العدد 5029 - الإثنين 13 يونيو 2016م الموافق 08 رمضان 1437هـ

الشأن المغاربيّ: مكافحة عمل الأطفال في المغرب العربيّ

سليم مصطفى بودبوس slim.boudabous [at] alwasatnews.com

-

احتفلت دول المغرب العربي أمس الأوّل، كما في 12 يونيو/ حزيران من كل عام، باليوم العالمي لمكافحة تشغيل الأطفال؛ حيث شكّل ذلك مناسبةً متجددةً لالتزام الدول المغاربيّة بالقضاء على هذه الظاهرة من خلال الجهود الحثيثة التي تُبْذل من طرف الحكومات والمنظمات الحقوقية والمدنيّة، لتسليط الضوء على هذه «القنبلة الموقوتة» وتعبئة الجهود اللازمة للقضاء عليها، حيث تشير تقديرات «اليونيسيف» إلى أنّ نحو 150 مليون طفل تتراوح أعمارهم بين 5 أعوام و14 عاماً في البلدان النامية، ونحو 16 في المئة من جميع أطفال العالم في هذه الفئة العمرية، ينخرطون في عمالة الأطفال.

وينقسم عمل الأطفال الذي يحظره القانون الدولي إلى ثلاث فئات: الأسوأ مثل الاستعباد والاتجار بالأطفال واستخدامهم في النزاعات المسلحة والأعمال الإباحية والدعارة؛ والثاني هو العمل الذي يؤديه طفل دون الحد الأدنى للسنّ المخوّل لهذا النوع من العمل بالذات، أو كل عمل من شأنه إعاقة تعليم الطفل ونموه التام. وأمّا الثالث فهو العمل الذي يهدّد الصحة الجسديّة والفكرية والمعنوية. وقد تبنّت دول المغرب العربي خارطة الطريق التي وضعتها «اليونيسيف» للقضاء على أسوأ أشكال عمالة الأطفال بحلول العام 2016، كما اتخذت الإجراءات المناسبة للحدّ من النوعين الثاني والثالث.

ففي موريتانيا رفعت الحكومة شعار «كلنا معبّأون ضدّ عمل الأطفال»، وحقّق تعاونها مع المكتب الدولي للشغل تقدماً ملحوظاً في مجال مكافحة ظاهرة عمل الأطفال، وذلك بعد أن دقّ باحثون موريتانيون ناقوس الخطر من الآثار السلبية لانتشار ظاهرة عمل الأطفال، خاصّةً أنّ هذه الظاهرة في موريتانيا مركبة نوعاً ما، على اعتبار أنّ نسبة كبيرة من الأطفال الذين يعملون ينتمون إلى شريحة العبيد سابقاً.

وكانت وزارة التعليم في موريتانيا قد كشفت أخيراً عن أرقام صادمة لتعداد الأطفال الذين يوجدون خارج الفصول الدراسية، وأكدت أن 182 ألف طفل تتراوح أعمارهم ما بين 6 و15 سنة يوجدون الآن خارج الفصول المدرسية، وهو ما يمثل 27% من الفئة العمرية المستهدفة بالتعليم والتربية في البلاد. وأوضحت أن غالبية الطلبة المتسربين من المدرسة (إناثاً وذكوراً) يتجهون إلى سوق العمل.

وفي المغرب مازال تشغيل الأطفال يشكّل ظاهرةً مؤسفة، سواء داخل البيوت، أو في ورشات الصناعة التقليدية، أو غيرها. فقد تمكّنت المندوبية السامية للتخطيط في المغرب من قياس تطوّر ظاهرة تشغيل الأطفال وخاصيّاتها، وتبيّن أنّ عدد الأطفال المشتغلين الذين تتراوح أعمارهم ما بين 7 سنوات وأقل من 15 سنة، بلغ 1.8 في المئة سنة 2012، من مجموع الأطفال الذين ينتمون إلى هذه الفئة العمريّة.

وقد عرفت هذه الظاهرة تراجعاً كبيراً في المغرب منذ 1999، حيث كانت تهمّ قرابة 9.7 في المئة من مجموع الأشخاص المنتمين لهذه الشريحة العمريّة، وذلك بفضل ما قطعته المغرب من أشواط مهمّة في مجال مكافحة تشغيل الأطفال حيث رفعت شعار «لا لعمل الأطفال. نعم لجودة التعليم». كما أن الاستراتيجية الوطنية المغربيّة المتضمنة في الخطة الوطنية للعمل من أجل الطفولة 2006-2015 قد خصّصت حيزاً مهماً لمكافحة تشغيل الأطفال.

وفي ليبيا، لم تكن الظاهرة بارزةً سابقاً، إلا في صفوف العمالة الأجنبية من الأطفال الذين يقدُمون مع أسرهم، لكنّ الأمر ازداد سوءًا بعد الثورة على نظام معمر القذافي، حيث لوحظ أنّ عدداً كبيراً من الأطفال وخاصة الذكور، يشاركون في عمليات الاقتتال الداخلي، ويتعرّضون من ثمّة إلى أسوأ أنواع عمالة الأطفال. وينتظر من حكومة السرّاج أن تضع في الحسبان خططاً قريبة المدى وأخرى بعيدة المدى، ليسترجع أولئك الأطفال طفولتهم المسلوبة.

وأمّا تونس فقد رفعت شعار «كلنا ضدّ عمل الأطفال»، وأطلقت «الخطّة الوطنية لمكافحة عمل الأطفال 2015 – 2020»، والتي تنظمها وزارة الشؤون الاجتماعية بالتعاون مع مكتب العمل الدولي. وتهدف هذه الخطّة إلى وضع التصوّرات والآليات العمليّة الكفيلة بالحدّ من التحاق الأطفال بسوق العمل، وذلك عبر بناء تحالف واسع واستراتيجيّ مع جميع المنظمات الوطنية والجهات الاجتماعية الفاعلة بقصد القضاء على هذه الظاهرة، لأجل نشأة أطفال تونس وممارسة حقوقهم في التمدرس والتكوين والتدريب للحصول على مؤهلات تخوّلهم ولوج سوق الشغل دون خوف عليهم، حسبما جاء في الفصل 47 من الدستور التونسي الجديد.

ويُذكر أنّ تقرير منظمة «اليونيسف» الذي تم إعداده بالتعاون مع المعهد الوطني للإحصاء، ووزارة التنمية التونسية، قد أكّد أنّه «من بين ثلاثة ملايين و400 طفل، يشكلون نحو 24 %، من مجموع السكان، يعمل منهم نحو 3 %»، لكن وعلى رغم ذلك تشدّد جمعية الدفاع عن حقوق الطفل في تونس على أن غياب أرقام ودراسات معمقة وحقيقيّة حول تشغيل الأطفال ساعد على استفحال هذه الظاهرة وتنامي انتهاك حقوق الطفل.

أمّا الجزائر، فقد اهتمّت فيها بعض المنظمات بدراسة الظاهرة على مستوى المحافظات، ففي «ولاية الشلف» مثلاً تعرف ظاهرة تشغيل الأطفال تزايداً مستمراً، وتشير بعض الإحصائيات الخاصة بتشغيل الأطفال من دون بلوغ السن القانوني، إلى وجود 8 آلاف طفل، وفي فصل الصيف ترتفع إلى غاية 19 ألف طفل، الغالبية منهم لا تتعدى أعمارهم عتبة السبع عشرة عاماً، يشتغلون ما بين بيع الجرائد والسجائر أو علب الورق الناعم أو أكياس البلاستيك تحت أشعة شمس تتخطى حرارتها عتبة 43 درجة مئوية.

وتتبنى الجزائر سياسات وآليات مكافحة الفقر، وإرساء دعائم سليمة موجهة للطفولة، وهي اتجاهات إنمائية من شأنها التقليل من عمالة الأطفال، كما تنظم سنوياً أياماً توعوية حول مكافحة ظاهرة تشغيل الأطفال، تشترك فيها إطارات مختصة في علم النفس والاجتماع، إلى جانب مكتب الجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الطفل.

إنّ ما تمّ استعراضه من أرقام مفزعة بشأن عمالة الأطفال من جهة، وما جرى سرده من جهود لاحتواء الظاهرة ومكافحتها في المغرب العربي، لَيؤكّد خطورة الظاهرة، وهو ما يستوجب مزيداً من العمل وتكاتف جهود الجميع من أجل القطع مع أسباب هذه الظاهرة، وتوفير مناخ مناسب لنمو الطفل، من خلال تبنّي سياسات وآليات لمكافحة الفقر. الأمر الذي يدعو الأنظمة السياسية في دول المغرب العربي إلى أن تقوم برعاية الأسر الفقيرة، وتوفير الدعم لها حتى تتمكن من تربية أطفالها على نحو سليم.

إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"

العدد 5029 - الإثنين 13 يونيو 2016م الموافق 08 رمضان 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 5:31 ص

      ظاهرة خطيرة(عمل الأطفال) مازالت حية تعيش بيننا وهي لا تقتصر على المغرب العربي بل تتعداه لتشمل أمريكا اللاتنية والشمالية واوروبا والخليج العربي. وإذا كانت بعض الدّول بدأت في اتخاذ بعض الاجراءات ليس للقضاء على هذه الظاهرة بل للحد منها فحسب وهذا مؤسف..
      شكرا أستاذ سليم المواضيع المطروحة في غاية الأهميّة.

    • زائر 1 | 1:26 ص

      أحسنت :
      يستوجب مزيداً من العمل وتكاتف جهود الجميع من أجل القطع مع أسباب هذه الظاهرة، وتوفير مناخ مناسب لنمو الطفل، من خلال تبنّي سياسات وآليات لمكافحة الفقر. الأمر الذي يدعو الأنظمة السياسية في دول المغرب العربي إلى أن تقوم برعاية الأسر الفقيرة، وتوفير الدعم لها حتى تتمكن من تربية أطفالها على نحو سليم.

اقرأ ايضاً