العدد 5063 - الأحد 17 يوليو 2016م الموافق 12 شوال 1437هـ

«المحبة... فنسنت» تنشيط حياة فان غوخ بـ 62450 لوحة زيتية

فيلم رسوم متحركة يبحث لغز موته... ويُطلق في أكتوبر...

الرسام باتريك أرموسيويز يعمل على إحدى لوحات الفيلم
الرسام باتريك أرموسيويز يعمل على إحدى لوحات الفيلم

يستعد استوديو «Breakthru Films»، المنتج لفيلم الرسوم المتحركة «المحبة... فنسنت»، لوضع اللمسات النهائية للعمل الذي سيتم إطلاقه في أكتوبر/ تشرين الأول 2016، ويبحث الجانب الآخر من قصة موته الغامض، على امتداد 87 دقيقة، ويُعدُّ العمل الأول بصيغة الرسوم المتحركة الذي يتناول سيرة الفنان الهولندي العالمي فنسنت غوخ. الفيلم تنشيط لحياة غوخ، وسيتألف مع انتهائه من 62450 لوحة زيتية.

هل قلنا «قصة الموت الغامض»؟ يستند ذلك إلى السيرة التي كتبها كل من: ستيفن نايفة وغريغوري وايت سميث، وحملت عنوان «الحياة: فان غوخ»؛ حيث يريان أن الفنان قد يكون تعرَّض للقتل العَرَضي في حادث وقتها، حين كان صبيان يعبثان بسلاح وانطلقت منه رصاصة عن طريق الخطأ لتردَيه؛ على الضد من الرواية السائدة التي تقول بأنه قضى منتحراً.

الفيلم يتكوَّن من اللوحات التي أنجزها غوخ نفسه، عمد فيه القائمون عليه، إلى إجراء مقابلات مع شخصيات كانت قريبة إلى فان غوخ، وتمَّت الاستعانة بمئات الرسائل (800 رسالة) كتبها الرسّام، تحوي أحداثاً غاية في الأهمية تغطي الفترة التي سبقت وفاته.

يتشكَّل الفيلم أيضاً من 120 لوحة للفنان، ولإنجاز ثانية واحدة منه، هنالك ما يعادل 12 لوحة زيتية تقريباً، من خلال دمجها السريع؛ ما يجعلها تبدو وكأنها تتحرك.

كما شارك في الفيلم أكثر من 100 رسام عملوا على الإطارات وإنجاز الرسوم المساعدة لصناعة فيلم طويل من هذه النوعية.

جوانا بيريندت، ومن غدانسك في بولندا؛ حيث ورشة العمل في الفيلم، أنجزت تقريراً في صحيفة «نيويورك تايمز»، في عددها ليوم الجمعة (8 يوليو/ تموز 2016 )، نورد أهم ما جاء فيه، مع هوامش ضرورية اقتضتها بعض الإشارات والأسماء التي تضمنها التقرير.

فيلم بعْث الحياة

المشروع الذي تم إنجازه بجهد سينمائي شاق وبشكل مذهل، من أجل بعث الحياة في أيقونة اللوحات العالمية (فنسنت غوخ)، أنهى العديد من اللوحات في يوم واحد فقط.

ويقول صانعو «المحبة... فنسنت»، وهو فيلم سيرة ذاتية عن الفنان الهولندي، إنه أول فيلم طويل بالرسوم المتحركة، تمَّت صناعته بالكامل من اللوحات الزيتية المُذهلة على قماش، ويصل عدد لوحاته إلى 62450 لوحة، وكلها مستمدَّة إما من الأعمال الأصليَّة للفنان مثل «ليلة النجوم» (لوحة رسمها غوخ من خارج نافذة غرفته في المصحِّ العام 1889، وكانت عن ليل مدينة سان ريمي دو بروفنس؛ على رغم أنه رسمها في النهار، وأن كل ما رسمه هو من ذاكرته عن تلك الليلة التي رآها)، و «شرفة مقهىً في الليل»، (رسمت العام 1888 من مقتنيات متحف كرولر مولر أوترلو هولندا. اللوحة تخلو من توقيع غوخ، لكن تفصيلاً عنها تم الوقوف عليه من خلال رسائل الفنان إلى شقيقه وشقيقته، من بينها ما كتبه لشقيقته: «أعمل في الوقت الحالي، على لوحة تمثِّل الواجهة الخارجية لمقهىً ليلي. وعلى الشرفة كان هناك عدد قليل من روَّاده. ثمة فانوس أصفر كبير يُضيء الشرفة والواجهة الخارجية، ويُلقي ضوءه على حجارة الرصيف بنغمة اللون البنفسجي المائل إلى الوردي)؛ أو هي مُستوحاة بشكل كبير من قبل صاحب الضربات المتقِّدة باعتماده الفرشاة السميكة.

تسرَّبت إلى العالم نظرة خاطفة للتقدُّم الذي تم إحرازه في العمل عندما نُشر شريط دعاية للفيلم على الإنترنت في فبراير/ شباط، وأثار ضجَّة كبيرة بوصول مشاهديه إلى 115 مليون مشاهدة على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك». لكن ما لم يره المشاهدون هو العديد من الأيدي البشرية التي كانت من وراء هذا المشروع.

مُتاخمة الجنون

من بين 95 من الرسَّامين المُشاركين، يصل 65 منهم كل يوم وفي يوم قائظ إلى الموقع الضخم في متنزَّه غدانسك للعلوم والتكنولوجيا شمالي بولندا، من أجل إعادة تخيُّل لوحات فان غوخ وسط أدخنة كثيفة من الطلاء الزيتي.

في الشهر الماضي، امتلأ الموقع بصفوف وصفوف من المقصورات حيث ينهمك الفنانون في إنجاز اللوحات. المكان في الغالب يعمُّه الصمت؛ باستثناء أصوات المُعجبين. ومع ذلك، كان جوُّ المكان مشحوناً.

وقال المُنتج البريطاني هيو يلشمان، الذي يتولَّى عملية الفيلم هو وزوجته دوروتا كوبييلا، وهي رسامة ومخرجة بولندية، تحصَّلت على شهادتها من أكاديمية الفنون الجميلة ومدرسة السينما في وارسو: «ما يحدث هنا قد لا يحدث مرة أخرى». هذا، وستتولَّى كوبييلا إخراج الفيلم.

الرسَّام البولندي جيرزي ليزاك (39 عاماً) رسم في العامين الماضيين فقط أكثر من 400 لقطة، أو ورقة شفافة تستخدم في إنتاج الرسوم.

وقال: «من الواضح أنه تحقيق لحلم» العمل على منظر غرفة في أوبيرج رافوكس؛ حيث عاش فان غوخ هناك في نهاية حياته.

كوبييلا، التي أنجزت العديد من أفلام الرسوم المتحرِّكة القصيرة، في بلد يضم مجموعة من الرسَّامين في هذا المجال، أنجزوا الكثير، وقاموا بمدِّ هذا المشروع بالكثير من الرؤية. بعد إعادة قراءة خطابات الفنان إلى شقيقه ثيو، قرَّرت صنع فيلم رسوم متحركة من ثماني دقائق، يستند إلى أعمال فان غوخ.

يلشمان، والذي فاز فيلمه «بيتر والذئب» على جائزة الأوسكار لأفضل فيلم رسوم متحركة قصير في العام 2008، وقع في الحبِّ ليس فقط مع كوبييلا، ولكن أيضاً مع مشروعها، وأقنعها بتقديم فيلم طويل في هذا المجال.

وقال: «كنت أعرف أنه سيكون صعباً، وهو أمر يتاخم الجنون». وأضاف «لكن فنسنت يستحق أكثر من ثماني دقائق».

