العدد 5056 - الأحد 10 يوليو 2016م الموافق 05 شوال 1437هـ

الريدي لـ «الوسط»: التفتت العربي سببه احتلال صدام للكويت وليس هزيمة 67

السفير المصري السابق عبد الرؤوف الريدي خلال حديثه إلى «الوسط»
السفير المصري السابق عبد الرؤوف الريدي خلال حديثه إلى «الوسط»

في شهر يونيو / حزيران من العام المقبل 2017 تحل ذكرى مرور نصف قرن على هزيمة يونيو من العام 1967، وهي أخطر هزيمة عسكرية يتعرض لها العرب في تاريخهم الحديث وتركت آثاراً مدمرة على مجمل أوضاعهم السياسية والثقافية والاجتماعية والحضارية، فما أحوجهم اليوم وهم على أعتاب هذه الذكرى لتحليل أسبابها تحليلاً علمياً موضوعياً يُمكّنهم من الاتعاظ من دروسها ويُفتح معالم وآفاق الخروج من نفقها السياسي والحضاري المُظلم الذي ما انفكوا يتخبطون فيه، وهذا لن يتأتى مقدماً إلا من خلال فتح أرشيف وثائقها السرية بالكامل والذي مازال موارباً، وتوثيق روايات شهودها المباشرين الذين عايشوا وقائعها من مختلف مواقعهم العسكرية والسياسية والدبلوماسية. وإذا كان الكثير منهم قد أدلى بشهادته فإن الكثير منهم لم يدلِ بدلوه بعد... ولعل السفير المصري عبد الرؤوف الريدي هو واحد من هؤلاء ، وهو ليس شاهداً على الهزيمة فحسب، بل وشاهداً على أبرز المحطات التاريخية الهامة التي مرت بها مصر الناصرية قبل الهزيمة، بدءاً من مؤتمر باندونغ، وصفقة الأسلحة التشيكية 1955، فتأميم قناة السويس العام 1956، ومروراً بالوحدة المصرية - السورية 1958، وليس انتهاءً بالهزيمة ذاتها في 1967، فحرب أكتوبر 1973، ثم ما أعقبها من محطات سياسية تاريخية مهمة مرت بها بلاده. وتكتسب شهادة الريدي أهميتها من تدرجه في مناصب مهمة في إحدى أعلى الدوائر التنفيذية لصنع السياسة الخارجية المصرية ممثلة في وزارة الخارجية وبعثاتها الدبلوماسية، كما في مكاتب وزرائها المتعاقبين وتكليفهم إياه بمهام دقيقة هي في صلب اهتماماتهم والمنوطة بهم من أعلى سلطة في البلاد ممثلة في رئيس الجمهورية، ومن المناصب التي تولاها: مساعد مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة 1955 - 1966، وشارك في أول مؤتمر لدول عدم الانحياز برفقة الرئيس جمال عبد الناصر 1960 في بلغراد، وعُين مديراً لإدارة الهيئات الدولية 1983 كما عُين سفيراً لمصر في باكستان 1979-1980، وأخيراً سفيراً في الولايات المتحدة 1984-1992، وحالياً يشغل منصب رئيس مجلس إدارة مكتبة مصر العامة.

«الوسط « التقت الريدي في مكتبه المطل على النيل في مكتبة مصر العامة بالجيزة، وسجلت شهاداته على تلك المحطات التاريخية، وعلى الأخص «النكسة» في الحوار التالي:

من يقرأ مسيرتك الدبلوماسية، التي انطلقت من العام 1955 يُلاحظ أنك بدأتها بسنة مفصلية من حياة مصر السياسية بعد ثورة يوليو 1952.

- فعلاً، فقد التحقت بوزارة الخارجية 1954، وعُينت في بعثة مصر لدى الأمم المتحدة في نيويورك في العام التالي، وحينما وصلتها في 27 سبتمبر 1955 كانت البعثة تحتفل بنجاحها في إدراج القضية الجزائرية على أجندة الجمعية للأمم المتحدة، وفي نفس الوقت أعلن عن إتمام مصر صفقة الأسلحة التشيكية رداً على رفض الغرب توريد الأسلحة لمصر، ويُعد هذا العام أيضاً عام انطلاقة وصعود الزعامة الناصرية إقليمياً ودولياً، ووقعت خلاله ثلاثة أحداث لا تخلو من الدلالة: الأول العدوان الإسرائيلي على قواتنا المسلحة في قطاع غزة، والثاني ما أُطلق عليه «فضيحة لافون»، نسبة لأسم لوزير الدفاع الإسرائيلي حينذاك، والمتمثلة في ارتكاب عدد من الأعمال التخريبية الإرهابية بالمصالح والمنشآت الأميركية والبريطانية في القاهرة بغرض تسميم علاقات مصر مع الغرب، وعلى الأخص أميركا، وكانت إسرائيل ضالعة في التخطيط لتلك الأحداث، والثالث انعقاد مؤتمر باندونغ التاريخي تحت عنوان « التضامن الأفرو آسيوي» بحضور زعماء كبار، قادوا أو لعبوا دوراً رئيساً في كفاح بلدانهم للتحرر من الاستعمار ونيلها الاستقلال الوطني، وفي مقدمتهم الإندونيسى أحمد سوكارنو، ورئيس الوزراء الصيني شوان لاي، والهندي جواهر لال نهرو، والمصري جمال عبد الناصر.

وأيضاً لعلك كنت شاهداً من خلال وجودك ضمن بعثة بلادك في نيويورك على أحداث كبرى جرت في بلادك في العام التالي 1956، كتأميم قناة السويس والعدوان الثلاثي؟

- على العموم كانت الفترة التي قضيتها في نيويورك مهمة ومن أخصب فترات حياتي الدبلوماسية، ففي هذا العام جرى تأميم القناة، ولم يكن التأميم الذي أقدم عليه الرئيس عبد الناصر سوى ثأر للكرامة الوطنية بالرد على سحب أميركا وبريطانيا والبنك الدولي تمويل مشروع السد العالي، وبعدها جرى العدوان الثلاثي في أكتوبر من نفس العام والذي شاركت فيه بريطانيا وفرنسا وإسرائيل وانتهى بالفشل في تحقيق أهدافه، وخلال كل هذه الأحداث خاضت البعثة المصرية لدى الأمم المتحدة معارك سياسية دبلوماسية صعبة داخل أروقة المنظمة الدولية ضد أعداء مصر والعرب لكسب الرأي العام الدولي وأكبر عدد ممكن من الدول إلى جانبها.

لكن العدوان الثلاثي ما كان ليفشل لولا الإنذار السوفياتي بالتدخل والموقف السلبي الأميركي من العدوان؟

- في الأساس فشل العدوان جاء لضغوط الرئيس الأميركي إيزنهاور، إذ كان له الدور الحاسم في ذلك، وقد حذّر مقدماً أطرافه بحزم من مغبة هذه الحماقة قبل قيامهم بها. وأما الدور السوفياتي فقد غلب عليه الطابع الإعلامي.

ما رأيك في تصريح الروائي نجيب محفوظ بأن مصر لم تكن بحاجة لتأميم القناة وما أفضى إليه من تداعيات سياسية انتهت بالعدوان الثلاثي، لو انتظرت بضع سنوات معدودة لينتهي عقد الامتياز ( 99عاماً) وتعود ملكيتها لها؟

- المرحوم الأستاذ محفوظ على حق، لكن لا نستطيع أن نحكم على الأحداث خارج سياقاتها التاريخية وظروفها السياسية الملموسة، والذي دفع عبد الناصر للإقدام على تلك الخطوة نكوث أميركا وبريطانيا بتعهدهما لتمويل مشروع السد العالي.

بعد عامين من عدوان 56 دخلت مصر أيضاً في وحدة اندماجية مع سورية، ألا ترى أن هناك تسرعاً في إتمامها خاصة وأنها لم تستمر أكثر من ثلاث سنوات؟

- أتفق معك في ذلك، لكن التسريع بإتمامها جرى تحت إلحاح وضغوط السوريين الذين كانوا يخشون من تعاظم نفوذ الشيوعيين السياسي ووقوع سورية تحت حكمهم وبخاصة لما لهم من نفوذ في الجيش، وفي تلك الفترة كان عبد الناصر قد برز كزعيم للقومية العربية ولم يكن بوسعه تحدي الشعور القومي الجارف في سورية والعالم العربي ومقاومة تلك الضغوط.

نأتي لهزيمة يونيو 67 والتي ستحل ذكراها الخمسين في العام القادم، ألا ترى لولا الأخطاء الكبيرة السياسية والعسكرية التي وقعت فيها القيادة الناصرية لما وقعت الهزيمة أصلاً والتي مازال العرب يعانون من آثارها ونتائجها الكارثية سياسياً وحضارياً؟

- أتفق معك فيما لعبته تلك الأخطاء من دور في الهزيمة، وقد تناولت هذه الأخطاء بالتفصيل في مذكراتي « رحلة العمر... مصر وأميركا ... معارك الحرب والسلام»، وبخاصة غياب الديمقراطية، كما كان هناك تخبط في اتخاذ القرارات، لكن عبد الناصر لا يتحمل وحده المسئولية بالرغم من إعلانه ذلك بكل شجاعة في خطاب التنحي، ولا ينبغي أن نغفل العنصر التآمري الخارجي في الهزيمة، فقد اُستدرج عبد الناصر للحرب، وهكذا فأنت لا تستطيع أن تعلّق كل عثرات مصر وعثرات العرب أجمعين وانتكاساتهم طوال نصف قرن على مشجب «النكسة» حصراً، وعلى أي حال فقد استطاعت مصر أن تبني جيشها، وان تخوض حرب أكتوبر73 المجيدة وتسترد أرضها بالكامل بالوسائل العسكرية والدبلوماسية وبالقضاء الدولي .

ولكن مصر ياهي بمثابة «ربان السفينة»، بما تمثله من مكانة وثقل بين العرب وهي كانت رافعة المشروع القومي بقيادة عبد الناصر، ولا زال العرب تنتابهم الحسرة لعدم تمكنها من استرداد هذه المكانة التي تميزت بها طوال الحقبة الناصرية، وفي ظل هذا الضياع يزداد العرب تفتتاً... أليس كل ذلك من نتائج هزيمة يونيو؟

- أنا أعتبر احتلال صدام للكويت وما ترتب عليه من نتائج خطيرة هو المسئول الأول عن حدوث أخطر تفتت وانقسام في الصف العربي، وليس هزيمة 1967، وحتى لو انتصرت مصر والعرب في 1967 لا أحد يضمن مسار التاريخ سيسير كما يحلو للعرب محصنين ضد أي هزائم عسكرية أو كوارث سياسية بحجم هزيمة 1967، هذا إن لم يمروا بما هو أخطر منها، فحماقة صدّام في الكويت والاحتلال الأميركي للعراق لعناده أفضيا لسلسلة متواصلة من التداعيات، وصولاً إلى ما عليه العرب اليوم من انقسامات أشد بالإضافة إلى الحروب الأهلية. كما هو حاصل في سورية والعراق واليمن وليبيا. ولو وقف العرب مع مبادرة السادات في زيارته للقدس 1977 وساندوه فيها ثم في اتفاقيات كامب ديفيد 1978 لما جرى كُل ما جرى إلى يومنا هذا، لكنهم للأسف قاطعوا مصر، وكوّن فريق منهم «جبهة الصمود والتصدي» لمهاجمتها وتشديد مقاطعتها. والحقيقة أن قضية فلسطين قد استنزفت الشعب الفلسطيني ومصر والعرب كثيراً، وكان لابد من استشراف طريق آخر لحلها أقل كُلفةً ليتمكن الفلسطينيون والعرب من إعادة بناء أنفسهم، وهذا بالضبط ما كان السادات يسعى إليه من مبادرته.

العدد 5056 - الأحد 10 يوليو 2016م الموافق 05 شوال 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً