العدد 5044 - الثلثاء 28 يونيو 2016م الموافق 23 رمضان 1437هـ

بين عمر بن عبدالعزيز والشريف الرضي

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لم يعش الرجلان في عصرٍ واحد، بل كانت تفصل بينهما ثلاثة قرون من الزمان.

وُلد الأول في المدينة المنّورة العام 61 هـ لأسرة أموية، فجدُّه مروان بن الحكم، ووُلد الآخر في بغداد العام 359 هـ لأسرة علوية، فجدُّه الإمام الكاظم. لكن جمعتهما رابطة الروح الطيبة والذكر الحسن.

تلقى عمر بن عبدالعزيز دروسه في المدينة المنورة، وكان شديد الإقبال على العلم. وولّاه الوليد بن عبد الملك أميراً عليها وعمره 26 عاماً، وضمّ إليها الطائف بعد عدة أعوام. ثم عُزل فانتقل إلى العاصمة دمشق، كما عاش فترةً في مصر أثناء ولاية أبيه عبدالعزيز عليها. وجاءته الفرصة الكبرى بعد تولّي سليمان بن عبدالملك الحكم، حيث قرّبه ونصّبه وليّاً للعهد، فلمّا مات تولّى الخلافة سنة 99هـ، ليحدث ذلك الانقلاب في حياته، وفي مسار الدولة معاً.

عاش عمر حياةً رغيدةً في القصور، لكنها انقلبت إلى حياة تقشف وزهد، بعد تولّيه الخلافة، حيث شعر بثقل المسئولية، واستحضر خشية الله ومحاسبته. ويُرجع البعض ذلك لتأثير نشأته بين أخواله من أبناء الخليفة عمر بن الخطاب، والبعض يُرجعه لتأثير معلّمه ومؤدّبه. وشرع في تنفيذ برنامج إصلاحي، لردّ المظالم التي ارتكبها أسلافه، وعزل جميع الولاة الظالمين ومحاسبتهم. كما قام بمصادرة الأموال التي استولى عليها أهل بيته الأمويون، وإعادتها إلى بيت مال المسلمين. وكان يعرض متاعهم للبيع في السوق وينادي مناديه: هلمُّوا لمتاع الظالمين.

ضمن هذا السياق التصحيحي، أوقف عمر سياسة لعن الإمام علي فوق منابر المسلمين، التي استمرت ستين عاماً، والتي وضعت ضمن سياسة مبرمجة وواضحة: «حتى يشبّ عليها الصغير ويشيب عليها الكبير»، من أجل إزاحة الشخصية المنافسة من وجدان المسلمين وإضعاف حضورها في التاريخ.

هذا الموقف المشرّف، الذي يُفترض أن يكون هو الأصل، وليس لعن قامة إسلامية شامخة مثل عليّ فوق المنابر، دفع الشريف الرضي، بعد ثلاثة قرون، إلى مدحه في قصيدةٍ تفيض رقّةً وحُبّاً، حيث يخاطبه قائلاً وكأنه يناجيه:

يابن عبدالعزيز لو بكت العينُ فتىً من أميةٍ لبكيتُكْ

غير أني أقول إنك قد طبتَ وإن لم يطب ولم يزكُ بيتُك

أنت نزّهتنا عن السبِّ والشتمِ فلو أمكن الجزاءُ جزيتك

وعجيبٌ أني قليت بني مروان طراً وأنني ما قليتك

قرّب العدل منك لما نأى الجور بهم فاجتويتهم واجتبيتك

وتتصاعد نبرة الوُدِّ والعرفان التي يبديها الشريف لابن عبدالعزيز بسخاء ودون تحفُّظٍ، كُلّما مضيت مع أبيات القصيدة الرقيقة:

ولو أني رأيت قبرَك لاستحيِيْتُ من أن أُرى وما حيّيْتك

أنت بالذكرِ بين عيني وقلبي إن تدانيت منك أو قد نأيتك

وقليلٌ أن لو بذلتُ دماء البدن حزناً على الذرى وسقيتك

وإذا حرّك الحشا خاطرٌ منك توهمتُ أنني قد رأيتُك

فلو أني ملكت دفعاً لما نابك من طارق الردى لفديتك.

عمر بن عبدالعزيز تولّى الخلافة ثلاثين شهراً فقط، وكان أسمر اللون رقيق الوجه حسن اللحية، كما قال اليعقوبي، وقتله الأمويون بالسُّمِّ لأنّ سيرته العادلة لم تعجبهم، وهو لم يتجاوز الأربعين، ليترك له حسن الذكر بين جميع المسلمين.

أمّا الشريف الرضي، فكان من أئمة العلم والأدب والحديث، عالي الهمّة شريف النفس، لم يقبل من أحد صلةً ولا جائزةً. أنشأ داراً لطلبة العلوم ووَفّر احتياجات طلبتها، وتولى نقابة الطالبيين وأمارة الحج والمظالم، وحجّ بالناس مرّات، وتوفي وهو لم يتجاوز السابعة والأربعين. على أن أشهر أعماله جمْعه خطب ورسائل وحكم الإمام عليّ في «نهج البلاغة» الشهير.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 5044 - الثلثاء 28 يونيو 2016م الموافق 23 رمضان 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 12 | 3:22 م

      بارك الله فيك ونفع بك المسلمين

    • زائر 10 | 6:38 ص

      شكرا سيدنا. . طابت مساعيك
      وحدها الوسط مهتمة بأمر الوطن حريصة على أمن الوطن والشعب. لا تشارك في حفلات الزار

    • زائر 9 | 6:21 ص

      لو الناس تتبع الله ورسوله واله \\ص\\ شان الدنيا بخير لاكن الناس خصوصا الي يمشون على هواهم هم من دمرو الاوطان والبشريه لاجل مصالحهم وهم يعرفون انه كل اعمالهم الشريه مسجله عند الله لاكنهم مصرين على عنادهم ولا ويريدون ...

    • زائر 8 | 6:14 ص

      أحسنتم سيدنا .. مقارنة رائعة ببن رجلين عادلين جمعتهما النزاهة والزهد رغم 3قرون من الزمان بينهما .

    • زائر 7 | 5:26 ص

      كثر من هالمواضيع رحم الله والديك ...
      الجريدة من الصبح اخبارها عن الواقع المرير و كلها تجيب الهم، نقرا عن التاريخ ابرك و اريح لنفسيتنا

    • زائر 5 | 3:38 ص

      معلومة جديدة لاول مرة اسمع بها

      شكرا لاسرة الوسط الوطنية الحريصة جدا على الوحدة ولم شمل الوطن ونشر كل ما يؤلف القلوب ويبعد عن تنفير النفوس ، وشكرا للاخ قاسم على نبشه في اعماق التاريخ ونشر المعلومة الجديدة .

    • زائر 3 | 1:11 ص

      جميل جدا
      بارك الله فيك يا استاذ

    • زائر 1 | 11:28 م

      أحسنت أستاذ قاسم حسين! بارك الله فيك!

اقرأ ايضاً