موضحاً أن «الفيلم سيتطلَّب منا التعاون مع 50 أو 60 رساماً، وكل منهم يجب أن تكون له القدرة على الرسم بسرعة وبمستوى جيد جداً».

كوبييلا: الاستيقاظ على موسيقى مانسيل

وقالت كوبييلا ووجهها بين يديها؛ إذ مازالت تبدو غارقة في حجم المشروع: «هذا الصباح فقط، استيقظت على الموسيقى الجديدة التي أرسلها مانسيل لفيلمنا»، مشيرة إلى كلينت مانسيل، المُلحِّن البريطاني الذي وضع موسيقى فيلم المخرج دارين أرونوفسكي «مرثية حلم» (فيلم نفسي درامي أميركي صدر في العام 2000، من بطولة إلين بورستين وجاريد ليتو وجينيفر كونيلي ومارلون واينز. مأخوذ عن رواية تحمل الاسم نفسه للكاتب هيوبرت سيلبي، الذي شاركَ أيضاً في كتابة النصِّ مع أرونوفسكي. الفيلم يلقي الضوء على الإدمان بمفاهيمه المختلفة، وكيف يغيّر حياة الأفراد، وليس إدمان المخدّرات فقط، بل أنواعاً مختلفةَ من الإدمان). وتشير كوبييلا إلى أن مانسيل هو «واحد من الملحنين الذين أفضِّلهم ليكتبوا موسيقى فيلمي».

ومن بين الجهات الفاعلة التي تلعب شخصيات اثنتين من اللوحات، المُرشح لجائزة الأوسكار مرتين، ساويرس رونان، في دور ابنة صديق فان غوخ الدكتور بول غاشي، وكذلك أيدين تيرنر، في دور الملاح ودوغلاس بوث، في دور نجل صديق آخر لغوخ، والذي يبحث في ظروف وفاة الفنان.

الدور المُهم في حبْكة الفيلم، يتصل وبعمق بحياة فان غوخ ووفاته في العام 1890، والتي وفقاً لبعض الدراسات الأخيرة - من بينها السيرة التي كتبها كل من: ستيفن نايفة وغريغوري وايت سميث: «الحياة: فان غوخ» - أن الفنان قد يكون قتل عَرَضاً في حادث عندما كان صبيَّان يعبثان بسلاح وانطلقت منه رصاصة عن طريق الخطأ، وهو على الضدِّ من الشائع بأنه انتحر. ووصل المؤلفان إلى هذا الاستنتاج بعد عشرة أعوام من الدراسة والبحوث شارك فيها أكثر من عشرين مترجماً وباحثاً.

أمضت كوبييلا وفريقها ثلاث سنوات في تطوير تقنية الرسم التي كانت تُستخدم لإعادة تخيُّل 125 عملاً لغوخ. الحدث الواقعي في تلك السيرة يتضمَّن العمل أيضاً. أولاً، تم تصوير الممثلين، سواء بمواجهة شاشة خضراء أو مجموعات تم ترتيبها لتبدو تماماً كاللوحات. وأصبحت اللقطات نقطة مرجعية للفنانين، ولمن رسموا أكثر من ذلك، إطاراً تلو إطار بالأصباغ الزيتية.

يُشار إلى أنه تم استخدام تقنية مماثلة في فيلم ألكسندر بيتروف «الشيخ والبحر»، في العام 1999، والذي حصل على جائزة الأوسكار لأفضل فيلم رسوم متحركة قصير.

12 لوحة لكل ثانية

كل واحدة من 1009 من اللقطات التي تمَّت في «المحبة... فنسنت» تتطلَّب لوحة زيتية جديدة؛ لجعل الرسوم تبدو متحركة، وكل ثانية من الفيلم الذي يقرب من 87 دقيقة، تحتاج إلى أن تتكوَّن من 12 لقطة رُسمت باليد؛ فيما صنْع إطار واحد يستغرق من ساعة إلى يومين أحياناً؛ ما يعني أن الرسام قد يقضي ما يقرب من شهر على ثانية واحدة من الفيلم.

في النهاية، ستكون هناك نحو 62450 لقطة، كل منها تحوي لوحة زيتية معقَّدة على قماش.

هناك أيضاً عشرات الآلاف من الإطارات مازالت في طوْر الإنجاز؛ وليس هناك الكثير من الوقت إذا أُريد للفيلم أن يكون جاهزاً للعرض، كما هو مخطط له، في أكتوبر تشرين الأول المقبل. (يتطلع المنتجون أن يُوضع بالاعتبار في حفل توزيع جوائز الأوسكار المقبلة).

وقالت كوبييلا: «إن التحدِّي الأكبر الآن هو التوفيق بين المحافظة على الجودة العالية للوحات مع جدولنا الزمني الضيِّق جداً».

وقد تأخر إنتاج العمل مرات عديدة، وكان الجانب التمويلي واحداً من أكبر العقبات، بسبب رفض المستثمرين تمويل مثل هذا المشروع التجريبي. في نهاية المطاف كان على المنتجين العمل بموازنة متواضعة نسبياً في حدود 5 ملايين و 500 ألف دولار. وبالمقارنة، فإن فيلم الرسوم المتحركة الحاسوبي، الذي أنتجته شركة بيكسار «البحث عن دوري»، بلغت كلفة إنتاجه 200 مليون دولار، ووصلت إيراداته في نهاية المطاف إلى 653 مليون دولار. تعرض الأحداث في «البحث عن دوري» بعد عام كامل من فقدان نيمو، حياة السمكة الزرقاء الأخرى»دوري» والتي كانت تعاني من فقدان الذاكرة، والتي كانت تبحث عن والديها.

تمَّت دعوة المرشَّحين للقيام بالأدوار لعدد من الاختبارات، إلى جانب 18 يوماً من التدريب؛ حيث كان عليهم أن يتقنوا كلاً من النمط الذي كان عليه فان غوخ، وتقنيات الرسوم المتحركة.

فيلم سيصنع التاريخ

من جانبه، قال المنتج شون بوبيت: «لم تكن هنالك ضمانات للناس، على سبيل المثال، ممن جاءوا من كندا، بأنهم سيبقون هنا. كانوا يعرفون بأننا لن نسدِّد لهم ثمن التذاكر أو الإقامة في الفنادق».

وأضاف «أعتقد أن هناك الكثير من الناس العاشقين لفنسنت غوخ والمعجبين بلوحاته، والمؤكد أنهم مهتمُّون بحياته. السبب الذي جعل هيو (يلشمان) يقرِّر التخلي عن فكرة انجاز فيلم قصير، والذهاب إلى انجاز فيلم طويل هو ذلك المعرض الذي ضمَّ رسائل فان غوخ في لندن؛ علاوة على الطابور الطويل من الناس الذين كانوا يقفون لساعات ليتمكَّنوا من قراءتها؛ ما يعني أنهم لا يهتمون بفنه فقط، بل بشخصه أيضاً».

من جانبها، قالت تيفاني مانغ (24 عاماً)، وهي فنانة من لوس أنجليس، إنه لم يدرْ في خلْدها النجاح في الامتحان، عندما قطعت رحلة استغرقت 15 ساعة للوصول إلى غدانسك.

مضيفة في اليوم العاشر من تدريبها «لم أعش أو أسافر وحدي قط، ولكن كان عليَّ أن أغتنم هذه الفرصة الجنونية. هذا الفيلم سيصنع التاريخ، وهذا أمر مؤكد».

إحدى لوحات الفيلم
إحدى لوحات الفيلم
لوحة «شرفة مقهىً في الليل»
لوحة «شرفة مقهىً في الليل»




التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً