العدد 5064 - الإثنين 18 يوليو 2016م الموافق 13 شوال 1437هـ

الشأن المغاربيّ... كوابيس ليلة نيس أو هذا العالم المجنون

سليم مصطفى بودبوس slim.boudabous [at] alwasatnews.com

-

ماأزال في كابوس منذ شاهدت الصور ليلة الفاجعة، وماأزال أهذي وأرثي لهذا الزمن الذي نعيش. أيّ إنسان عاقل رأى ما جرى لا يصدق أنّ الفاعل إنسان. وجدتني لساعات عاجزاً عن الفهم والاستيعاب والتحليل، أسأل وأسأل ولا من مجيب، حتّى ذهبت كغيري من أهل هذا البلد الطيّب إلى مقرّ السفارة الفرنسية مساء يوم السبت 16 يوليو/ تموز 2016 للمشاركة في الوقفة التضامنية مع الشعب الفرنسي تحت شعار «هذي هي البحرين»، وهناك وجدت صديقاً فرنسياً (مسيو شال) مدير المدرسة الفرنسية بالبحرين، ولم تكد كلمات الأسف والمواساة تخرج من فمي حتى قال لي، وقد فهم ما يجيش بخاطري، وكأنه يواسيني: «لا عليك سليم... فالعالم مجنون».

«العالم مجنون» هل هذه هي الإجابة التي كنت عنها أبحث والتي قد تُشفي غليلي؟

هي عبارة تلخص طريقةً في فهم ما لا يُفهم، أي ما لا يقبله العقل: العالم مجنون، أي ما عادت تحكمه قواعد منطقية ولا معايير أخلاقية ولا قيم إنسانية. ذلك ما حدث مساء الخميس 14 يوليو 2016 في مدينة نيس، حين دهس محمد لحويج بوهلال المارة والمحتفلين باليوم الوطني الفرنسي في الشارع العام قريباً من البحر في مدينة «نيس».

لكن هل تجدي التحليلات والتأويلات، والاستنتاجات والتداعيات نفعاً بعد أن حدث الذي حدث؟ قطعاً لا. لكن قد تجنّبنا حماقات أخرى من الممكن أن ترتكب. فمن الذي زيّن لهذا الشاب الفرنسي ذي الأصول التونسية وهو يدشن عقده الرابع من العمر (31 سنة) أن يُجنّ بهذا الشكل فيدهس الناس ويجرفهم تحت عجلات شاحنة كبيرة ثقيلة؟ من الجهة التي تقف وراءه؟ كيف سوّلت له ولها أنفسهم أن يقتلوا بهذا الشكل جموعاً من الأبرياء؟

خاض المحللون في الأسباب، فمن قائلٍ بأن الدافع النقمة على وضعه بوصفه مهاجراً عربياً أو من أبناء المهاجرين العرب؛ إلى قائلٍ بأن الجاني يعيش حالة اجتماعية ونفسية واكتئاباً... إلى قائلٍ بأنّ تنظيم «داعش» يقف وراء هذه الحاثة المؤلمة.

أيّ عالم مجنون يجعل شاباً عربياً مسلماً يُقدم على أن ينتقم من أناس يعلم جيداً أنّهم أبرياء؟ فإن كان منتقماً فلا بد أنْ يعطي لانتقامه معنى، فيفعل ما يفعله مع من يسيء إليه مباشرةً كرجال الأمن أحياناً، أو من يهينه في العمل أو غيره. لكنّ الجاني خالف قواعد الانتقام فلا هو يعاني من مثل هذه الإساءة على الأقل فيما رُوي عن أخيه، فيما تناقلته بعض الصحف العالمية. وأمّا من قال أنه يعيش أزمات اجتماعية مع زوجته وأنه ربما مصاب باكتئاب..إلخ، فهذا ما لم يقم عليه دليل قطعيّ، ولا يبرّر دهس الناس.

وفي هذه الحال لم تبق إلا احتماليّة ضلوع «داعش» في تنفيذ حادث نيس بفرنسا؛ حيث لا يكفي المختصّين أن تتبنّى «داعش» مثل هذه الحادثة، وتعدّها إنجازاً خارقاً بل وتفتخر بها كما تعوّدت أن تفعل، بل يستند المختصون إلى الأدلة القاطعة؛ فقد أكّدت قناة cnn أن الهجوم واضح ومنظم، بدليل أن منفذ الهجوم كان بحوزته أسلحة، وهو أمر صعب للغاية، إذ إنّ شراء الأسلحة في السوق السوداء بفرنسا يحتاج شبكةً. كما أنّ الهجوم خطط له بصورة جيدة خلال تواجد كثيف للناس في نيس، وهذا الهدف معروف ومنشود لدى «داعش»، فالتنظيم يسعى وراء إلحاق أكبر قدرٍ من الضحايا والأضرار الممكنة.

والحال هذه، ما الدين الذي تستند إليه «داعش» في تحليل دماء الأبرياء للإنتقام من مشاركة فرنسا في حربها ضد التنظيم في سورية والعراق؟ كيف فكّر هؤلاء وأجازوا لأنفسهم أن يقتلوا بدم بارد دهساً تحت عجلات شاحنة، عشرات الأبرياء ويصيبوا بجروح متفاوتة ما يربو عن المئتين؟

لقد نقلت إعلامية شرقية تقيم في لندن، وكانت تقضي عطلةً بالجنوب الفرنسي، أنّ «عدداً كبيراً من المسلمين» هم بين ضحايا «شاحنة نيس»، ورأت بنفسها رؤوس بعضهم مغطاةً بحجاب وأوشحة أو زيّ عربي، في إشارةٍ إلى نساء ورجال، وهي شهادة تشير إلى أن سائق الشاحنة كان يرى من نافذتها عرباً ومسلمين بين من انقضّ بها عليهم ودهسهم، لكنه لم يعرهم اهتماماً، بل أمعن في الدهس مسافة كيلومترين، حصد فيها العشرات.

هل هو جنون المال؟ فتنظيم «داعش» يغدق على من يقوم بهذه الأعمال «البطولية» وصحيفة «تليجراف» البريطانية كشفت عن أن منفذ الهجوم قد حوّل مبلغاً مالياً كبيراً، 84 ألف جنيه استرليني (نحو 110 آلاف دولار) إلى حساب شقيقه في تونس قبل أيام من تنفيذه العملية، والحال أنّه كان في العادة يحوّل مبالغ بسيطة إلى عائلته في تونس على غرار معظم العاملين في الخارج، إلا أن المبلغ الذي أرسل أخيراً «ثروة»؛ الأمر الذي فاجأ العائلة. فهل أعمى المال قلبه، فباع ضميره، وقتل عقله قبل أن يقتل الأبرياء. إنه الجنون يا صديقي! جنون العالم!

في هذا العالم المجنون، من منّا ما زال يأمن على نفسه المشي في الشوارع؟ أو الجلوس في المطاعم؟ أو حضور المهرجانات؟ أو ركوب الطائرات أو حتى دخول المساجد أو الكنائس أو المعابد؟ فنحن جميعاً كفّارٌ، دمنا مستباحٌ عند تنظيم «داعش»، فقط لمجرد أن نقول: «إنكم على خطأ»، وإنْ أتينا بملء البحر حججاً، فلا هي تجدي معهم نفعاً، ولا هم لنا من السامعين. نحن جميعاً كفّارٌ مستباحٌ دمنا، لمجرد أن تدافع دولنا عن نفسها وشعبها وتحمي مقدراتها ومقدساتها من جنون العالم! فأيّ عالم مجنون هذا؟

إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"

العدد 5064 - الإثنين 18 يوليو 2016م الموافق 13 شوال 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 6:26 م

      اقرأ مقالك في منتصف اليل يغمرني الحزن و اشعر بنقص شديد في حياتي.. اود ان افعل شيئ.. لا استطيع ان اتحمل هذه المآسي.. و منتظرة مقالك عن كابول.. لا اعلم الى اين سنصل في عالم يتصارع فيه التطور والجاهلية.. ينجز فيه البعض.. و يهدر دم البعض.. لا بد من رسالة او هدف لمتلقين هذه الأحداث,, اقصد بهم من لم يقع ضحية بعد... ماذا علينا ان نفعل غير ان نحزن و نقدم التعازي؟ اود ان اكتب مقال عن ذلك...

    • زائر 1 | 7:35 ص

      للاسف نشعر بأسى وحسرة على ما أصاب عالمنا
      نعم هو الإنسان أصابه الجنون

اقرأ ايضاً