العدد 5018 - الخميس 02 يونيو 2016م الموافق 26 شعبان 1437هـ

المتحذلقون من قارئي النوايا

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

منذ بضعة أيام قامت جمعية النهضة في تونس بمحاولة تطوير للفكر السياسي الإسلامي، عندما قررت فصل أنشطتها الدعوية الدينية عن نشاطها السياسي من أجل أن تصبح حزباً سياسيّاً مدنيّاً ينطلق من القيم الإسلامية، كأحد مرجعياته، لكنه يفصل ممارسة السياسة عن ممارسة الدين.

والذي فعلته جمعية النهضة هو جزء مكمل لقبول الإسلام السياسي بالديمقراطية منذ بضع سنوات، وذلك بعد عقود من رفض تبنيه الديمقراطية على أساس أنها نظام مخالف للإسلام في بعض ممارساته والمبادئ التي ينطلق منها.

كان أقصى ما كان يقبله الإسلام السياسي، هو مبدأ الشورى الإسلامي بتفاسير معانيه المختلفة وقراءاته الفقهية المتعارضة أحياناً. لكن أجزاء مهمة من الإسلام السياسي قبل في النهاية فكرة تساوي الشورى مع الديمقراطية.

والأمر نفسه حدث بالنسبة إلى قبول التعايش مع الفكر القومي، وخصوصاً العروبة كهوية لا تتعارض مع الهوية الدينية الإسلامية، والوحدة العربية كهدف لا يتعارض مع شعار الوحدة الإسلامية، بل حتى المبادئ الاشتراكية قبل بها البعض لانسجامها مع انحياز الرسالة الإسلامية الإلهية إلى الفقراء والمستضعفين.

إذن، وبموضوعية تامة، جرت محاولات على مستوى الفكر والشعارات السياسية لتطوير ما سماه أصحابه بالفكر والتنظيم الإسلامي في السَّاحة السياسية.

في ضوء تلك الخلفيّة، المتمِّمة لمحاولات سابقة من قبل بعض الإصلاحيين الإسلاميين من أمثال الكواكبي وعلي عبدالرزاق وعلال الفاسي وغيرهم كثيرون، لإيجاد تفاهم وتناغم بين الإسلام وبين أفكار وشعارات الحداثة... في ضوء ذلك يحار الإنسان في كتابات وأحاديث البعض، وهم يقيمون خطوة جمعية النهضة. البعض يصفها بالكاذبة والبعض الآخر يصفها بالانتهازية وأنها ليست إلاً تقية مؤقتة إلى حين تهدأ العواصف الحالية في أرض العرب.

ويذهب البعض إلى حدود التشكيك في نوايا قادة الجمعية والتنبُّؤ برفض قريب، وثورات من قبل قواعد هذه الجمعية.

والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو: لماذا يكثر المتحذلقون في أرض العرب للتشكيك في كل محاولة للخروج من صعوبات الوضع العربي؟ فإذا حاول البعض تكوين تيار وحدوي يضادد التجزئة العربية، ويدعو إلى قيام أمة واحدة ووطن واحد قيل لهم إنهم حالمون وأطفال يتسلون.

وإذا حاول البعض تقريب المذاهب للخروج من الانقسام الطائفي الحقير، اعتبر عميلاً لهذه البلاد أو ذلك النظام. وما إن أخفقت بعض حراكات الربيع العربي المنادية بالحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية حتى انبرى أولئك المتحذلقون للشماتة، ولعن شباب الأمة الذين يتهمونهم بأهل الفوضى، بل حتى أعلنوا أن هذه الأمة لا تصلح الديمقراطية لحكمها وإنهاضها.

لكن، هل المراجعة هي فهلوة وانتهازية؟ بالطبع هذا اتهام ظالم. فالواقع أنه لا توجد إيديولوجية أو أفكار أو أنظمة في عصرنا إلا وتخضع للمراجعة. هناك مراجعة نقدية للأفكار والحركات والأحزاب القومية العربية بسبب أخطائها وإخفاقاتها السابقة.

هناك مراجعة للأفكار الاشتراكية والأحزاب الماركسية بسبب خطاياها التاريخية، وما أحدثه بعضها من كوارث. وهناك الآن مراجعة جادة للرأسمالية والحداثة، وخصوصاً النيولبرالية العولمية المتوحشة.

كل شيء يخضع الآن للمراجعة، فلا ينبري المتحذلقون للغمز واللمز واتهام المراجعين. فلماذا لا يعطى الإسلام السياسي فرصته للنقد الذاتي وإجراء المراجعة، ومحاولة التفاهم مع العصر؟.

لسنا هنا بالطبع معنيين بالدفاع عن الإسلام السياسي، فقد ارتكبت تنظيماته وأحزابه الأخطاء والخطايا البائسة وفقدت الكثير من شعبيتها، بل إن بعضها أصبح مكروهاً، وسيحتاج إلى عقود لإصلاح ما فعلته بلادات بعض قياداته.

لكنَّنا هنا معنيون بإعطاء الفرصة الحقوقية الديمقراطية لكل من يريد إجراء المراجعة والنقد الذاتي من أجل تجاوز سلبيات الماضي للانتقال إلى دفء العمل السياسي السلمي المدني المطلوب بشدة لإخراج أمة العرب من ورطتها التاريخية التي تعيشها.

لنذكر أنفسنا بأن الإسلام في قلب الثقافة العربية، والثقافة في قلب السياسة، والمصالحة مع العصر ستكون مسيرة طويلة.

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 5018 - الخميس 02 يونيو 2016م الموافق 26 شعبان 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 7:23 ص

      الأهم هو

      ألاهم من هذا وداك هو تحقيق العدالة الاجتماعية نظام شوري جمهوري ملكي لايهم والعبرة في النتيجة والمتتبع لأحوال دول العالم يلحظ الشاهد

    • زائر 4 | 2:25 ص

      إشعال الحرائق ثم المراجعة ، الموت الجماعي ثم المراجعة ، ثم لماذا تستبعد سوء النية ، فهي حدثت ومازالت؟!

    • زائر 1 | 12:44 ص

      المشكلة اليوم ليست مذهبية يا دكتور كي تحاول التقريب بينها المشكلة سياسية قومية بامتياز الصدام هو بين مشروع عربي و مشروع إيراني فإيران لا يهمها سنه او شيعه أبداً فهي تحارب أذربيجان الشيعيه و تضطهد العرب الأحواز الشيعيه لان مشروعها فارسي بامتياز و ليس ديني كما يروّجون له

    • زائر 2 زائر 1 | 1:17 ص

      المشكلة دكتورنا مشروع صهيون امريكي وأذنابهم وذولا الاذناب المتصهينيين يخربون بيوتهم بايديهم وأيدي المؤمنين وهل تعلم وفد من ....طار لت...مذعورا طالبا النجدة.

اقرأ ايضاً