العدد 5036 - الإثنين 20 يونيو 2016م الموافق 15 رمضان 1437هـ

قصة قصيرة... هدية

تتدلى بعض الفراشات الميتة من على المصباح الكهربائي عندما انبلج الصبح وطرد الضوء ظلمة الليل، تلتمع عيناها وهي تصلي مرتاحة حمداً لله وتقربا له، ثم تتنهد باطمئنان وراحة نفسية وهي تمسح على وجهها الممتعض فتشعر بدنو الأمل ثم تقذف بيديها على حضنها فتحس بثقلهما على جسدها.

البطاقة التي أتتها في هذا الصباح جعلت نبضات قلبها في تسارع نحو ما طُلب منها، حتى كاد خفقانه يسبقها إلى العنوان الذي ستتسلم منه هديتها التي لا تعلم ماهي.

تجول في أفكارها المرتبكة؛ ما نوع هذه الهدية التي سأحظى بها؟ أهي هدية كهدية العريس لعروسه؟ أم هي كهدية الطفل الذي فقد أمه وذهب إلى قبرها ليهديها باقة ورد في يوم عيدها؟ تختلط مشاعرها كاختلاط الملح في الماء فلا تستطيع ترتيب أفكارها وكأن حرباً في داخلها تريد أن تضع أوزارها.

تسأل المارة عن العنوان الذي زودت به، ورجلاها لا تحملانها لفرط تحمسها إلى ما هو قادم، تستشعر وكأنها مدعوة للجنة وستُهدى فردوسها وحريرها، إلى أن تم إرشادها للمكان الذي ستتسلم منه هديتها.

المفاجأة التي لم تستطع استقبالها أن العنوان قادها إلى مشفىً لأمراض القلب، تتوقف قليلاً لتزيل عن عينيها بعض ركامات الغبار الذي أصابهما لتحدق مرة أخرى لتجد الحقيقة كما هي، ترتعش، ولكن تشجع نفسها وتدخله بأمن وسلام.

تعرض على الممرضة بطاقة حضور تسلّم الهدية؛ تحدق فيها قليلاً وبتأنٍ تام تحرك ثغرها فتعلوه ابتسامة مبهمة.

تسألها عن اسمها فتجيب، فتتأكد أنها هي.

تمسك الممرضة بشيء خفي في أدراجها - تنظر إليها بذهول - فتسلمها سماعة طبيب وتدعوها لاصطحابها إلى غرفة بعض المرضى، أما خطواتها فتتسارع بقدر نبضات قلبها، المكان يغص بضجيج تسمع أوله لكن لا تعلم آخره، كل من في الغرفة سهام عينيه على القادم من الباب، فإما يصيب هدفه أو يتعداه إلى غيره.

مجموعة من المرضى تمر عليهم واحداً تلو الآخر حتى استقر بها المقام في وسط الغرفة عند طفل ذي بشرة سمراء نحيل الجسم، تعيد بعض تخيلاتها في الصباح، وتتشاءم، في هذه اللحظات تتمنى أن يكون كل ذلك خيراً.

رمقها الطفل مبدياً أسنانه البيضاء الناصعة كقلبه بابتسامة يداخلها الخجل ثم أنزل رأسه، سرعان ما تحسس صدره ليطمئن على قلبه، يتأكد أنه لازال ينبض.

طلبت الممرضة منها أن تضع السماعة على صدره لتسمع نبضات قلبه، فتزداد حيرة أكثر، وتتساءل أهذه هديتكم؟

نعم! هذا النبض الذي تسمعينه هو قلب ابنك الذي توفى وهو في  سنته الأولى، فقمتي بالتبرع بقلبه لهذا الطفل الذي يعاني من عيب خَلقي بقلبه.

ترتجف شفتاها تريد أن تنطق ولكنها تتحمس أكثر لسماع دقات قلب ابنها وهو ينبض؛ تتلقف وجنتاها دموعها الساخنة وهي تبتسم. "لأول مرة أسمع دقات قلبه منذ أن غاب عن الدنيا أنه حي فعلاً حي، تعانق الطفل وتضمه".





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 26 | 1:04 م

      قصة جميلة جدا صورت تصويرا رائعا يجذب القارئ

    • زائر 25 | 6:58 م

      كتابة رائعة وفي غاية الجمال

    • زائر 24 | 4:38 م

      يستحق المركز الاول كاتب مبدع

    • زائر 23 | 3:43 م

      خالص الدعوات لكم والمشاركين في هذه المسابقة بتقدم أدبي وإصدارات ثقافية

    • زائر 22 | 9:15 ص

      فكرة القصة جميلة تذكرني بما قد نشره سابقا في الصحف عن ليزا سوانسون التي استمعت لدقّات قلب ابنها الراحل؛ في أول لقاء يجمعها بمن تلّقى قلب ابنها في عملية زرع أنقذت حيا

    • زائر 21 | 8:36 ص

      ورجلاها لا تحملانها لفرط تحمسها
      ترتجف شفتاها تريد أن تنطق ولكنها تتحمس
      استخدام مفردة التحمس غير موفقة في الموقعين

    • زائر 19 | 4:40 م

      تستحق المركز الاول

    • زائر 20 زائر 19 | 9:52 م

      نعم كذلك

      أوافقك الرأي وبشدة ولكن
      لا يعني هذا انتقاص من المشاركات الأخرى

    • زائر 13 | 5:02 م

      فلا تستطيع ترتيب أفكارها وكأن حرباً في داخلها تريد أن تضع أوزارها.
      لقد أراد القاص وصف الحالة النفسية للأم وأن أفكارها تشتد وتختلط بقوة... ولكن استخدامه التناص التاريخي الديني لوضع الحرب أوزارها في غير محلها، إذ أن المعني قرب انتهاء الحرب وليس اشتدادها وعليه يكون وصفه تناقضا.. ينبغي أن يقول وحميت الوطيس.

    • زائر 15 زائر 13 | 10:10 م

      ملاحظة

      لو قلنا ما ذهبت إليه (حمي الوطيس ) فسيظل الصراع النفسي قائما مما يحول بينها وبين الذهاب لمعرفة نوع الهدية وستكون قفلة القصة بعيدة جدا عن سياق السرد
      أما البعد الديني والتاريخي فهذا تعبير مضاف لإعطاء القصة جنبة ذات أبعاد إسلامية أخلاقية بأن الحرب مهما طالت ستنتهي

    • زائر 18 زائر 15 | 6:00 ص

      لهذا القفلة ابتعدت عن سياق السرد

    • زائر 12 | 4:55 م

      أم هي كهدية الطفل الذي فقد أمه وذهب إلى قبرها ليهديها باقة ورد في يوم عيدها؟
      هذا التساؤلا لايخطر تصوره لشخص يفكر في هدية لأن الهدية كناية الفرح والسعادة.. لذا هذا تساؤل السارد وهنا حصل خلط فلا ينبغي أن يكون تساؤل السارد داخلا في كلام البطل النفسي.

    • زائر 14 زائر 12 | 10:03 م

      ملاحظة

      يبدو أن القارئ لم ينتبه إلى جملة هدية العروس لعريسها
      انه صراع أفكار
      فراجع

    • زائر 11 | 4:48 م

      ثم تتنهد باطمئنان وراحة نفسية ... تقذف بيديها على حضنها فتحس بثقلهما..
      كيف يمكن أن تكون لغة الجسد تلك.. امرأة تقذف بيدها على حضنها؟
      انقذاف الشيئ للخارج كناية الابتعاد لا الاقتراب والدنو .. لذا فاستخدام المفردة هنا غير صائب لغويا. نعم شخص يقذفني وينقذف باتجاهي وليس العكس بأن انقذف أنا نحو نفسي لأني أصبحت في نفس المكان وليس في محل آخر.

    • زائر 16 زائر 11 | 10:20 م

      غير صحيح

      ألم تقرأ قوله تعالى { بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ }.
      ...

    • زائر 17 زائر 16 | 5:59 ص

      راجع التفسير والمعاجم اللغوية... لتفهم معنى الآية بدلا من ايرادها لمجرد الإيراد مع عدم وجود تعليق بما تقصده!

    • زائر 9 | 5:23 ص

      قصه جميله أ / احمد بديع بالتوفبق نتمنا لك كل التوفيق في مجال كتابة القصص الجميله والهادفه.

    • زائر 8 | 4:28 ص

      الفكرة جميلة لكن السرد تقريري ممل يفتقد اللغة اﻷدبية

    • زائر 7 | 3:28 ص

      السلام عليكم
      مجرد ملاحظة مسبوقة بالشكر
      الهدية، أهي قلب ابنها الذي أصبح ينبض في صدر طفل آخر؟ كيف تكون هديتها قلب ابنها؟ بل هي التي قامت بالإهداء والتبرع! هي من أهدتهم هذه النبضات والحياة

    • زائر 4 | 2:33 ص

      1*مغزى النص السردي: الدعوة للتبرع بأعضاء جسم الإنسان الميت
      |
      2*الخلاصة: بطاقة دعوة تم ارسالها لأم بعد أن توفي ابنها بمرض القلب لطفل آخر يحتاجه
      |
      3*العنوان: "هدية" المقصود أن الأم تحمست لسماعها دقات قلب ابنها الميت، بعد استزراعه في جسد طفل آخر
      |
      4.*الأساليب:العنوان باهت فضح النهاية السعيدة فعرف القارئ منذ الوهلة ولم يفاجئ في النهاية.وأما لحظة التنوير تقريرياعلى لسان الممر كشفت النهاية، ولقد استخدم القاص أسلوب التقرير والتعليل فقل التكثيف والإضمار والحذف مما أثر على السبك السردي.

    • زائر 3 | 2:07 ص

      رائعة

    • زائر 2 | 1:32 ص

      رائعة عزيزي أ.أحمد تشكر على هذا المجهود الجميل . قصة تجعلك تندمج معها . إلى الأمام صديقي.

    • زائر 6 زائر 2 | 3:06 ص

      القاص قال كل قصته دفعة واحدة على لسان الممرضة وهي تخاطب الأم في جملة تقريرية مما أثر على خاتمة السرد فمن غير المنطقي أن تشرح الطبيبة كل التفاصيل للأم المتبرعة بل هي معلومات معروفة عندها.
      (قلب ابنك الذي توفي وهو في سنته الأولى، فقمت بالتبرع بقلبه لهذا الطفل الذي يعاني من عيب خلقي بقلبه).
      ملاحظات: استخدام القاص الكثير من أسلوب التشبيه بشكل متتالي دون حاجة لذلك بل واستخدم حرف (الكاف) كثيرا في جملة واحدة ( 1كهدية العريس 2كهدية الطفل 3 كاختلاط الملح 4 كأن حربا 5 وكأنها مدعوة 6 الناصعة كقلبه)

    • زائر 1 | 1:31 ص

      ..
      جميل

اقرأ ايضاً