العدد 5034 - السبت 18 يونيو 2016م الموافق 13 رمضان 1437هـ

حادثة في السوق المسقوف

قصة قصيرة - خليل إبراهيم المرخي 

تحديث: 12 مايو 2017

يقعُ السوق الشعبي المسقوف في المنطقة القديمة من المدينة ، فيهِ تجدُ كلَّ ما تريد وبأنسب الأسعارِ ـ غالبًا ـ ؛ لذا يرتادهُ خلقٌ كثيرٌ على اختلافِ طبقاتهم الاجتماعية.

في كلِّ زاويةٍ من زوايا السوق بائعٌ أو عاملٌ يعرضُ خدماتهِ ، وبعضهم يلاحقُكَ إلى أن ييأس فيقصدَ زائرًا آخر علّه يحظى منهُ بشيء.

عند أحدِ مداخلِ السوقِ يجلسُ فتًى في نحو الثانية عشرة من عمرهِ يرتدي ملابسَ رثّةً وبينَ يديهِ عدّةٌ متهالكةٌ لتنظيفِ الأحذيةِ. ربّما يحصلُ على كلِّ فردتي حذاء يلمعهما لزبونٍ بضعةَ قروشٍ أظنُّ أنها رافدُ حياةِ الكفاف لعائلتهِ.

دخلتُ السوقَ من بوابتهِ هذهِ كي أشتري لابنتي التي نستضيفها أيامًا ـ قبل أن تعاود السفر لإكمال دراستها ـ حليةً فضيّة أرسلتْ صورتها لي عبر الهاتف.

معَ خطوتي الأولى تعثرتُ أمامَ البوابةِ وكادَ وجهي يلامس الأرضَ، ربّما لأنّي حاولتُ الفرار من إلحاحِ الصبي ملمِّعِ الأحذية. تشذَّبتْ أطرافُ كفّيَّ قليلاً، وانثقبَ بنطالي عند الركبة فساهمَ ذلكَ في ظهورِ الاستياءِ على ملامحي، وإذا أضفتَ حرارة الجو، وازدحام المكان، والضوضاء، وبعض الروائحِ الكريهةِ المختلطةِ بأخرى مناقضةٍ لها، وملاحقةَ أصحاب المحلاتِ بأبصارهم أو نداءاتهم يدعونكَ للشراء؛ حينها قد تعذرني على انزعاجي.

أخذتُ أسيرُ على غير ارتياحٍ وبصري يتفحَّص لافتات المحلات باحثًا عن مقصدي فرأيتُ كلَّ شيءٍ إلا ما أريد: محلات العطارة، والخياطين، وصانعي الحلوى، وشرفات بيع العصير المثلج، وبعض المقاهي الشعبية، ومتجولينَ يبيعونَ لعب أطفال، أو بطاقات يانصيب، أو الحبوب المملحة وغير ذلكَ الكثير.

رأيتُ أنه من الأجدر أنْ أسترجعَ بعضَ الهدوء المفقود فقصدتُ مقهى شعبيًّا وجلستُ على طاولةٍ منفردةٍ خارجهُ وطلبتُ كأسَ ماءٍ وكوب شاي. ليسَ الشايُ خيارًا مناسبًا في مثل هذا الجو الحار لكنَّ مقتضياتِ الجلوس في المقهى تفرضُ هذا الطلبَ. وقبلَ أن يأتي عامل المقهى بما طلبتهُ رأيتُ صدفةً أنّي أجلسُ قبالَ محل الفضياتِ الذي أبحثُ عنهُ فتركتُ مجلسي في المقهى ودخلتُ المحل.

أريتُ صاحبَ المحل صورةَ الحليةِ المطلوبةِ فأخرجها وعلمتُ منهُ أنَّ سعرها بضعَ عشراتٍ من الدنانير. مددتُ يدي إلى جيبي لأستخرجَ النقودَ فتفاجأت أنَّ المحفظة مفقودة. اضطربتُ كثيرًا؛ لأني شعرتُ بالحرج من البائع؛ ولأني ـ وهو الأهم ـ أضعُ في المحفظة كل نقودي وبعض البطاقات المهمة.

لم أشك أنَّ يدًا خفيفةً مُدّت في جيبي واختلست منه المحفظة، وإذا كان كذلكَ فأنى لي باسترجاعِ ما فقدتُ؟ إنّه مأزق حقيقي. فكّرتُ أنْ أعتذرَ لصاحب المحل، وإذا بي أستشعرُ تربيتًا على ظهري برفق. نظرتُ خلفي فإذا هو الصبي ملمّع الأحذية الذي تسبب في انزعاجي منذ أن دخلتُ السوق، فصرختُ بوجهه: ماذا تريدُ ؟! اغرُبْ عن وجهي، فلا أرغب أنْ تلمِّعَ حذائي.

رمقني الصبي بابتسامة بريئةٍ ومدَّ يدهُ المتسخة وأعطاني محفظتي.

ـ لقد وقعتْ منكَ عندما تعثرتَ أمام بوابة السوق. وقد ناديتُك فلم تسمع، ولم أستطعْ اللحاق بكَ إلا هنا.

أعطاني المحفظة وانصرف، لكنَّ عيني لم تنصرف عنه وهو يغيبُ وسط الزحام.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 12 | 1:23 ص

      حبببببيت القصة

    • زائر 11 | 8:18 م

      القصة لا بأس بها من ناحية الأسلوب و اللغة ، لكن الفكرة العامة عادية و النهاية مستهلكة. مسيرة موفقة للكاتب

    • زائر 9 | 11:02 ص

      القصة رائعة في الوصف للشخصيات وجدا ممتعة وفي أمور منها تحتاج للالتفات وهي أنه لما ضاعت محفظته واكتشف ذلك فعلى السارد أن يقدم أهمية فقدان الرجل لنقوده أولا وليس شعوره بالإحراج من البائع لأن ففقدان النقود أهم من الاحراج، كما أن رجوع النقود له يحتم عليه شعوريا الفرحة وأن يشكر الصبي لا أن ينسى وهذا غير منطقي وعليه القفلة أصبحت مصطنعة بدون داعي

    • زائر 8 | 10:11 ص

      عجبتني القصة
      تشذبت أطراف كفي ... انثقب بنطالي
      عادة الكلمات تكون مفهومة ماعدا هذه الكلمة تحتاج للمعجم
      كلمات انثقب عادة للمسمار وخاصة انك استخدمت كاد وجهي يلامس الارض يعني الامر لم يصل للخطورك فكيف انثقب!

    • زائر 7 | 10:04 ص

      بالتوفيق والفوز. القصة رائعة واستكملت عناصر القصة القصيرة. ماعدا الاستغراق في وصف السوق واستخدام جملة طويلة اعتراضية يمكن اختزالها بسهولة وهي فقرة دخوله السوق من البوابة هذه، واشتري لابنتي التي وقبل ان تعاود السفر و حلية فضية وارسلتها بالهاتف. تفاصيل اخرجت القاص عن الموضوع وكان بسهولة اختصار الجملة التي تصلح للروايات وليست للقصة.

    • زائر 6 | 9:57 ص

      ولكن

      بعيدة عن الواقع البحريني .. هل سمعتم بملمع احذية في البحرين وصبي أيضاً ! ثم اننا نتعامل بالدينار ومنه الفلوس لا القروش والأبعد عن الواقع ان باع أوراق اليانصيب في اسواقنا .!!! شكراً للكاتب وحاول ان تكون لصيقا اكثر بواقعنا مستقبلاً . لك تحياتي .

    • زائر 10 زائر 6 | 12:51 م

      القصة ليست عن مكان محدد وليس فيها أي إشارة للبحرين حتى يمكن اﻻعتراض على وجود الصبي ملمع اﻷحذية أو نوع العملة وطبيعة القصة القصيرة والرواية العامة تقتضي أن يكون المكان غير محدد حتى يجد فيها الجميع ارتباط بواقعه.هذا اللي فهمته

    • زائر 4 | 7:36 ص

      قصة رجل يريد يشتري أغراض لمنزله وضاعت محفظته في السوق وثم وجدها صبي ينظف أحذية وأرجعها له وهذا الرجل كان قد أهان الصبي وبعد ما عطاه تقدير لأماناه

    • زائر 3 | 7:23 ص

      لو كنت قد صرخت في وجه الصبي في حينها وقت ان تعثرت، لكان افضل من ايرادها كتذكير للقارئ في نهاية النص وبعد حل العقدة.

    • زائر 1 | 2:02 ص

      كم انت مخطاء في حق الصبي انا لومنك .

      غير ابوسه على راسه ونا اصدق حصلت 700 دينار ووديته المركز مال مدينت عيسه الله يرحمه والله اني اعرف لو بقت لفلوس جان راعيه فلس لنه ابيع سيديات الكوبي وفقيروه من بيت الحلل مال المنامه .

اقرأ ايضاً