العدد 5010 - الأربعاء 25 مايو 2016م الموافق 18 شعبان 1437هـ

الفَلُّوجَة بلا «فَلُّوجِيِّين» .. داعش «تُزنِّرها» وبغداد «تجهلها»

أعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، مساء الأحد عن انطلاق عملية «تحرير مدينة الفَلُّوجَة «في الجزء الشرقي من الأنبار من أيدي تنظيم «الدولة الإسلامية (داعش)». وقال العبادي إن الهجوم «ينفذه الجيش والشرطة وقوات مكافحة الإرهاب ومقاتلون من العشائر المحلية» بالإضافة إلى الحشد الشعبي في حين قال الكولونيل ستيف وارن المتحدث باسم التحالف الدولي بقيادة واشنطن بأن التحالف «يُقدم غطاءً جوياً لدعم القوات الحكومية العراقية في الفَلُّوجَة».

وعلى الرغم من أن العمليات الأمنية في مدينة الفَلُّوجَة كانت قد بدأت منذ شهر إلاّ أن إعلان العبادي بدء العمليات في الفَلُّوجَة (58 كم غرب بغداد) فاجأ الكثير من المراقبين.

وفي اليوم الثاني للهجوم حصلت «رويترز» على إفادات من السكان تشير إلى أن «هناك قناصة في كل مكان على طرق الخروج» بينما قالت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين «إن نساءً وأطفالاً قُتِلوا لدى محاولتهم مغادرة المدينة.

وتشير التقارير بأن الفَلُّوجَة اليوم شبه خالية من السكان، حيث أن 75 في المئة من أهلها نزحوا عنها، ومَنْ بَقِيَ لديه رغبة جامحة في الخروج لولا الحصار والقناصة.

تاريخ الفَلُّوجَة

الفَلُّوجَة هي مفرد فلاليج. وقد ذكر ياقوت الحموي في معجم البلدان أن الفَلُّوجَة الكبرى والفَلُّوجَة الصغرى هما «قريتان كبيرتان من سواد بغداد والكوفة قرب عين التمر». كما تُسمّى أيضاً بالفَلُّوجَة العليا والفَلُّوجَة السفلى». وفي تعريف معنى الفَلُّوجَة أنها «الأرض المصلَّحة للزرع» كما في الصحاح.

كانت الفَلُّوجَة في عصر الإسلام وما قبله ممراً ما بين الصحراء والبحر الأبيض المتوسط. وقد أورد ابن أبي الحديد أن عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب «لزم الفرات والفَلُّوجَة». وذكر بحر العلوم أن أحد البهقباذات الثلاثة وهو الأعلى «يشمل بابل والفَلُّوجَة العليا والسفلى».

ويشير ابن عبد الحق عندما أتى إلى التعريف بمنطقة (الباج) أنها «مقابل ما بين الأنبار والفَلُّوجَة». ثم يذكر إلى أن علي بن أبى طالب عندما نزل بها «خرج إليه أهل الفَلُّوجَة بالهدايا».

الطابع الثقافي للفَلُّوجَة

يُعتبر المجتمع «الفَلُّوجِي» مجتمعاً صوفياً محافظاً، لكنه أيضاً يضم جماعات دينية متشددة ومتجذرة منذ ما يزيد عن القرنين. لذلك ظلَّت المدينة بمنأى عن الأنشطة الثقافية العامة في العراق منذ القِدَم وحتى أيام البعث، الذي لم يستطع أن يفتتح دار سينما واحدة في المدينة، حيث توالت التهديدات من الأهالي بضرورة إغلاقها. على الرغم من أن بعض الأهالي يُحيلون ذلك «النَّفَس الديني» إلى جماعات متطرفة معزولة في المدينة، إلاّ أنه يبقى جزءاً من واقعها الديني.

وتضم المدينة 145 مسجداً، تمارس دوراً في التعليم الديني. ويتصل التديُّن العام فيها بالإرث الصوفي المتوارث عن قيادات روحية مدفونة هناك كالشيخ عبدالعزيز السامرائي والشيخ محمد الفياض والشيخ الحلاب والشيخ زامل، لذلك ظلّ أهالي الفَلُّوجَة يُؤمنون بالكرامات التي قد تأتيهم من إفاضات تلك القبور وأرواحها.

كما أن مجتمع الفَلُّوجَة هو مجتمع عشائري، حيث يضم عشائر الكطيشات والبو شلال والبو مطر والبو عودة والبو عكاب والبو حديد والبو عيسى والفلاحات وعشرات القبائل الأخرى، وهو ما أكسبه حالة من التعاضديات الخاصة كحال بقية المجتمع العراقي.

الفَلُّوجَة بعد احتلال العراق

جاء الأميركيون والبريطانيون إلى العراق في إبريل/ نيسان من العام 2003 برعونة ودون أي معرفة بطبيعة المجتمع العراقي وخصوصياته، لذلك واجهوا العديد من الصعوبات في مناطق عراقية مختلفة ومنها الفَلُّوجَة. فقبل سقوط بغداد بأسبوعين تقريباً أطلقت قاذفة بريطانية صاروخاً موجهاً بالليزر أصاب سوقاً في المدينة ما أدى إلى مقتل العشرات من المدنيين.

وبعد دخول القوات الأميركية استخدمت هذه القوات مزارع ومساكن محيطة بالمدينة كمقر لها، كما حوّلت مدارس ومنازل «فَلُّوجِيّة» إلى ثكنات للجيش الأميركي وقامت بتفتيش النساء بالأيدي (عبر مُجنّدين وليس مُجنّدات). كما أطلقت النار على متظاهرين أمام القائمقامية في العام 2004 ما أدى إلى مقتل 13 شخصاً، واعتقلت نائب القائمقام وأهانته في مجتمع عشائري يرفض مثل هذه المنطق الاستعلائي. كل هذه الأسباب كانت مُستفرة لأهالي المدينة، ودفعتهم إلى مربع آخر في الموقف من الأميركي.

بعد هذه التطورات حصل تفجير في المدينة نهاية شهر مارس/ آذار 2004 قُتِلَ على إثره أربعة متعاقدين أميركيين من شركة بلاك ووتر المتخصصة في مجال الأمن، حيث قام أشخاص في المدينة بالتمثيل بجثثهم في الشوارع العامة. كان المشهد مريعاً. وقد توعَّد بول بريمر الحاكم العسكري الأميركي في العراق حينها بالرد القاسي على «الجناة» واصفاً ذلك العمل بأنه «لا يُغتفر».

بعدها بدأ الجيش الأميركي حملة عسكرية كبيرة ضد مدينة الفَلُّوجَة استمرت 27 يوماً (4 أبريل 2004 – 1 مايو 2004) توسّطت خلالها شخصيات سُنيّة من الحزب الإسلامي وفي طليعتهم فؤاد الراوي أحد قيادات الحزب لتسليم المتهمين بعملية السّحل إلاّ أنها لم تفض إلى شيء. وقد انتهت المعركة بسيطرة الجيش الأميركي على المدينة بعد دمار هائل ومقتل وجرح الآلاف أغلبهم من المدنيين.

لكن المدينة لم تشهد هدوءاً حتى مع دخول الجيش الأميركي إلى وسطها فاشتعلت المعارك مرة أخرى في الـ 07 نوفمبر/ تشرين الثاني 2004 للقضاء على ما سُمِّي حينها بجماعة أبي مصعب الزرقاوي وجماعة «دحّام». وعلى الرغم من أن القوات الأميركية سيطرت على المدينة بعد عشرة أيام من اقتحامها إلاّ أن المعركة لم تنته حتى الـ 23 من ديسمبر 2004. وقد أدت تلك المعارك إلى مقتل 1500 مسلح من الفَلُّوجَة واعتقال 1500 آخرين، إلاّ أن الخسائر الحقيقية (البشرية والمادية) كانت بين المدنيين والبيوت والأسواق والمزارع، وهو ما اعتبرته العديد من المنظمات الدولية «جرائم حرب».

سرّ الفَلُّوجَة الخفي

إن سرّ الفَلُّوجَة الخفي الذي لم يُدركه الأميركيون هو «تاريخها العسكري». فهذه المدينة، ومنذ أيام العثمانيين، أنجبت (بمعية المناطق الغربية والشمالية من العراق) صفوة القيادات العسكرية في الجيش العراقي. وخلال حكم الرئيس الأسبق صدام حسين، قسَّم المناطق الغربية والشرقية لبغداد على شكل حاميات عسكرية متماسكة. ففي الوقت الذي كانت فيه بعقوبة (شمال شرق بغداد) تشكل الحامية الشرقية، وُضِعَت الفَلُّوجَة كحامية غربية للعاصمة.

هذه «الخصوصية العسكرية» للفَلُّوجَة حوَّلت ربع سكانها إلى منتمين للجيش العراقي والحرس الجهوري.

لكن وفي نفس الوقت لم يجعل هذا الأمر صدام ليأمن جانب هذه المدينة، بل كان دائم الريبة منها، لعلمه بأنهم مُدرّبون وقادرون على الإطاحة به في أيّ انقلاب قد يحدث. كما أنه سعى للوصاية الدينية على الفَلُّوجَة في غير مرّة، رغبة منه في إبعاد الحالة الدينية عن الجيش الذي ينتمي إليه الكثير من أبناء المدينة، ولذلك سجن العديد من شيوخها وأبنائها لإرغامهم على الطاعة.

وبعد مجيء الأميركيين لم يفطنوا لهذا الأمر. لذلك كانت سياسات واشنطن في حلّ الجيش العراقي الخطأ القاتل الذي جعل الفَلُّوجَة متمردة عليهم، حيث وجَدَ الآلاف في المدينة أنفسهم بلا راتب ولا امتيازات كالتي كانوا يحصلون عليها في السابق. لقد أصبح 100 ألف رجل من أبناء الفَلُّوجَة بلا عمل، الأمر الذي أشعرهم بالنقمة على الأميركي، فدفعهم ذلك لحمل السلاح الذي اعتقدوا أنه ربما يُخلصهم من الواقع الذي هم فيه.

وفي إحصائية لافتة ظَهَرَ أن ربع الجنود الأميركيين الذيمن قتلوا في العراق (4000 جندي) سقطوا في الفلوجه ومحيطها.

الفَلُّوجَة و «داعش»

ارتبطت مدينة الفَلُّوجَة في الإعلام سابقاً بأبي مصعب الزرقاوي، ثم بـ «القاعدة»، واليوم بـ «داعش». وإذا ما بحثنا في كُومَة القشّ هذه سنرى أن جيوب «القاعدة» كانت موجودة في المدينة، وكذلك «داعش» اليوم، يُشاطرها «بعض» من أهالي المدينة، ولكن تلك التيارات ليس هي الغالبة ولا المهيمنة على الفَلُّوجَة. خصوصاً وأن أغلب المنتمين للتيارات المتطرفة هم من خارج العراق أساساً.

وفي العام 2006 واجهت العشائر السُنيّة تنظيم «القاعدة» في عموم محافظة الأنبار (ومنها الفَلُّوجَة) وطردته أو أضعفته ضمن ما سُمّي حينها بالصحوات. وفي العام 2014، واجهت ذات العشائر في الفَلُّوجَة التنظيمات المتطرفة، كـ «داعش». لكن ضعف العلاقة والثقة ما بين بغداد والمحافظات الغربية جعل الأمر يخرج عن السيطرة وتسقط المدينة في يد «تنظيم الدولة» آنذاك.

العدد 5010 - الأربعاء 25 مايو 2016م الموافق 18 شعبان 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 1:05 ص

      مقال غير مستند و لا يمت بالحقيقة بصلة. أنا أعرف تاريخ الفلوجة و زرتها مرات قبل أكثر من خمسة و خمسين عاما. أتمني من كاتب المقال أن يذكر مصادره.

    • زائر 2 | 12:50 ص

      الا هذه المرة فلقد طفح الكيل منهم

      سيحسم الجيش العراقي الامر بدعم من الحشد الشعبي فحان وقت انهاء أسطورة الفلوجة الكاذبة

    • زائر 1 | 12:40 ص

      فلوجه

      سقوط الفلوجة في أيدي داعش من خيانه النجيفي.

اقرأ ايضاً