العدد 5005 - الجمعة 20 مايو 2016م الموافق 13 شعبان 1437هـ

القطان: الزكاة طهارة للمجتمع من مشاكل الفقر واكتناز الثروات

الشيخ عدنان القطان
الشيخ عدنان القطان

قال خطيب جامع الفاتح الإسلامي الشيخ عدنان القطان، في خطبته امس الجمعة (20 مايو/ أيار 2016): «إن الزكاة طهارة للمجتمع من مشاكل الفقر، واكتناز الثروات... وكثيرٌ من المشكلات الاقتصادية إنما يقضى عليها بهذه الشعيرة العظيمة».

وفي خطبته بعنوان: «فريضة الزكاة وتوجيهات للأغنياء والوكلاء»، قال القطان: «من رحمة الله تعالى بعباده أنه لما خلقهم وكلَّفهم هداهم لدينه، وبَيَّن لهم الطريق إليه، وأقام الحجة عليهم، وقطع أعذارهم، والشرائع التي أوجبها الله تعالى على العباد، وألزمهم بها، هي لمنافعهم ومصالحهم، فالتزامهم بها ينفعهم، ولا ينفع الله تعالى شيئاً، ورفضهم لها يضرهم، ولا يضر الله تعالى شيئاً، ومن أعظم ما فرض الله تعالى على عباده من الفرائض، فريضة الزكاة، فهي عبادة المال، وركن الإسلام الثالث بعد الشهادتين والصلاة. تكرر ذكرها في القرآن الكريم كثيراً، وقُرن ذكرها بذكر الصلاة في أكثر الآيات، يقول تعالى: «وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ» (البقرة: 43)، ولولا ما فيها من المنافع للعباد في معاشهم ومعادهم، وفيما يخصهم أفراداً وجماعات ودولاً وأمماً؛ لما كانت عناية الشريعة بها كذلك؛ إذ إن الله تعالى لا يشرع لعباده إلا ما يصلحهم في الدنيا والآخرة».

وأوضح القطان أن «الزكاة دليل صدق العبد في إيمانه، وتسليمه لربه، وثقته في موعوده؛ ولذلك يبذل العبد أغلى ما يملك عن طيب نفس ورضا، ومن هذا القبيل أطْلق الشرع على الزكاة لفظ الصدقة، وهو مأخوذ من الصدق في مساواة الفعل للقول والاعتقاد؛ كما ذكر ذلك أهل العلم... وهذا الفهم لمعنى الزكاة يرتكز على مفهوم التلازم بين الفعل والقول والاعتقاد في الإسلام، فلا يكمل الاعتقاد بلا قول، كما لا يكمل القول بدون فعل، فالتلازم بين هذه الأمور الثلاثة لحمة عقيدة الإسلام ومرتكزها، إن ارتباط الزكاة بالعقيدة، وكونها جزءاً أساساً لا يكتمل الإيمان إلا بها يدل عليه ما ورد من آيات عن الزكاة في العهد المكي، حيث لم تتكون بعد دولة الإسلام، ولم تتحدد أنواع الأموال والمقادير الواجب إخراجها، إنما كانت الإشارة إلى الزكاة في هذه الفترة باعتبار أنها جزء من الاعتقاد، مما يدل على مدى التلازم بين الإيمان بالله تعالى والعبودية التي هي أقوال وأفعال تبرهن على صدق الإيمان، كما يبين هذا التبكير في الخطاب بالزكاة قبل قيام دولة الإسلام ما يجب على الفرد تجاه إخوانه ومجتمعه وأمته».

وبيَّن القطان أن «الزكاة تعني الطهارة والنماء والبركة، يقول ابن قتيبة (رحمه الله تعالى): «الزكاة من الزكاء والنماء والزيادة، سميت بذلك لأنها تثمر المال وتنميه، يقال: زكا الزرع إذا كثر ريعه، وزكت النفقة إذا بورك فيها» اهـ.

ومن عجيب التشريع الرباني أن الزكاة أَخْذٌ، والأخذ في الأصل نقص من المال، وهذا هو المستقر عند البشر؛ ولذلك يشح أكثرهم ببذل المال؛ خوفاً من نقصه، ولكن الشارع الحكيم أخبرنا أن الزكاة وإن كانت إخراج جزء من المال فهي طهارة ونماء للمال، على عكس ما هو مستقر عند البشر، وقد تواردت النصوص على هذا المعنى العظيم الذي لا يدركه أكثر الناس، يقول الله تعالى: «خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا» (التوبة:103).

والتطهير والتزكية من أعظم مطلوبات أصحاب النفوس السامية، والهمم السامقة، وتطهير الزكاة عام يشمل المزكي، وآخذ الزكاة، والمال المزكى، والمجتمع بأسره... أما المزكي فتطهره الزكاة من البخل والشح والأثرة والأنانية كما تطهره من عبودية المال، وكم من صاحب مال يملكه المال ويُسَيِّرُه حتى يكون عبداً له، فيوالي في المال، ويُعادي فيه، ويحب فيه، ويبغض فيه، ويشقى في جمعه ولا ينتفع به، ويخشى فواته أكثر من خشيته على دينه أو نفسه أو ولده، ولربما هلك بسبب خسارته، فهذا عبدٌ لماله وإن ملكه...

ومخرج الزكاة يتحرر بإذن الله تعالى من هذه العبودية إلى عبودية الله تعالى وحده، ويتطهر من شح نفسه، وفقر قلبه. وهذا من أعظم ما ينفع العبد عاجلاً وآجلاً، وقد أثنى الله تعالى على من كان كذلك، ووصفه بالفلاح،يقول تعالى: «وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ»(الحشر:9) ويقول: «قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ» (المؤمنون:1)، ثم ذكر سبحانه سبباً من أسباب فلاحهم فقال تعالى: «وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (المؤمنون: 4) وذم النبي (عليه الصلاة والسلام) من لم يتطهر قلبه من الشح والأثرة، ودعا عليه، فقال (ص): «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَالْقَطِيفَةِ وَالْخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ».

وأشار القطان إلى أن «الزكاة سبب لطهارة قلوب الفقراء والمساكين من الحقد والبغضاء على الأغنياء، وحسدهم على ما آتاهم الله تعالى من فضله؛ إذ يرون أن الأغنياء قد أحسُّوا بهم، وشاركوهم في مصابهم، وتلمسوا حاجاتهم، وواسوهم بأموالهم... فالزكاة أعظم صلة بين الفقراء والأغنياء، وفيها إزالة للحواجز المصطنعة بينهم، وتقريب بعضهم من بعض حتى يكونوا إخوة متآلفين، متحابين في الله تعالى، متعاونين على البر والتقوى... والفقراء إذا ما علموا أن لهم حظّاً في أموال الأغنياء قد فرضه الله تعالى لهم، وقام الأغنياء بواجبهم فيه؛ فإنهم حينئذ سيتمنون زيادة أموال الأغنياء، ويفرحون بربحهم في تجاراتهم، ويدعون لهم بذلك، ويُبَرِّكون على ما يرون من عظيم أموالهم، ولا يتمنون زوالها أو تلفها؛ لعلمهم أن حقهم من الزكاة يزيد مع زيادة رؤوس أموال الأغنياء وأرباحهم».

وتحدث عن أنه «ثبت أن النصر والرزق يُستجلب بالفقراء والضعفاء؛ وذلك ببركة صلاحهم ودعائهم، كما جاء في حديث مصعب بن سعد (رضي الله عنهما) قال: رَأَى سَعْدٌ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) أَنَّ لَهُ فَضْلاً عَلَى مَنْ دُونَهُ. فَقَالَ النَّبِيُّ (صَ): «هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلا بِضُعَفَائِكُمْ»، وقال (ص): «إِنَّمَا يَنْصُرُ اللَّهُ هَذِهِ الأُمَّةَ بِضَعِيفِهَا بِدَعْوَتِهِمْ وَصَلاتِهِمْ وَإِخْلاصِهِمْ»، ومهما عمل البشر من الوسائل والأساليب، ومهما قاموا به من البحوث والدراسات والدورات للتقريب بين الفقراء والأغنياء، وتآلفهم واجتماع قلوبهم فلن يجدوا للزكاة مثيلاً في ذلك، فسبحان من شرع فأحسن، وأمر فأحكم».

وقال القطان: «إن الزكاة طهارة للمال مما علق به من الشبهات أو غفلة صاحبه عن حرام في تحصيله، أو تقصيره في أداء واجب على استحقاقه، أو نحو ذلك مما هو من غفلة الإنسان ونقصه؛ ولذلك سمى النبي (عليه الصلاة والسلام) الزكاةَ: أوساخَ الناس؛ كما جاء في الحديث أن النبي (ص) قال: «إِنَّ هَٰذِهِ الصَّدَقَاتِ، إِنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ، وَإِنَّها لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ، وَلَا لِآلِ مُحَمَّدٍ»، والزكاة طهارة للمجتمع من مشاكل الفقر، واكتناز الثروات، وفشوا الطبقية، وزيادة الفجوة بين الأغنياء والفقراء... وكثير من المشكلات الاقتصادية إنما يقضى عليها بهذه الشعيرة العظيمة التي فرضها الله تعالى حقّاً للفقراء في أموال الأغنياء. وينتج عنها أيضاً تطهير المجتمع من جرائم السرقة والنهب والاختلاس والغصب وقطع الطريق، وغير ذلك من أوجه الاستيلاء على الأموال بغير حق؛ فإن المحتاجين إن جاءهم المال من الأوجه المشروعة، لم يحتاجوا إلى تحصيله بطرق محرمة... وأما التزكية فهي الطاعة والإخلاص كما جاء عن ابن عباس (رضي الله عنهما)؛ فالزكاة دليل الطاعة، وعنوان الإخلاص، ولا يخرجها سخية بها نفسه إلا مؤمن بالله تعالى، صادق في إيمانه، مخلص لدينه؛ ولذلك نفى الله تعالى عن أهل الشرك أداء الزكاة، فأخبر عز وجل أنهم لا يؤتون الزكاة لفقدهم الإيمان والإخلاص، فقال «وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ، الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ» (فصلت:7).

يقول أهل العلم: «والزكاة تتضمن الطهارة؛ فإن فيها معنى ترك السيئات، ومعنى فعل الحسنات؛ ولهذا تفسر تارة بالطهارة وتارة بالزيادة والنماء، ومعناها يتضمن الأمرين، فالصدقة توجب الطهارة من الذنوب، وتوجب الزكاة التي هي العمل الصالح». اهـ.

أيها المسلمون: إنكم بعد أيام قليلة تستقبلون شهر رمضان المبارك، هذا الشهر المعظم الذي ترق فيه الطّباع، وتتهذّب فيه النّفوس، وتتحرّك المشاعر الطيّبة، وتحنو إلى الخيرِ النفوس الخيِّرة، وقد اعتاد كثير من المسلمين على إخراج زكاة أموالهم قبل دخول شهر رمضان أو في شهر رمضان، لذلك جاء التذكير بهذا الركن العظيم الذي فرط فيه الكثير ممن أنعم الله عليهم بالأموال الكثيرة... فيا أيّها الأغنياء الفُضلاء: تذكروا نعم الله عليكم، تذكّروا الأيتامَ والضعفاء والأراملَ والفقراء والمساكين والمحتاجين، فلهم في أموالِكم حقوق مفروضةٌ، وواجبات لازمة، أنتم مسئولون عنها ومحاسَبون عليها، يقول الخليفة الراشد علي بن أبي طالب (رضي الله عنه): «إنّ الله فرض على أغنياءِ المسلمين في أموالِهم بقدر ما يسَع فقراءَهم، ولن يجهدَ الفقراء إذا جاعوا إلاّ بما يصنع أغنياؤهم، ألا وإنّ الله يحاسِبهم حساباً شديداً» فيا مَن أضعفته نفسُه عن إخراجِ ما أوجب الله عليه، ألا تخشى من سَخط الله عز وجل؟! ألا تخشى أن يعتريَك ما يصيبك في مالِك ويصيبك في بدنك من أمراض وأسقام، فيحرمك من لذّة الانتفاع به؟».

وذكر القطان «اعتاد كثير من المسلمين إخراج زكاة أموالهم قبل شهر رمضان أو في شهر رمضان؛ تحرياً لفضيلة الشهر، وفضيلة التلبس بالصيام؛ رجاءَ أن يقبلَ اللهُ تعالى زكواتهم، ولكن كثيراً منهم لا يُوفقون في إيصال الزكاة لمستحقيها بسبب التفريط أو الجهل... وفي المسلمين عشرات الألوف من الأثرياء والأغنياء، وفيهم ملايين الفقراء، ولو ردَّ الأغنياء زكاة أموالهم على المستحقين لما بقي في المسلمين فقير، ولكن بعض الأثرياء والأغنياء يُقصرِّون في إخراج زكاتهم، فلا يخرجونها كلية، أو يخرجون بعضها؛ استعظاماً لها، ولم يستعظموا أموالهم، وما الزكاة منها إلا جزءاً واحداً من أربعين جزءاً «قُتِلَ الإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ» (عبس: 17)».

وبين القطان أن «كثيراً من الأثرياء والأغنياء يخرجون زكاتهم لكنها لا تقع في أيدي مستحقيها وذلك لأن كثيراً من الأغنياء قد اعتادوا صرف زكواتهم منذ سنوات لأُسَرٍ كانت محتاجة لفقرها أو فقد عائلها، ولكن الله تعالى قد فتح عليهم أبواب رزقه، فعمل أبناؤهم وبناتهم، وسُدَّت حاجاتهم، وهم لايزالون يتقبلون الزكاة؛ جهلاً بأنهم يستحقونها، أو ظنّاً أنها عادة من هبة أو هدية ممن يعطيهم إياها، أو جشعاً وطمعاً. وبعض الأغنياء يدفعون زكاتهم إلى أقرب سائل، ولا يتحرون فيها أهلها الذين اختصهم الله تعالى بها، وسبب ذلك الثقة المفرطة، وإتقان كثير من المتسولين صنعتهم، باصطناعِ الفقر والحاجة، وتَقَمُّصِ أحوالِ ذوي العاهات والأمراض، مع فصاحةِ لسانٍ في اختلاق الأكاذيب، وإنشاء القصص التي يُحركون بها قلوب الناس، ويستدرون بها عواطفهم، وبعضهم قد يكون محتاجاً في البداية، ولكنه اعتاد على السؤال، ووجد أن هذا الباب أسهل الأبواب للكسب والارتزاق».

العدد 5005 - الجمعة 20 مايو 2016م الموافق 13 شعبان 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً