة والإنسان، ينبغي أن تكون مرتكزة على نص قانوني يشخص بشكل باين أدوات الفعل الجنائي، وموضوع الفعل الإجرامي، ويحدد وظائف واجراءات وأدوات ومناهج التحقيق الجنائي البيئي، والجزاءات على الأفعال المخالفة للقانون، والتي تحدث جرماً بيئيّاً بأبعاد أضراره الإنسانية والبيئية.

العدالة والإنصاف ينبغي أن تكون داخلة في صلب جوهر نظام عمل وقرارات القضاء البيئي، وأن يعزز ذلك بنص قانوني صريح لآلية نظام البحث الجنائي وأسس المرافعات الجنائية في الشأن البيئي، والتحقيق الجنائي في الجرائم البيئية ضرورة لإثبات الفعل الإجرامي في مخالفة قواعد القانون البيئي، وجوانب انتهاك حقوق الأمن البيئي للمجتمع، بيد أن فاعلية ذلك تؤكد ضرورة توافر نص قانوني صريح يشرع ويقنن ويؤطر آلية التحقيق الجنائي في الجرائم البيئية، المرتكزة الثوابت العلمية لإجراءات تقييم الأثر البيئي، وينبغي أن تؤخذ في الاعتبار التركيبة الإدارية لهذه الآلية، والتي نرى أن يدخل ضمن منظومة عملها المختصون في الجوانب البيئية والصحية والاقتصادية والقانونية، وخبراء البحث الجنائي للتمكن من إعداد تقرير علمي متكامل عن الضرر البيئي، ومفاصل محددات طبيعة جوهر الجرم البيئي في المخالفة البيئية المرتكبة.

الضبط القضائي في جرائم البيئة حلقة مهمة في منظومة عمل القضاء البيئي، ومأموري الضبط القضائي في الشأن البيئي أداة مكملة ومطلب استراتيجي لعمل القضاء البيئي، ويمثل المعادلة الفاعلة في إنجاز مقاصد هذا النظام الإداري والرقابي والقانوني والقضائي، كما أنه منهج فعلي في إنفاذ محددات القانون البيئي، وتوفير متطلبات الرقابة البيئية، وتنظيم مكافحة أنشطة الجريمة البيئية، وتزويد القضاء البيئي بإحداثيات المخالفات البيئية المرتكبة، وأبعاد أضرارها على البيئة والإنسان التي يجرى الاستفادة منها في إعداد المرافعات القضائية، ومن المفيد أن يؤخذ في اﻻعتبار في تشكيل هذه الآلية الرقابية أهمية إشراك ممثلين من أطياف العمل المؤسسي المختصة والمعنية بقضايا النشاط البيئي، والاستعانة بذوي الخبرة لتشخيص الضرر البيئي، والاستفادة من قدرات المجتمع المدني في تتبع وتشخيص المخالفات البيئية.

إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"

العدد 5004 - الخميس 19 مايو 2016م الموافق 12 شعبان 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 5:05 ص

      مقالات جميلة،
      ونتمنى أن نراها في سلسلة إصدارات لتكون مرجعا للباحثين القانونيين والبيئيين
      وتسلم على اهتمامك البيئي، فبرأيي المهتمين بالبيئة أكثر صدقا وحرصا، لأنه لا تحكمهم المصالح في هذا العلم أكثر من أنه نابع من اهتمامهم بنقاء وسلامة كوكب الأرض والحيز البيئي الذي يعيشون في.
      باحث من الامارات

اقرأ ايضاً