العدد 5061 - الجمعة 15 يوليو 2016م الموافق 10 شوال 1437هـ

من تاريخ الملكية في العراق

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

يوم الخميس الماضي الـ 14 من يوليو/ تموز بدا خاصاً جداً. فقد صادف ذكرى الكثير من الحوادث المهمة التي غيَّرت من وجه العالم. ففي الوقت الذي كان فيه سقوط سجن الباستيل منعطفاً حاداً في التاريخ الفرنسي الحديث (الذي يصادف ذات اليوم)، أصبح سقوط النظام الملكي في العراق مفصلاً قوياً في التاريخ العراقي الحديث. الفارق أن سقوط الباستيل في فرنسا كان إيذاناً بعصر الحرية وحقوق الإنسان، بينما كان سقوط الملكية في العراق إيذاناً بشلال من الدَّم وقمع الحريات، بدل أن يكون مدخلاً إلى نظام تعددي جمهوري يُحتَرم فيه الإنسان ويُحافَظ فيه على المكتسبات.

وحين كتبتُ مقالي المُعنوَن بـ «إصبع عبد الإله» في الـ 23 من يونيو/ حزيران الماضي، والذي تحدثتُ في جزء منه عن مذبحة قصر الرحاب في العراق التي أبِيْدَت فيها أغلب الأسرة المالكة، لم أكن أعلم أن ذلك سيقودني إلى معرفة أشياء أخرى عن تلك المجزرة وتلك الحقبة المهمة. وربما كان من الأشياء المهمّة التي تحصلتُ عليها هو كتاب «سلالة الطين» لـ عطا عبدالوهاب السكرتير الخاص للملك فيصل الثاني والأمير عبدالإله في العراق. وهو كتاب ثمين يحكي الكثير من الحوادث التاريخية ويُفسّرها.

كتاب «سلالة الطين» هو من 584 صفحة ويضم 3 أقسام مع مُلحَقَيْن ومجموعة شهادات وملاحظات ختامية. وعلى رغم أن الكاتب هو من مواليد 1924م أي أنه الآن في العقد التاسع من العمر، إلاَّ أن قلمه رشيق حين تقرأ له، ولسانه فصيح حين تستمع إليه. وربما منحه العمل في القضاء والدبلوماسية كل تلك القابلية الذهنية. الكتاب كله مهم ويُوثق لحوادث مهمة، لكن ما يهمني أكثر هو سيرته في الديوان الملكي العراقي كـ سكرتير خاص وما شاهده وعاصره.

كان الرجل يعتقد قبل أن يتعرف على الأسرة المالكة بأن الملك فيصل الثاني ما هو إلاّ «صبيّ غرّ مغلوب على أمره» والأمير عبدالإله الوصي على العرش وولي العهد متآمر «على العرش» وأنه «لا يعرف من شئون الدنيا سوى» ملذاتها كما كتَبَ في سلالة الطين. هذه الصورة تغيّرت بعد زيارة الملك والأمير إلى الولايات المتحدة الأميركية في العام 1952م ولقائه بهما وما تلاها، حين طُلِبَ من عطا عبدالوهاب بأن يعمل كـ سكرتير خاص في الديوان الملكي العراقي.

وبعد أن انتقل عبدالوهاب إلى العراق واستلم مهامه بدأت الحوادث تتسارع. وهو يُفسّر كل تلك الحوادث بطريقة خاصة. فمثلاً يتحدث أنه وعندما قُرِّر زواج الملك فيصل الثاني، بدا أن المستقبل السياسي للأمير عبدالإله يحتاج إلى حسم. فالملك لن يكون محتاجاً إلى وصي على العرش. وفي حال ورُزِقَ مولوداً ذكراً فإنه سيحلّ ولياً للعهد، وبالتالي يُصبح منصب الأمير عبدالإله لا معنى له، سواء في الوصاية على العرش أو في ولاية العهد. لذلك اقترح رئيس الوزراء العراقي الأسبق محمد فاضل الجمالي على الأمير عدة اقتراحات من بينها أن يكون مفتشاً عاماً للجيش العراقي.

لكن، الذي ظهر أن الأمير عبدالإله كان يميل إلى اعتزال العمل العام، وهو ما جعله يعيد تأهيل بيت جدّه الشريف حسين في تركيا، كي يتهيأ للانتقال فيه والتقاعد. وهذا الأمر يعيد مناقشة الأقوال التي كان (وما يزال) يُردّدها الكثيرون من القوميين والبعثيين وحتى السياسيين الإسلاميين من أن الأمير عبدالإله كان طامعاً في العرش، وربما كان مُدبراً لعمليات اغتيال (من بينها حادثة موت الملك غازي بالسيارة) قد تُعبد له الطريق للعرش، بعدما فقد أباه الملك علي بن الحسين حياته الملكية.

