العدد 5028 - الأحد 12 يونيو 2016م الموافق 07 رمضان 1437هـ

فلنختلف في الرأي والمواقف... ولكن لا نختلف في إنسانيتنا

سلمان سالم comments [at] alwasatnews.com

نائب برلماني سابق عن كتلة الوفاق

في أحايين كثيرة نجد البعض في أي مجتمع من المجتمعات الإنسانية، عندما يختلفون في وجهات النظر يغيّبون عقولهم، ويعطون إلى نوازعهم النفسية حرية التعامل مع المشكلة المختلف عليها، بطريقة غير سليمة مع الأسف الشديد، في مثل هذا الحال قد يتحول الاختلاف في وجهات النظر في بعض القضايا السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو الإنسانية إذا لم نحصره في مواقع الاختلاف، ولم نخضعه إلى المعايير العقلانية والأخلاقية والإنسانية، إلى خلافات واسعة ليست لها علاقة بالمسائل المختلف عليها.

على سبيل المثال لو كانت المسألة المختلف عليها مرتبطة بأساليب وآليات العمل، فليس من التعقل توسيع دائرة الاختلاف، لتشمل مسائل أخرى ليست لها علاقة لا من بعيد ولا من قريب بالمسائل المختلف عليها.

من المعيب جدًّا إذا ما جعل الاختلاف في وجهات النظر وسيلة للافتراء والقذف والتجريح والسب والشتم والنعت بنعوت غير لائقة وانتهاك الحقوق، هذه الثقافة غير السوية إذا ما تفشَّت في أوساطنا بصورة واسعة، ولم ينتقدها أحد بصوت عال، ولم يعب على مروجيها، فإن ذلك سيساهم في إضعاف مجتمعاتنا الإنسانية، ثقافيا واجتماعيا بصورة كبيرة، حقيقة لابد لنا أن نعيها جميعا، لا أحد من البشر في هذه الدنيا لا يختلف مع غيره من الناس، الاختلاف سمة إنسانية راقية، ومقدر عند العقلاء الواعين، الاختلاف الإيجابي هو الذي يزيد الأمة ومختلف المجتمعات الإنسانية تطورا ونماء في جميع المجالات والتخصصات، أما إذا ما تم التعامل مع الاختلاف بتحسس شديد وبنفسية غير مطمئنة، وجعلناه ينصاع إلى المشتهيات النفسية إن صح التعبير، من المؤكد ستتولد نتائج غير محمودة وتفرز حالات نفسية، تزلزل كيان المجتمع من مختلف جوانبه المختلفة، وأما إذا ما تحول الاختلاف في الرأي إلى خلافات شخصية فتلك الطامة الكبرى، التي تؤدي إلى إضعاف المجتمع في مختلف مفاصله الأساسية.

والإنسان الذي يتعمد في تغيير العنوان الإيجابي للاختلاف إلى عناوين سلبية ممقوتة، فإنه بذلك يساعد بصورة مباشرة أو غير مباشرة في تدمير مجتمعه في جوانبه الأخلاقية والثقافية والإنسانية والعلمية والاجتماعية وبنسب متفاوتة، قد تزيد في هذا الجانب وتنقص في جانب آخر، العتب ليس على الشخص غير الواعي، العتب كل العتب على الإنسان الذي يعي ويدرك التداعيات الخطيرة لهذا الفعل الشنيع، فالبلدان التي تريد لشعوبها الازدهار والنماء والتطور في كل المجالات، العلمية والثقافية والاجتماعية والإنسانية والإقتصادية، تجدها تتعامل مع مبدأ الاختلاف في الرأي بإيجابية كبيرة، أغلب النزاعات والمهاترات الكلامية التي نراها تحدث بين المختلفين في الرأي في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، ناتجة عن تحريف متعمد أو غير متعمد لمفهوم الاختلاف، متى ما تقدمت القرارات النفسية غير المتزنة على قرارات العقل، سنجد أنفسنا أمام ركام من المشاكل السياسية والأمنية والاجتماعية التي ليس لها أول ولا آخر كما يقولون.

في حال وجود الخلافات المذمومة في أي مجتمع إنساني، لا ريب أنه سيعمل على تعطيل الأعمال الخيّرة في جوانبه المتعددة، من لم يستوعب المعنى الحقيقي للاختلاف، عليه أن يتفقه جيدا في هذا الجانب، حتى يحمي نفسه من الوقوع في المحذور لا قدر الله، والعقلاء يقولون، فلنختلف في الرأي والمواقف الاجتماعية والسياسية، ولكن لا نختلف في إنسانيتنا، متى ما رأينا أنفسنا نكره ونبغض من نختلف معه في مسألة معينة، علينا أن نقف قليلا مع أنفسنا، لنراجع كل حساباتنا وخطاباتنا وخطواتنا التي أدت إلى هذا الحال غير الطيب، ليس عيبا أن نقيّم أساليبنا وآلياتنا بين وقت وآخر، العيب أننا نتغافل أو نتجاهل هذا الأمر حتى يتحول إلى حال يصعب الرجوع عنه أو الحد من خطورته.

لو كل إنسان في مجتمعنا أوقف نفسه قليلا في كل ليلة قبل أن يسلم نفسه للنوم والرقاد، ليحاسبها بدقة على كل قول أو فعل قامت به في ذلك اليوم، لما تجرأ أحد على أن يقفز على عقله في جميع المواقف المختلفة مع الآخرين، الشجاع والفطن هو من يقدر على ترويض نفسه على فعل الخيرات، ونبذ كل ما هو قبيح، لا نتحدث عن أمر بعيد المنال، أو يصعب على الإنسان تحقيقه، شهر رمضان المعظم فرصة جيدة لتنفيذ البرنامج الترويضي للنفس، متى ما ينجح الإنسان في ترويض نفسه، وجعلها لا تهرول وراء المؤثرات النفسية البغيضة والمغريات الزائفة والقرارات الطائشة، سيجد نفسه يتعامل مع الاختلافات في وجهات النظر وفي المواقف بأريحية بالغة، ومن دون شك ولا ريب إذا ما تعامل المجتمع مع الاختلاف بمعناه الواقعي والحقيقي، سيرتقي ويتطور نفسيا ومعنويا وعلميا وثقافيا واقتصاديا وفي مختلف الجوانب الحياتية، ولن يتمكن أحد من المتطفلين من عرقلة مسيرتها الخيّرة، السؤال الذي يجب أن نطرحه على أنفسنا: هل نمتلك الإرادة القوية التي تحقق لنا هذا المطلب؟ نقول إن الإرادة ليست سلعة نشتريها من السوق، الإرادة تتولد بداخلنا إذا ما أردنا نحن ذلك، أما إذا ما حاولنا طمس إرادتنا أو قتلها بكل الوسائل الشيطانية لن تكون لنا قيمة إنسانية بين الأمم على مختلف المستويات الإنسانية والأخلاقية والعلمية والثقافية، شئنا ذلك أم لم نشأ. نسأل المولى جلت عظمته أن يجنبنا حبائل النفس الأمارة بالسوء، وأن يجعلنا ممن يستمع القول ويتبع أحسنه، وأن يبعدنا عن كل أسباب الفرقة، ويجعلنا من دعاة الاعتصام بحبل الله المتين.

إقرأ أيضا لـ "سلمان سالم"

العدد 5028 - الأحد 12 يونيو 2016م الموافق 07 رمضان 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 9:44 ص

      سياسة الهوى دمرة قانون الحياة الى الله وضعها الينا المشتكى لله والله افرج عن معتقلينا ورموزنا وشيوخنا ونسائنا واطفالنا يالله نفوض امرنه اليك

    • زائر 1 | 5:19 ص

      اصبح الخلاف في الرأي يدخل الحبوس والبوح بالرأي مدعاة للحكم بسنوات طويلة وراء القضبان

اقرأ ايضاً