العدد 5028 - الأحد 12 يونيو 2016م الموافق 07 رمضان 1437هـ

لماذا لا نكرمهم اليوم قبل أن يغيبهم التراب؟

حسين مدن comments [at] alwasatnews.com

ناشط اجتماعي ورئيس صندوق جرداب الخيري السابق

تابعت باهتمام رسائل كثيرة ومميزة في إحدى مجموعات «الواتس أب» بين بعض من إخوتي أهالي منطقة الديه، وقد أثلج صدري ذلك التميز في الطرح في موضوع تكريم الحي قبل أن يتوفى. تذكرت حينها مقولة شهيرة لأحد المفكرين «مات جاري أمس من الجوع وفي عزائه ذبحوا كل الخراف».

لم تغب عن بالي حفلات التكريم الكثيرة المطلوبة لبعض الشخصيات المبدعة في بلادي، والتي لها دور كبير ومتميز في مجالات مختلفة في الدين والعلم والأدب والإدارة والصحافة والسياسة والثقافة والإجتماع والرياضة والفن وغيرها. ولكن لماذا جُل من تم تكريمهم من الأموات؟

آخر تكريم حضرته كان تأبيناً للسيد الجليل والعالم الرباني سيد جواد الوداعي رحمة الله عليه. وعلى رغم أن هذا السيد الكبير قد أنصفه بعض من محبيه من العلماء ومن عامة الشعب إلا أن هناك حاجة لتكريم هذه الشخصية المؤمنة العاملة تكريماً يليق بما قدمته من علم وفير وعمل خير كبير للمجتمع. قبله كان عدد من الشخصيات البحرينية تفوقت في مجالات عدة وكان قد اختارها الله قبل أن يتم تكريمها. ألم يكن من الأجدى أن تكرم هذه الشخصيات في حياتها على إنجازاتها وخدماتها للمجتمع البحريني بل العربي والإسلامي طلباً للمزيد من العطاء منها لكي تتفجر أكثر طاقاتها وإبداعاتها المكنونة؟

استوقفتني أيضاً مقولة «أن الحي أبقى من الميت» وهذه المقولة من أدبيات الكثير من الدول العربية والإسلامية، وظاهرها أن البقاء للأحياء وليس للأموات، فتكريم الأحياء هو بمثابة الوقود الذي يدفعهم نحو المزيد من التميز والإبداع، ويؤكد على دافعيتهم نحو العمل الجاد والمثمر. وإذا كنا في العادة وحسب الموروث الديني والاجتماعي لنا أن نهتم بتكريم الموتى وذكر إنجازاتهم في حياتهم، وما قاموا به من أجل الناس والمجتمع، وهذا بالطبع لا غبار عليه بل من الواجب، فالأجدر أن نكرم الأحياء منهم وأن نهتم بإنجازاتهم وهم بيننا، لكي يشعر كل من قدم جهداً وعملاً صادقاً أن تكريمه جزء من تقدير الناس له، ليعرف قدره وقيمته عندهم.

إن دعوتنا لتكريم الأحياء من رموزنا، وخاصة الدينية، من بذل منهم الغالي والنفيس من أجل إحياء المجتمع وإنقاذه من الجهل، وكذلك مبدعينا في البحرين قبل رحيلهم، لا تنفي الحاجة طبعاً إلى تكريم من رحلوا عنا فعلاً، ولم يتسنَّ لنا تكريمهم وهم أحياء. إن المجتمع الذي لا يقدر مبدعيه عموماً تُقتل فيه فرص التنافس على الإنجاز والإبداع والأداء الجميل. إن عدم تقدير الشخصيات الحية المبدعة التي تعمل بجد واجتهاد مهما يكن مستواها في جميع الميادين، وعدم الالتفات لها وتقدير أعمالها هو أمر مؤسف وينم عن ضيق أفق ويخلق التنافر، ويقتل المبادرات، ويضعف الروابط الاجتماعية في المجتمع. تكريم المبدعين هي ظاهرة ثقافية، وسلوك حضاري في حياة أي مجتمع.

الكثير من المقالات العربية والأجنبية في مجال التكريم تؤكد جميعها على أهمية تكريم الحي إضافة إلى تكريم الميت. أحد الكتاب الأجانب «ستيف كاسيميرو» كتب مقالاً جميلاً في العام 2014م بعنوان أفكار لتكريم الموتى والأحياء، وخلص إلى «إنه أمر جيد أن نكرم المتوفي ولكن الأفضل أن نكرم الحي. أمر جيد أن نستخدم الكلمات في التكريم ولكن الأفضل أن نفعل شيئاً. في الواقع لا يوجد وقت نضيعه».

مقال آخر للكاتب «الدكتور ساتيا سدير» في مجلة THE HINDU في العام 2013م يقول بأنه في الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني من كل عام يتم الاحتفاء بيوم «الأرواح» عالمياً، حيث يكرم الأحياء موتاهم ويزورونهم في المقابر، ويصرفون مبالغ كبيرة لتكريمهم. ولكنه يقترح أن يتم أيضاً تكريم الأرواح الحية في هذا اليوم أيضاً.

في البحرين بعض من كتابنا الأفاضل يرون أن الكثير من الرجال والنساء ممن لم يتسنَّ لنا بعد الاعتراف والتقدير لأدوارهم المختلفة، وخوفاً من رحيلهم بدون تكريم، يرون أن من الواجب الالتفات لهذا الأمر، ووضع الآليات المناسبة لتكريمهم لما لها من قيمة معنوية كبرى، وحفاظاً على الآداب الاجتماعية التي توجب الشروع فيها بدون تردد، وخاصة أن ديننا الحنيف يأمر بعرفان الخير والجميل طبقاً للحديث «من لا يشكر الناس لا يشكر الله»، فضلاً عن الثقافة العلمية التي تحتم علينا ذلك.

فكرة تكريم الحي في البحرين قائمة، ولكنها في الغالب متركزة حول شريحة معينة، ولكن للأسف إضافة إلى المبدعين الكبار المتميزين، فإن صغار العاملين وإن كانوا هم صناع النجاح يظلون بعيداً عن الأضواء والتكريم. فما أحوج العاملين في المهن البسيطة أيضاً والمتواضعة لأن يتم تكريم المتميزين والمخلصين منهم، وإشعارهم بأهميتهم وأهمية مهنتهم، وقيمة عملهم، وبعث حب العمل والإخلاص لهم في أنفسهم.

نعلم تماماً وعلى يقين بأن هناك تفاصيل كثيرة تحتاج منا جهداً، لتنفيذ وتفعيل فكرة تكريم أحيائنا المبدعين، قبل الرحيل والتركيز عليهم، ومنها من سيُكرم؟ وما هي شروط التكريم؟ وكيف يكون التكريم؟ ومن سيختار المكرمين ومن سيمول هذا التكريم؟ لذلك نرى أنه من الضروري من القائمين على جمعيات المجتمع المدني، منها الجمعيات الخيرية والدينية والاجتماعية والثقافية بحكم قربهم من هؤلاء المبدعين، ومعرفتهم لهم وسهولة تحديدهم، أن يهتدوا إلى تكريمهم قبل أن تغلق جفونهم ويغادروا عالم الأحياء، فالتكريم بالنسبة لهم وهم أحياء يزيد من قيمتهم، ويضاعف أعمالهم وطاقتهم مما يمكنهم من مواصلة إنتاجهم وعطائهم.

إقرأ أيضا لـ "حسين مدن"

العدد 5028 - الأحد 12 يونيو 2016م الموافق 07 رمضان 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 4:13 م

      هذا حال الكثير من الدول عندما يموت المبدع يصبح علما شهيرا يعرفه كل الناس.يأتي التكريم بعد فوات الاوان
      اليس الأولى أن يُكرم وهو في قمة عطاءه ليستفيد من افكاراه وابداعه الجميع !!كرموهم قبل ان تفيض ارواحهم وقتها لايحتاجون غير الدعاء
      ،
      لفته مميزه من فكر ناشط متألق ... لك ودي واحترامي استاذ حسين ..
      وفاء

    • زائر 5 | 3:53 م

      صحيح واله اْين صناع الز موتة و ا لمر قد وش وماء اللقاح كله ها لعلماء من عند كم يا لبحا رنة في مرة رحت المستشفى و اْ عطو ن ي زجاجة دواء لما جيت اشرب الا هو زمو ته دخلوه في المستشفيات لعلاج الناس
      انا من السعودية

    • زائر 3 | 3:49 ص

      أحسنت القول

      جميل ما اقترحت فكل عامل قدم ما ينفع الناس عامة جدير بالتكريم يليق بعمله وجهده ولتكن هناك لجنة وطنية تسمي مستحقي التكريم وفق معايير واضحة تدعمها الدولة بدون أدنى حساسية أو تتبنى مشروع تكريم الأحياء مؤسسة وطنية .

    • زائر 2 | 12:50 ص

      بارك الله فيك. كمل اقتراحك و اعمل معجزة و غير اللاوعي العام و الثقافة العامة. ياللا همتك.

    • زائر 1 | 11:13 م

      أحسنت عزيزي! مثلما أشرت فإن التكريم هو خاص بشريحة معينة فئوية ومؤيديها للأسف! كل حزب بما لديهم فرحون!

    • زائر 4 زائر 1 | 10:15 ص

      أخي العزيز.. ما تفضلت به من اقتراحات هي جميله ويجب ان تؤخذ بعين الاعتبار لأهميتها للتكريم ولتشجيع المكرمين لبدل المزيد من الانتاج والعمل الجاد المتواصل.

اقرأ ايضاً