العدد 5078 - الإثنين 01 أغسطس 2016م الموافق 27 شوال 1437هـ

الشأن المغاربيّ... مسلسل التحوّل الديمقراطي في تونس

سليم مصطفى بودبوس slim.boudabous [at] alwasatnews.com

-

من المنتظر أن يعلن رئيس الجمهورية التونسية الباجي قائد السبسي اسم رئيس حكومة الوحدة الوطنية في غضون أسبوعين، لتبدأ الحكومة الجديدة عملها في القريب العاجل، وذلك على إثر تصويت مجلس نواب الشعب التونسي يوم السبت 30 يوليو/ تموز 2016 بغالبية ساحقة بحجب الثقة عن حكومة رئيس الوزراء الحبيب الصيد التي تتعرض لضغوط منذ أن اقترح الرئيس السبسي مطلع شهر يونيو/ حزيران الماضي تأليف حكومة وحدة وطنية.

نعم هي محطةٌ جديدةٌ من مسلسل التحول الديمقراطي في تونس؛ فقد أبى رئيس الحكومة تقديم استقالته، كما طُلِبَ منه، بشكل مباشر أو غير مباشر، بعد مبادرة رئيس الجمهورية الداعية إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية. فقد ضرب الحبيب الصيد بطلبات بعض النواب بالاستقالة وحتى تهديداتهم المبطنة، عرض الحائط وتوجه، محترماً دستور البلاد، إلى مجلس نواب الشعب بطلب منح الثقة في جلسة علنية يوم السبت الماضي فكانت المصارحة والمحاسبة.

وقال الصيد في خطابه أمام النواب قبل التصويت على الثقة: «اليوم جئت ليس لأحصل على 109 أصوات حتى أظل (في الحكم)، جئت لأبسط الموضوع أمام الشعب وأمام النواب». وكان الكثير من النواب قد أشادوا في مداخلاتهم بـ»نزاهة» الصيد، لكنهم انتقدوا حكومته التي تألفت قبل سنة ونصف سنة، واتهموها بعدم التحرك بفاعلية في مرحلة حساسة تمر بها البلاد. إذْ على رغم نجاح تونس في انتقالها السياسي بعد ثورة 2011، لا يزال اقتصادها يواجه أزمة خانقة تلقي بظلالها على الوضع الاجتماعي وخاصة القدرة الشرائية للمواطن، فضلاً عن تواصل مسلسل البطالة وخصوصاً بين حاملي الشهادات العليا. كما كانت تونس ولا تزال، وكغيرها من الدول في المنطقة بل في العالم، مستهدفة من طرف الجماعات الجهادية المتطرفة. وعلى رغم النجاحات الأمنية التي يمكن أن تحسب في رصيد حكومة الحبيب الصيد فإنّ الهاجس الأمني يظل مهيمناً على البلاد.

لكن اللافت في هذه المحطة السياسية التي وُصِفت بـ»المسرحيّة الهزليّة الماكرة» من قبل بعض التيارات الديمقراطية في المعارضة، أنّ مَنْ منح الثقة لهذه الحكومة منذ 18 شهراً وهم أحزاب الائتلاف الحاكم الأربعة، يسحبونها منه وذلك بطلب من رئيس الجمهورية الذي وجد لنفسه باباً في الدستور يخوّل له تقديم هكذا مقترح. غير أنّ هذا المقترح جاء بعد انشقاقٍ ضرب حزب الغالبية في مجلس نواب الشعب، حزب نداء تونس، وهو ما أثر سلباً على المسار السياسي، خاصة أنّ هذا الحزب خليط بين تيارات كثيرة ورجال أعمال وكوادر حزبية قديمة في نظام الرئيس المخلوع... اجتمعوا ذات صيف في 2012 على تكوين جبهة قوية ضدّ حكومة الترويكا آنذاك، وبالخصوص ضد حركة النهضة. ونجحوا في مشروعهم وصنعوا الحدث في انتخابات 2014 التشريعية والرئاسية. غير أنّ حقيقة ممارسة الحكم أظهرت مشاكل بالجملة، وذلك على رغم تكوين ائتلاف حاكم مع أحزاب وازنة في مجلس نواب الشعب، وعلى الرغم كذلك من سكوت بعض الأبواق الإعلامية عن النقد كما فعلت مع حكومات ما بعد الثورة.

إنّ مبادرة رئيس الجمهورية التونسية (تكوين حكومة وحدة وطنية) يرى فيها معارضون من الجبهة الشعبية خصوصاً، مسرحيةً لتعيين «رئيس حكومة جديد مطيع»، خاصّة وأنّ «وثيقة قرطاج» التي خرجت بها الأحزاب التسعة المشاركة في المشاورات بشأن حكومة وحدة وطنية لا تختلف عن برنامج حكومة الصيد. وقد لا يكتب للحكومة القادمة النجاح باعتبار أن نفس الأسباب تؤدي بالضرورة إلى نفس النتائج. كما أنّ «الائتلاف الرباعي لم يفلح فما بالك بائتلاف يضم تسعة أحزاب قد يطغى على اختياراتها المحاصصة الحزبية».

إنّ المسئولية السياسية الملقاة على عاتق الحكومة المُقالة كبيرةٌ خلال الأشهر القادمة، باعتبار أنّ أمر تشكيل حكومة جديدة يتطلب بعض الأشهر. لذا فإنه من واجب أعضاء الحكومة التونسية الحالية التي باتت في حكم حكومة تصريف الأعمال فحسب، مواصلة العمل والقيام بكافة المسئوليات وتجنب الارتخاء والتكاسل في العمل الذي تتحلى به حكومات تصريف الأعمال عادة. كما أنّ التحدي كبير جداً أمام الحكومة القادمة، كونها ترث حملاً ثقيلاً من الملفات الحارقة والمصيرية، خاصة مع تنامي الأصوات المعارضة لقانون المصالحة الاقتصادية مع رجال الأعمال الذين عُرفوا بالفساد.

إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"

العدد 5078 - الإثنين 01 أغسطس 2016م الموافق 27 شوال 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 7:43 م

      تونس تؤسس بتقاليد جديدة في المنطقة
      كل التوفيق لها

    • زائر 2 | 5:28 م

      "نفس الأسباب تؤدي بالضرورة إلى نفس النتائج"
      فعلا هو المُتوَقّع، لكن هل ستستطيع حكومة تصريف الأعمال، إنقاذ ما يمكن إنقاذه، في ظل رداءة الوضع وتردّيه؟ عسى أن تنقذ ما يمكن إنقاذه...
      تحدث عدد من النواب صراحة، في تلك الجلسة، عن "ضغوطات" و"تهديدات" ذَكرَها الحليب الصيد في فترات سابقة، لكنها بقيت مجهولة، وذلك التكتم والتستر والصمت، قد يجعل نفس الأطراف "الضاغطة والمُهدِّدة" تزيد من ضغوطها، وقد تتجرّأ أطراف أخرى للمزيد...
      هل تلك الأطراف هي الرافضة للمحاسبة؟ هل هي نفس الأطراف الفاسدة؟

    • زائر 1 | 9:43 ص

      ارجو ان يكون مسلسلا أيجابيا لا مسرحية هزلية

اقرأ ايضاً