العدد 5096 - الجمعة 19 أغسطس 2016م الموافق 16 ذي القعدة 1437هـ

الدوغة: أفران حرق الجير والفخار

دوغة لحرق الفخَّار في عالي (Bradley 1964, Aramco World)
دوغة لحرق الفخَّار في عالي (Bradley 1964, Aramco World)

تناولنا في الحلقة السابقة الطرق المختلفة لحرق الطين والجص والجير، كما تناولنا تاريخ هذه الطرق والتي بدأت منذ آلاف السنين، واستمرت حتى عهد قريب.

كما سبق أن أشرنا إلى أن الجص الخام، في البحرين، كان يحرق بطريقة الصيران، أما الفخار والجير فإنها تحتاج إلى أفرن خاصة؛ لأنها تحتاج إلى حرارة عالية ومستمرة، قد تستمر لبضعة أيام. وترجح نتائج التنقيبات الأثرية أن مثل هذه الأفران كانت معروفة في البحرين منذ حقبة دلمون، ولاتزال هذه الأفران معروفة في البحرين في الوقت الراهن، وتطلق عليها العامة اسم «الدوغة». هذا، ولا يعرف بالتحديد أصل اسم «الدوغة» إلا أنه منتشر في العديد من المناطق في الوطن العربي.

يذكر أن اسم الدوغة، ارتبط بثلاث مهن، حرق الجص وحرق الفخار وحرق الجبس لتحضير النورة، كما أنه ارتبط بأسماء أسر أمتهن أفرادها مهنة بناء الدوغة. كذلك، فقد أطلق مسمى الدوغة على مناطق مختلفة في الوطن العربي. كل هذه إشارات تدل على قِدم مسمى الدوغة.

دوغة الجص

اشتهرت إحدى المناطق في البحرين باسم الدوغة أو دوغة الجص، حتى أن البعض أسماها «قرية الدوغة»، القليل من تطرق إلى هذه المنطقة، ولا نعرف الكثير عنها، وأكثر المعلومات تفصيلاً حولها، هو ما نشر في حساب الرفاع الشرقي على موقع (الإنستغرام (@rifff3)، وقد جاء فيه حول منطقة الدوغة، أنها منطقة صغيرة تقع جنوب منطقة عوالي، وهي المنطقة التي تسمى حاليًّا «رفاع فيوز». وقد كان يسكن هذه المنطقة ثلاث أو أربع عائلات، وقد مارست هذه الأسر صناعة الجص، وكان لكل أسرة دوغة خاصة بها عرفت باسمها. غالبية العائلات هجرت منطقة الدوغة، ولم تستمر بها إلا عائلة واحدة، عائلة زايد السعدي، وبقيت تمارس هذه المهنة حتى كسادها، وبعدها هُجرت منطقة الدوغة، ولم يتبقَّ بها أحد، ولم يبق لها أي أثر إلا في الذاكرة الشعبية (حساب الرفاع الشرقي على الإنستغرام (@rifff3).

هذا، ولا يعرف ما إذا كان المقصود بالدوغة هنا، الفرن الذي تتم فيه عملية الحرق، أم يقصد بها الحفر التي يتم حرق الجص فيها؛ ففي الكويت يتم حرق الجص في نفس المكان الذي يوجد فيه خام الجص، كما سبق أن أسلفنا في الحلقة السابقة، وينتج عن تلك العملية حفر، يتم إعادة الحرق فيها حتى نفاد خام الجص منها (جمال 2003، ص 169 - 171). وفي الكويت عرفت مناطق حرق الجص باسم الدوغة (فيصل البيدان، صحيفة «الشاهد»، بتاريخ 12 يونيو/ حزيران 2009).

يذكر أن هناك عدة مناطق في الوطن العربي لاتزال تعرف باسم دوغة أو الدوغة، على سبيل المثال، محلة الدوغة في محافظة تعز في اليمن (yemenna.com)، ومنطقة دوغة في مدينة ترهونة في ليبيا (طارق بريدعة 2014، afrigatenews.net). إلا أننا لا نعلم بالتحديد سبب تسمية هذه المناطق بهذا الاسم، أو ما إذا كانت هذه المناطق مرتبطة بوجود أفران خاصة تعرف بهذا الاسم.

الدوغة: فرن الحرق

يطلق اسم الدوغة في البحرين على فرن خاص يتم فيه حرق حجارة كلسية معينة حتى يتم تحويلها إلى المسحوق المعروف بالنورة بفعل الحرارة العالية، كما يستخدم، الفرن أيضاً، لتسخين الأواني الفخارية بعد تصنيعها لتصبح صلبة. وتنتشر هذه الأفران، في البحرين، في منطقة عالي؛ حيث اشتهر سكان هذه المنطقة، منذ القدم، بصناعة النورة والفخار.

كذلك، في شرق الجزيرة العربية وجنوب العراق، يطلق اسم الدوغة على الفرن ذاته، المخصص للنورة والفخار. هذا ولا نعلم بالتحديد اصل اسم «الدوغة»، فربما تكون له جذور عربية أو سامية؛ فقد أطلق الأكديون على الفرن المستخدم لحرق الفخار اسم اَدوگُ adūgu (CAD 1998, v. 1, part 1, p. 136). وربما يكون لهذا الاسم أصول غير عربية أو سامية.

وتبنى الدوغة، في الغالب، من الحجر والطين، ويتم طلاؤها من الداخل بالطين. يتباين شكل وحجم الدوغة بحسب الغرض التي صممت له، إلا أنها في الغالب تبنى على شكل بيضاوي، ويتراوح ارتفاعها ما بين 3 و 5 أمتار. أما من الداخل فيتم تقسيمها إلى طابقين يفصل بينهما حاجز مصنوع من الصفائح الطينية، ويوجد بهذا الحاجز ثقوب تسمى السياسر، ومفردها سيسر. ويستخدم الطابق السفلي لوقود الحرق، وله فتحة جانبية، يزود عن طريقها وقود الحرق للفرن. أما الطابق العلوي، فهو مفتوح من أعلى، وهو مخصص لوضع الأحجار أو قطع الفخار المطلوب حرقها. تشعل النار في الطابق السفلي وتتدفق ألسنتها للطابق العلوي عن طريق السياسر. هذا، وتحتاج الدوغة للصيانة الدورية، وإعادة طلائها من الداخل، حرصاً على عدم تشقق الجدران بسبب الحرارة المرتفعة.

الدوغة والدواغچة

قديماً، أطلق على من يقوم ببناء الدوغة اسم دوغچي، والجمع دواغچة. هذا وقد عرفت في البحرين عائلة باسم الدوغچي نسبة لهذه المهنة. ويشير فؤاد العباس على حسابه في موقع الإنستغرام (@fuadaalabbas) إلى أن الدواغجة كانوا يسكنون في منطقة عالي في البحرين، إلا أن معظمهم هاجروا إلى البصرة والمحمرة والكويت. هذا ولايزال الدواغجة معروفين بهذا الاسم في البصرة والمحمرة وقد عرفوا ببناء الدوغة وصناعة الفخار (@fuadaalabbas).

الخلاصة، أن شعوب الحضارات القديمة طورت نوعاً من الأفران، يبنى خصيصاً لحرق الجير والفخار، وقد تم تطويره عبر الزمن. وهذا الفرن له نموذج ثابت في غالبية الثقافات، حيث يتكون من غرفتين، إحداهما للوقود، والثانية للمادة المراد حرقها.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً