العدد 5030 - الثلثاء 14 يونيو 2016م الموافق 09 رمضان 1437هـ

قمة طهران العسكرية وما وراءها

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

اجتماع ثلاثي عسكري جمع وزراء الدفاع الروسي سيرغي شويغو والسوري فهد جاسم الفريج والإيراني حسين دهقاني في العاصمة طهران قبل أيام، تحت عنوان «مكافحة الإرهاب وسبل إرساء الأمن والاستقرار في سورية».

جلسة الاجتماع كانت مغلقة ولا تفاصيل كُشفت عمّا دار فيها على المدى المنظور، بيد أن ثمة تقارير أشارت إلى أنها استغرقت ساعتين، حدّدت خلالها الأطراف قرارات استراتيجية بشأن أولويات الميدان السوري و»البرنامج الزمني» اللازم لتنفيذ ما اتفق عليه من خطط بشكل شامل، إضافةً إلى تشكيل لجنة تنسيق مشتركة.

في التقارير، تطرق الاجتماع إلى تقدير الموقف العسكري، وتناول حوارات بشأن الهدنة الأميركية-الروسية المعلنة التي وصفها محللون بـ»الهشة»، وبأنها مخترقة كونها منحت الجماعات المسلحة وقتاً كافياً لإعادة ترتيب قواها الهجومية والتسلح بأسلحة نوعية. وتبعاً لمصادر إعلامية إيرانية، اتسمت القمة بالصراحة وتطابق مواقف الأطراف الثلاثة تجاه تسوية الأزمة السورية واستحقاقاتها، والنظر في أولوية إنجاز اختراق استراتيجي في الجبهة، لاسيما مع الإعلان الإيراني تأييد الهدنة الشاملة المرتبطة بشرط ضرب التنظيمات الإرهابية ومنعها من استغلال الهدنة. وعلى رغم اتفاق الاطراف الثلاثة المشار إليها، إلا إن أحد خبراء مركز «كارنيغي» بموسكو استبعد أن تلعب طهران دوراً كاملاً في العملية العسكرية الروسية السورية المشتركة التي يتم الاستعداد لها، لماذا؟ لسبب توخّي إيران الحذر بما يضر بعلاقاتها مع الغرب في أعقاب رفع العقوبات الاقتصادية عنها.

أسباب القمة الثلاثية

لاشك أن توقيت اللقاء الثلاثي العسكري يمثل بداية مرحلة ميدانية جديدة؛ بل وتحولاً نوعياً ستكشفه حتماً طبيعة التطورات العسكرية على الساحة السورية، وتحديداً في منطقتي حلب والرقة، حيث تجمع التحليلات على أن أهم أسباب عقد القمة تتمحور بشأن عدة نقاط مهمة، يأتي على قمتها التوصل إلى إجراءات حازمة وسريعة وشاملة ومنسجمة لمناهضة «الإرهاب» عبر دراسة الدور الروسي في خطة العمل التي تتركز على تكثيف الغارات الجوية على مواقع المسلحين، وقصف من يشكلون خطراً على تنفيذ الهدنة، الأمر الذي قد يفسح للجيش السوري الاحتفاظ بالمواقع المحرّرة ومواصلة الزحف. وهو ما أشارت إليه صحيفة «كوميرسانت» الروسية بشأن التنسيق لعمل عسكري مشترك مدعوم روسياً تحدد من خلاله الأهداف والمواقع المستوجب ضربها من قبل الطيران الروسي، وبما يتسق مع العملية المزمع شنها لتحرير الرقة معقل تمرّكز «داعش» واجتثاثها.

أما النقطة المهمة التي تطرّقت إليها القمة، فتتعلق بفشل الهدنة المعلنة عسكرياً بسبب الهجمات التي شنتها الجماعات الجهادية والمعارضة المسلحة، علاوةً على اختلاف الرؤى بشأن وضعها وتصنيفها كمعارضة، ومنها بالطبع «جبهة النصرة». فهذا الاختلاف دون شك استنزف قوات محور دمشق-روسيا-إيران لاسيما في مناطق حلب وريفها، حتى قيل إن الحلف الثلاثي وجد نفسه في موقف دفاعي متفرج في الميدان بسبب التزامه بالهدنة، خصوصاً مع تحرك «قوات سورية الديمقراطية» أكراد سورية باتجاه الرقة وهم الذين تساندهم واشنطن، إضافةً إلى تدخل قوى أخرى مدعومة خارجياً وبما أحرزته من تقدم ميداني، الأمر الذي أفرز وضعاً معقداً ومتشابكاً لجهة أي تسويات مستقبلية تخص الشعب السوري بمن فيهم الأكراد.

قطع خطوط الإمداد

في هذا السياق عُقدت القمة، للإتفاق على وضع «جدول زمني» محدد تلتزم به الأطراف الثلاثة من خلال التعامل مع الحدود المفتوحة شمال سورية، وتحديداً الحدود السورية-التركية التي ستكون حسب التوقعات مسرحاً مفتوحاً للعمليات العسكرية لأجل إغلاقها وقطع أهم خطوط الإمداد للإسلاميين المسلحين بالأسلحة، ومنع جماعاتهم من استعادة قوتهم وتقدمهم ودفعهم إلى الانكفاء. بيد أن ذلك حتماً يثير التساؤل عن كيفية التعامل مع متغيرات الميدان العسكري والسياسي بعد تقدّم «قوات سورية الديمقراطية» وما حققته من نجاح في الاستيلاء على أكثر من مئة قرية في محيطها بريف حلب، وفرضها حصاراً خانقاً على مدينة «منبج» الحدودية الاستراتيجية. صحيح إن هذا التقدم يمثل ضربة عسكرية وهزة معنوية قوية لـ»داعش» وبقية الفصائل المسلحة، وهذا لمصلحة النظام السوري وحزب الله والحليف الإيراني؛ لكن الصحيح أيضاً أن هذا الواقع سيغيّر المعادلات السياسية والعسكرية في المشهد السياسي السوري والإقليمي، لماذا؟

لسبب معارضة تركيا سيطرة الأكراد وتمدّدهم في هذه المنطقة وإقامة دولتهم، وكذلك لمعارضة نظام الأسد وإن بدأ صامتاً إزاء تحركهم لا حول له ولا قوة بسبب الموقف الروسي، إلا إنه عبّر في أكثر من مناسبة عن عدم موافقته على قيام دولة كردية انفصالية في الشمال.

واقعياً «الجدول الزمني» وتبعاً لأحد المحللين، يتوقع أن يأخذ مسارين متلازمين، أحدهما يتمثل بضغط سياسي-دبلوماسي من خلال بعث رسائل روسية عبر واشنطن لداعمي الجماعات المسلحة، مفادها ضرورة الانصياع إلى وقف دعمهم العسكري للجماعات المسلحة والتوجه للخيار التفاوضي والحل السياسي، فيما يتواصل المسار الآخر؛ وفي نفس الوقت باتجاه العمل العسكري طالما استمر تدفق السلاح والمسلحين، الأمر الذي قد يقود عملياً لانهيار الهدنة وبما تشكّله من عبء على النظام السوري وحلفائه إيران وحزب الله، خصوصاً بعد خسارتهم بعض المناطق وقت تنفيذ الهدنة، فضلاً عمّا يمثله وجود المسلحين من تهديدٍ للمناطق التي يسيطر عليها النظام في حلب.

تباين روسي أميركي

بالمقابل القمة الثلاثية العسكرية تزامنت مع تصريحات روسية شديدة اللهجة أدلى بها في مناسبات مختلفة ومتقاربة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف؛ حيث لوّح بأن «عاصفة السوخوي» قادمة لتهب على حلب، خصوصاً بعد انتهاء مهلة واشنطن لفرز المسلحين «الأخيار» عن «الإرهابيين»، وانتقد شركاءه الأميركان لإبطاء التنسيق بين الطيران الروسي والأميركي بحجة منح المجموعات المسلحة وقتاً لاستعادة قدراتها واستئناف هجماتها. كما أكّد قبلها في مؤتمر صحافي بموسكو «على أولوية المرحلة وضمان الالتزام الكامل والمطلق بوقف الأعمال القتالية، وضرورة وضع حدٍّ لتسلل الإرهابيين والأسلحة من تركيا، فتباطأ ضرب الإرهابيين، وتأجيل العمل العسكري بذريعة إعطاء مزيد من الوقت للمعارضة المسلحة كي تتنصل من مواقع داعش والنصرة، صار أمراً ضاراً» من وجهة نظره.

وأضاف لافروف: «أشهر مرت على قرار مجلس الأمن للتسوية وهي كافية لأي فصيل مسلح للانضمام لقرار وقف الأعمال القتالية أم لا.. لقد طرحنا الفكرة أمام شركائنا الأميركيين وذكرنا لهم أن مواصلة الانتظار سيكون أمراً ضاراً فيما يخص مهماتنا المشتركة في مجال محاربة الإرهاب، كما على كافة الجماعات التي لم تنضم للهدنة أو تخترقها بمن فيهم (النصرة وداعش) كامل المسئولية عن قرارها وعدم السماح للإرهابيين باستغلال الوضع لتعزيز مواقعهم على الأرض».

خلاصة الأمر، يبدو أن بعض أطراف المعارضة وحلفاءها لاسيما الأتراك، استشعروا خطورة التطورات الميدانية، وحاولوا استثمار تأجيل إعلان عودة المفاوضات من قبل المبعوث الأممي ستيفان دي مستورا الذي صرّح بأن «الوقت لم يحن بعد» لعقد جولة جديدة من المحادثات الرسمية، فدفعوا باتجاه طرح مبادرة وقف إطلاق نار فوري خلال شهر رمضان. المبادرة بالطبع تحرج روسيا فيما لو رفضتها، وواضح أن الإيراني يدرك بالتمام طبيعة «المناورة» السياسية، ولهذا رد عليها وزير الدفاع الإيراني قائلاً: «طهران توافق على وقف النار إذا كان مضموناً».

في كل الأحوال الأولوية صارت للحل العسكري، كما أن تطورات الميدان أخرجت الأمور من أيدي قوى المعارضة المسلحة ومن يمثلها سياسياً، بل ومن أيدي دول عربية وإقليمية حليفة وداعمة لها، فاللاعبون الأساسيون بلا منازع هما روسيا والولايات المتحدة، اللتان آخر همهما وقف الدمار الكارثي الذي تضيع فيه سورية كل يوم، ويطحن شعبها في مطحنة الحرب المدمرة.

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 5030 - الثلثاء 14 يونيو 2016م الموافق 09 رمضان 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 12:58 ص

      خمس سنوات و هم يحاولون اخماد ثورة الشعب العربي السوري العظيم و لكن بإذن الله سينتصر الشعب العربي السوري على ايران و حلفاء ايران مهما طال الزمان

    • زائر 3 زائر 1 | 1:54 ص

      رجاء كمل و اخبرنا بعد الانتصار الذي تأمله ماذا سيحصل؟

اقرأ ايضاً