العدد 5070 - الأحد 24 يوليو 2016م الموافق 19 شوال 1437هـ

«موسم الهجرة إلى الشمال» للطيب صالح في المركز الثامن

ضمن أهمِّ 10 كتب على قائمة جاكسون...

غريغ جاكسون - الطيب صالح
غريغ جاكسون - الطيب صالح

ضمَّن الكاتب والقاص غريغ جاكسون، رواية «موسم الهجرة إلى الشمال» للروائي السوداني الراحل الطيب صالح، قائمته التي تكوَّنت من 10 إصدارات عالمية، ونشرها في صحيفة «الغارديان» يوم الأربعاء (1 يونيو/ حزيران 2016)؛ حيث رأي أن قراءة تلك الكتب «ستجعل منك شخصاً أفضل»، بفعل الأثر الذي ستتركه، وبسبب القيم والأفكار واللغة التي تحتويها؛ حيث احتلت رواية صالح المركز الثامن. ربما لم تدخل الرواية قائمة الأعمال العالمية ضمن استطلاع مؤسساتي أو أكاديمي هناك، لكنها تظل واحدة من أهم الروايات في النصف الثاني من القرن العشرين، ضمن مئة رواية على مستوى الوطن العربي. وكونها لم تدخل قوائم التصنيف العالمي؛ لا يعني أنها لم تُلاقِ الكثير من القبول عالمياً بصدور ترجمتها الإنجليزية بواسطة دنيس جونسون ديفز، ومن بعْدُ إلى الروسية بواسطة فلاديمير شاجال، وترجمات أخرى.

الرواية باشتغالها على العلاقة المُلتبسة بين الشرق والغرب، تفتح الباب مشرَّعاً على موضوع تفاعل الثقافات، وصورة الغربي في عيون الشرقي، والعكس، بهيمنة الصورة النمطية لدى الأول، والتي تتحدَّد في أن الثاني يظل مُرتبطاً بعالم مكتظ بالسحر والرومانسية، وبالضرورة الغموض. ذلك الغموض، هو في جانب منه، ما أوجد مثل الصورة النمطية تلك.

يُشير جاكسون في مُقدِّمة عرْضه لقائمة العشرة كتب، إلى مجموعته القصصية «المُسرفون»، قائلاً، إنه عند كتابتها لم يكن ينوي أكثر من أن يمنح صوتاً للتوترات التي شعر بها وهي تشدُّه بعيداً عن الداخل «أي توترات»؟ الرغبة في المجموع، عندما نقيس قيمتنا ضدَّ ما يقابلها من قيمة. الرغبة في الشهرة، عندما نعرف أنها مُبعث سُموم. الحاجة إلى أشخاص آخرين، عندما يكونون جميعاً في وضع يجعلهم لا يُطاقون. الحاجة إلى القيام بالعمل الذي يُعالج الرُّوح، عندما نعيش في عالم لم يعد يؤمن بالروح. الرغبة في الهويَّة عندما نعرفها، تلك التي لن تكون أكثر من مجرد خيال ملائم... هل يمكن أن أحوِّل مثل ذلك الارتباك الذي أعيشه إلى تناقض مع وقف التنفيذ؟

أن تكون قريباً من نفسك

يتناول جاكسون الكتبَ التي يُمكنها أن تُحدِث تحوُّلاً في الإنسان، وتجعله شخصاً أفضل بكثير. الكتب يمكنها أن تفعل ذلك، بما تحويه من قدرة على لفت نظر الإنسان؛ ليس إلى الأشياء التي يجهلها من حوله، بل إلى تلك التي يجهلها عن نفسه. تلك القريبة منه، أو تلك التي يظن أنها قريبة منها، فيما هي بعيدة بشكل شاسع. يمكن لتلك الكتب أن تحدث ذلك التقريب في المسافة بينك وبين نفسك. الكتب التي تملك احترام الصدقية والأمانة في الكلمة، والمؤدَّى الذي يُمكن أن تحملنا إليه. يتحدَّث هنا عن كتب صانعة للوعي، وأخرى خالقة له. بين الصناعة والخلق بون شاسع. الخلق أسمى درجة.

آخر شيء يمكن أن تكون له أهميه بالنسبة إلى جاكسون، يتحدَّد في الكتب التي تحترمه - كقارئ - بما يكفي في توجُّه معالجتها بكل صدق وصراحة، مع عدم اهتمامه بالأساطير المطمئنة في حدود تقديرنا الذاتي، وسيجد القارئ الكتب في هذه القائمة. ليست جميعها في حال تفاؤل دائم، لكنها تشير إلى أننا قد نرى أنفسنا بوضوح، أو نرى عدم قدرتنا على رؤية أنفسنا بوضوح. بوضوح يتيح لنا تبادل الحقائق الخاصة في الأماكن العامة، أو العثور على كلمات الظلال الهاربة. للخبرة التي لديها قيمة كبرى بالنسبة إلينا، وعند القيام بهذه الأمور، تقدم لنا تلك الكتب الأمل نفسه. فالمسألة تتحدَّد في قدرة الكتاب على تقديم جرعة من أمل، تمنح القارئ القدرة على مواجهة ما يظنه صعباً ومستحيلاً ويجب الهروب من تبعاته. تلك الكتب تحول بينك وبين ذلك الهروب.

تشبه «قلب الظلام»

عن رواية «موسم الهجرة إلى الشمال» للروائي الطيب صالح، التي حلَّت في المركز الثامن في قائمة جاكسون، كتب عنها قائلاً، هي عمل روائي مُحْكم في مُجمله، كما هو الحال مع رواية «قلب الظلام» - وستأتي الإشارة إليها في ثنايا هذه الكتابة - ولكن في اتجاه معاكس؛ حيث قصة رحلة الانتقال من بلدة صغيرة في السودان إلى مجتمع النخبة في العاصمة البريطانية (لندن) والعودة مرة أخرى، هذا العمق الذي لا يُدرك، والكلاسيكية بعيدة المنال في مفاصل قائمةٍ في الأدب العربي، تظل مفتوحة، وهي بذلك تعمل على تقديم وفرض نفسها على حيوية الأدب العالمي. لا يستكشف صالح فقط تآكل الاستعمار النفسي المرصود من قبل فرانتز فانون، ولكن يستكشف وبشكل أكثر تعقيداً، الاستشراق في اتجاهين، في اتجاه سحْر لا يمكن إنكاره في الفكر الغربي، متجسداً في الشعر والمُثل الليبرالية، وفي إثبات عدم القدرة على مقاومة تلك المُثُل، ما يدفع الرواة السودانيين إلى فهم مثل هذه الأمور، والنظر إليها مثل ثمرة مُغرية لشجرة مسمومة.

الرواية القصيرة «قلب الظلام» للبولندي البريطاني جوزيف كونراد، كتبها في العام 1902. تحكي عن رحلة إلى نهر الكونغو في دولة الكونغو الحرة، في قلب إفريقيا، وتقوم فكرتها الرئيسة على أن هناك فارقاً بين ما يسمى بالشعوب المتحضرة وهؤلاء الذين وصفوا بالمتوحِّشين. وقد أثارت الرواية تساؤلات مهمَّة حول الإمبريالية والعنصرية.

ربما علينا أن نقف على إلماعات من خلال استلالها من فضاء اتسم بالسحرية في الحوارات التي تضمَّنتْها الرواية «إنني أريد أن آخذ حقي من الحياة عنوة.أريد أن أعطي بسخاء، أريد أن يفيض الحب من قلبي فينبع ويثمر. ثمة آفاق كثيرة لابد أن تزار، ثمة ثمار يجب أن تقطف، كتب كثيرة تقرأ، وصفحات بيضاء في سجلِّ العمر، سأكتب فيها جُملاً واضحة بخط جريء».

وكأن تلك السحرية لا تنفك تتدافع في بنية العمل الروائي، مشكِّلة واحدة من الأعمال التي يبدو أنها نُحتت نحتاً ولم تتم كتابتها فحسب «وانتشر دم المغيب فجأة في الأفق الغربي كدماء بين من ماتوا في حرب عارمة نشبت بين الأرض والسماء. وانتهت الحرب فجأة بالهزيمة، ونزل ظلام كامل مستتبٌّ احتل الكون بأقطابه الأربعة».

سبقت صامويل هانتنغتون

استقبلت الرواية استقبالاً حافلاً في الأوساط الأدبية العالمية، بعد ترجمتها إلى اللغات الحية، ولعلَّ الألمان كانوا من بين أكثر الشعوب الأوروبية إقبالاً على الرواية، وخصوصاً في أوساط الأكاديميين والنخبة، وبطبيعة الحال الأدباء الألمان أنفسهم. يعرض الباحث والأكاديمي حامد فضل الله في مقالته التي كتبها تحت عنوان «الروائي الطيب صالح في عيون الألمان» بتاريخ 19 فبراير 2016، بعض آراء المستعربين والكتَّاب الألمان، الذين قدَّموا شهادات تنمُّ عن اعتراف بعبقرية الطيب صالح وتفرُّد أسلوبه والعوالم التي اشتغل عليها، من بينهم هانز بيتر كونش، الذي أشار إلى أن «موسم الهجرة إلى الشمال» ومنذ نشرها للمرة الأولى في منتصف الستينات «توطدت (ككتاب مقدَّس) في أوساط المثقفين، وهي الآن في مصاف الأدب العالمي، لفترة طويلة قبل أن يصدر صاموئيل هانتنغتون كتابه (صراع الحضارات)، تطرّق الطيب صالح إلى هذه الموضوعة كشرخ ينسحب ويتجلَّى في بعض المصائر الفردية لشخصيات الرواية».

أما ريجينا قرشولي، فكتبت «أعمال الطيب صالح كانت من أجمل المصادفات السعيدة في حياتي كمترجمة للأدب العربي إلى اللغة الألمانية، لا أستطيع أن أقول ما هو العمل الذي شغلني وأثر بي أكثر من غيره من أعماله. أهي رواية (موسم الهجرة إلى الشمال) ببنيتها المحكمة التي بلغت حدَّ الكمال في حبْك كل ما في التلاقي بين الحضارات من تناقضات في كل متجانس؟ أو (...)».

«لورد جيم»... كونراد

جاءت رواية «لورد جيم» لجوزيف كونراد، في المرتبة الأولى على القائمة، وتستند إلى قصة حقيقية، من خلال باخرة بريطانية تحمل الحجَّاج إلى مكة المكرمة، وتم التخلي عنها من قبل طاقمها. ترصد رواية كونراد الرئيس جيم، الذي يسعى من أجل تجاوز فشله المهني والأخلاقي. بمعنى آخر محاولة التصالح مع ماضيه، بعد أن تم توجيه اللوم له. كل شيء في الرواية مروِّع مثل سابقاتها من روايات كونراد، لورد جيم يظل يحوم حول سر المصيرية، وتلك القفزة المتهوِّرة التي يقوم بها،

يشار إلى أن الرواية نشرت في الأصل كمسلسل في مجلة «بلاكوود» في أكتوبر/ تشرين الأول 1899 حتى نوفمبر/ تشرين الثاني 1900. وفي العام 1998، وضعت المكتبة الحديثة الرواية في المرتبة الخامسة والثمانين على قائمتها ضمن أفضل مئة رواية مكتوبة بالإنجليزية في القرن العشرين.

وفي المرتبة الثانية حلَّت رواية «مذكرات مناهض للسامية» لغريغور فون ريزوري؛ حيث القصص الخمس التي تتكوَّن منها هذه «الرواية» لا تتشابك في ما بينها، ولا تَشَارُك فيها بين بطل الرواية، ولكنها ببنائيتها تحمل على استحضار غني وفريد لوسط أوروبا في سنوات أفول الإمبراطورية النمساوية المجرية. في مركز كل قصة ثمة موقف هو على متاخمة مع الالتباس بالنسبة إلى المؤلف: تتبُّع موضوعةِ مناهضة السامية يأخذ أكثر من طابع مُركَّب سرعان ما تبدو هشاشته في السنوات التي تقترب فيها الإمبراطورية من الأفول. ثمة توظيف للأساطير المحلية، ضمن مسارات تدخل في خدمة تلك المعاداة، وهي بمثابة مادة إغراء هنا، تدفع إلى مثل تلك الممارسة. المذكرات وإن ركَّزت على الذاتي في شخوص أبطالها، إلا أنها تقدِّم الأخلاقيات المضمرة والشرسة، تلك التي تبدو أحياناً هفوات أخلاقية عارضة ولكنها تحمل مخاطرها.

يشار إلى أن غريغور فون ريزوري، كاتب نمساوي، ومن أكبر الأسماء التي عرفها الأدب النمساوي في التاريخ الحديث. مارس مهنة الصحافة والسينما، إلى جانب ممارسة التمثيل في 15 فيلماً في الفترة ما بين 1954 و1981. له من الإصدارات: «أوديب في ستالينغراد» و «على آثاري: مذكرات».

«نجمة» بولانو

«نجمة بعيدة» لروبرتو بولانو في المرتبة الثالثة، وهي خلاصة عبقرية بولانو، وتحكي قصة صعود الشاعر التجريبي كارلوس ويدير؛ حيث المكانة البارزة التي حظي بها خلال سنوات حكم الجنرال بينوشيه، والفن الهمجي الذي قام بتطويره في ظل الدكتاتورية. العمل كُتب باعتباره قصة بوليسية، بحيث تتحوَّل إلى عين مفتوحة، وقوفاً على حماقة المثالية الأدبية ووحشية الرؤى الشمولية في الفن.

ومن بين الأعمال التي أخذت مكانها في قائمة غريغ جاكسون، وبحسب الترتيب، والتي سنقوم بعرض لها في كتابات مقبلة، نظراً إلى ضيق المساحة هنا، المجموعة القصصية للكاتبة المسرحية الأميركية ديبورا إزينبرغ (1945م)، وفي المركز الخامس «السفينة»، للكاتب الأميركي من أصل فيتنامي نام لي؛ حيث استقبلت بحفاوة كبيرة من قبل النقاد والقراء على حد سواء. يرأس نام لي حالياً تحرير مجلة «هارفارد ريفيو».

أما المركز السادس، فهو كتاب يضم مجموعة مقالات لوالاس شون (ولد في 12 نوفمبر 1943)، وهو واحد من أشهر الممثلين الأميركيين، وأحد أشهر الكتَّاب في هذا المجال. بدأ مسيرته الفنية في العام 1967.

وفي المركز السابع، المجموعة القصصية لغريس بالي، أما المركز التاسع، فمجموعة المقالات التي حملت عنون «الحرب والإلياذة» لكل من سيمون ويل وراشيل بيزبالوف، أما المركز العاشر فاحتله كتاب «المهاجرون» لسيبالد، والذي يفتح فيه ملف المحرقة، والأهوال التي نتجت عن الحرب العالمية الثانية في منتصف القرن الماضي، من خلال التركيز على الخبرة الفردية في بعض تفاصيلها التي تبدو صغيرة.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 2:27 ص

      رواية رائعة

      الروايات الأمريكية لا تنافس بأي معيار روايات الأديب والكاتب الروسي تولستوي. هذا حسب اغلب النقاد العالميين

اقرأ ايضاً