من الأشياء المهمّة التي تُقرأ من تجربة عطا عبدالوهاب هي المساحة التي تركتها الأسرة المالكه له؛ كي يقول أو يتحرك باتجاه إعادة النظر في العلاقة المتأزمة ما بين الحكم والمعارضة، كما حدث مع الإفراج عن كامل الجادرجي زعيم الحزب الوطني الديمقراطي. وهذا النوع من العمل والاستشارة بين دهاليز وأقطاب القصر الملكي يُشكل أمراً إيجابياً، حيث تُمنَح الشخصيات الوطنية (وليس الوشاة) فرصة التفكير ووضع الخطط المهدِّئة التي تزيل الألغام بين الشعب والحكم.

بالتأكيد، الحال لم يكن بكل تلك الإيجابية خلال الحقبة الملكية في العراق، فقد كانت هناك مساوئ كبيرة، أدّت «ربما» إلى زوال المُلْك عن تلك الأسرة المفجوعة، أبرزها إيكال المهام للآخرين وعدم الدراية الكافية بأوضاع الدولة. وكما يشير عبدالوهاب في أحد اللقاءات، في تفسيره عدم اكتراث الملك أو الأمير على سبيل المثال بالتحذيرات التي كانت تأتيهم من أن هناك مساعٍ لعملية انقلاب ضدهم، هو أنهم كانوا يعتقدون بأن هؤلاء الذي يُحذَّرُون منهم هم أصدقاء لهم، وبالتالي لا يمكن أن يقوموا بانقلاب ضدهم.

كما أن ذلك الابتعاد وإيكال المهام لمراكز قوى «موثوقة من وجهة نظرهم» جعل قرارات خاطئة تصدر، كإسقاط الهوية عن بعض المعارضين السياسيين واستخدام الجيش في الصِّدام مع الداخل (كما كان يشير إلى ذلك أحد القيادات البعثية في العراق وهو صلاح عمر العلي)، ما أنبتَ جذوة غضب داخلي، استثمرته التيارات القومية والبعثية واليسارية في الجيش العراقي، ومهّد الطريق للقيام بذلك الانقلاب الدموي في 14 يوليو/ تموز من العام 1958م. هذه جزء من التفسيرات.

في المحصلة، فإن ما جرى للعراق منذ العام 1958م ولغاية اليوم من نكبات، يجعل البعض يعيد الاعتبار لتلك الحقبة المنسية، ويقارنها بما جرى بعدها.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 5061 - الجمعة 15 يوليو 2016م الموافق 10 شوال 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 5:11 ص

      رغم كل مشاكل الحقبه الجمهورية في العراق الا انها لا تقارن بحقارة حقبة ما بعد الاحتلال الامريكي

    • زائر 9 زائر 7 | 7:24 م

      اخي العزيز غلطان لو تعرف كيف قتلو مور السعيد وجعلو ..

    • زائر 6 | 4:26 ص

      نرجو من الاخ محمد مواصلة الموضوع في الاعداد القادمة

      فهو موضوع تاريخي موثق وشيق وله اتصال بالواقع الحالي الآني المعاش ، مجرد اقتراح ليس الإ .
      وشكرا لكم .

    • زائر 5 | 4:21 ص

      اعادة الاعتبار لتلك الحقبة المنسية.

      في المحصلة، فإن ما جرى للعراق منذ العام 1958م ولغاية اليوم من نكبات، يجعل البعض يعيد الاعتبار لتلك الحقبة المنسية، ويقارنها بما جرى بعدها.

    • زائر 3 | 4:17 ص

      وإيكال المهام لمراكز قوى «موثوقة من وجهة نظرهم» جعل قرارات خاطئة تصدر،

      أن ذلك الابتعاد وإيكال المهام لمراكز قوى «موثوقة من وجهة نظرهم» جعل قرارات خاطئة تصدر، كإسقاط الهوية عن بعض المعارضين السياسيين واستخدام الجيش في الصِّدام مع الداخل (كما كان يشير إلى ذلك أحد القيادات البعثية في العراق وهو صلاح عمر العلي)، ما أنبتَ جذوة غضب داخلي، استثمرته التيارات القومية والبعثية واليسارية في الجيش العراقي، ومهّد الطريق للقيام بذلك الانقلاب الدموي في 14 يوليو/ تموز من العام 1958م. هذه جزء من التفسيرات.

    • زائر 2 | 4:12 ص

      عراق اﻻزل بين الجد والهزل

      العراق بلد الحضارات والمتناقضات منذ فجر التاريخ حضارته شاهده وتاريخه حافل واثره عميق على اﻻقليم والمنطقه وﻻيستقر على حال

    • زائر 1 | 10:20 م

      الله يعينك يالعراق اصبحت مكب للنفايات مثل لبنان بعد ان كان باريس الشرق

اقرأ ايضاً