العدد 5097 - السبت 20 أغسطس 2016م الموافق 17 ذي القعدة 1437هـ

اتفاق مصر مع صندوق النقد الدولي يصاحبه تقشف لن يطيقه كثيرون

قبل بضع سنوات لم يكن يخطر ببال عماد أنه سيقف تحت حرارة شمس القاهرة للحصول على حصة أسبوعية من حليب الأطفال المدعم. لكن بعد ارتفاع الأسعار أصبح راتبه يكفيه بالكاد حتى نهاية الشهر أما الحكومة فتتجه لاتخاذ إجراءات تقشفية أصعب.

قال عماد الذي ارتدى ملابس مهندمة على غرار كثيرين ممن وقفوا في الصف إن أسعار «الكهرباء والطعام زادت. الشيء الوحيد الذي لا يزيد في مصر هو رواتب الناس لكنهم لا يتحدثون إلا عن خفض الدعم».

وبعد أن عانوا من الاضطراب السياسي والاقتصادي منذ انتفاضة العام 2011 التي أطاحت بحسني مبارك يستعد المصريون لحقبة جديدة من التقشف.

والإصلاحات الاقتصادية المزمعة جزء من برنامج لخفض العجز في الموازنة وإعادة التوازن لأسواق العملة، وهي إجراءات وعدت بها مصر صندوق النقد الدولي من أجل الحصول على قرض قيمته 12 مليار دولار على ثلاث سنوات.

لكن المعارضة السياسية لإجراءات تنطوي على خفض الدعم وتخفيض قيمة العملة وفرض ضرائب جديدة بينما يعتمد عشرات الملايين على الدعم الحكومي للسلع الغذائية تعني أن البرنامج صعب التنفيذ.

ويقول خبراء اقتصاديون إن ثمن الفشل باهظ. فعجز الموازنة يقترب من عشرة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي أما التضخم فقد وصل إلى 14 في المئة. كما أضر نقص العملة الأجنبية بالاستيراد.

ولا يستطيع المستثمرون الأجانب تحويل أرباحهم إلى الخارج والبعض يصفون أعمالهم بسبب القيود التي فرضت على رأس المال والاستيراد في الأشهر الثمانية عشر الماضية.

ولا تستطيع الشركات توفير ما يكفي من العملة الصعبة لاستيراد المكونات أو تحمل الفرق بين السعر الرسمي للدولار وسعره في السوق السوداء الذي يتجاوز 40 في المئة. أصبح الحديث الآن عن مجرد البقاء وليس النمو.

وقال المدير بشركة فاروس القابضة أنجوس بلير: «من الواضح جدّاً أن الظروف دفعت مصر دفعاً نحو طلب دعم صندوق النقد الدولي... وسيتعين على مصر إجراء تغييرات لضمان تنفيذ الخطة التي قدمتها لصندوق النقد».

وأضاف «النظام في مصر بشكل عام بطيء... وهذا برنامج إصلاحي يدعو لتحرك سريع وجرأة خاصة لأن من بين تداعياته زيادة التضخم».

وقد أحجمت الحكومات المتعاقبة عن خفض الدعم بعد أن رفع الرئيس السابق أنور السادات عن الطحين (الدقيق) والأرز وزيت الطهي العام 1977 ضمن محاولة للحصول على تمويل بدعم من صندوق النقد الدولي.

وأعاد السادات الدعم بعد أن احتج مصريون وقاموا بأعمال شغب وهاجموا رموز الهوة الفاصلة التي أخذت في الاتساع بينهم وبين الطبقات الأغنى التي اعتبروا أنها استفادت من سياسة الانفتاح الاقتصادي التي طبقها السادات لتحرير الاقتصاد بعد حكم اشتراكي دام لأكثر من عشر سنوات.

وعلى رغم أن مصر لجأت لصندوق النقد فعليّاً في كل عقد منذ السبعينيات، فإن تطبيق الإصلاحات لم يكن شاملاً قط. ويشعر الكثير من المصريين بعدم الارتياح إزاء البرنامج الذي يعتبرون أنه مفروض من الخارج ويرون أنه سيضر الجميع باستثناء الأثرياء.

ومنذ الإطاحة بمبارك في 2012 تفاوضت مصر على اتفاقين مع الصندوق لكنهما لم يتما ويشمل ذلك قرضاً قيمته 4.8 مليارات دولار جرت الموافقة عليه مبدئيّاً عام 2012. وفي ضوء إحجام صناع القرار السياسي عن تطبيق الإصلاحات من قبل، يبدو أن المستثمرين يتريثون في العودة إلى مصر.

وقال رئيس بعثة صندوق النقد الدولي في مصر كريس جارفيز إن هذين الاتفاقين فشلا نتيجة الافتقار للإرادة السياسية على مستوى القيادة لتطبيق الإصلاحات. لكنه يرى أن الالتزام السياسي هذه المرة يبدو أقوى.

وفي الأسبوع الماضي قال الرئيس عبدالفتاح السيسي إنه لن يتردد ثانية واحدة في اتخاذ الخطوات الصعبة اللازمة لضمان أن تعيش مصر في حدود إمكانياتها.

وارتفعت أسعار الكهرباء بنسبة 20 إلى 40 في المئة هذا الشهر في إطار برنامج مدته خمس سنوات سيشهد إلغاء دعم الطاقة تدريجيّاً. والدور الآن على خفض دعم البنزين. وأقر البرلمان إصلاحات تتعلق بالخدمة المدنية على رغم تخفيفها إلى حد كبير.

لكن منتقدين يقولون إن التغيير جاء متأخراً ولا يترك متنفساً يذكر. ويقولون إن مليارات الدولارات التي انهالت على مصر من حلفائها في الخليج منذ أن أطاح السيسي بسلفه المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين في منتصف 2013 ضاعت سدى.

وقالت «في.تي.بي كابيتال» في مذكرة للعملاء: «إن الدعم الخليجي كان ضرره أكثر من نفعه، لأنه لم يكن مشروطاً بتطبيق إصلاحات كما أتاح الفرصة لمصر للاستمرار من دون حاجة ملحة لإجراء تغييرات جذرية في السياسة الاقتصادية».

وأضافت «مصر لديها الآن نقطة انطلاق اقتصادية اجتماعية أضعف وتحتاج تعديلاً أعمق ومن ثم أكثر إيلاماً».

وعماد الذي كان يعتبر نفسه ذات يوم من أبناء الطبقة المتوسطة يشعر الآن بالندم على المشاركة في الاحتجاجات التي ساعدت السيسي في الوصول إلى السلطة.

وحتى مع العلاوات المعتادة لا يمكن لراتبه الشهري البالغ 2000 جنيه (225 دولاراً) مواكبة ارتفاع الأسعار.

ويقول عماد: «لسنا تحت خط الفقر. نحن تحت الأرض... يريدوننا أن ننشغل تماماً بالبحث عن لقمة العيش وألا نفكر في أي شيء آخر... أي شخص يحتج أو يتحدث علنا الآن يتهم بالانتماء للإخوان المسلمين».

وأعلنت مصر خططاً لتوسيع شبكة الضمان الاجتماعي لتخفيف الأثر على الأكثر فقراً لكن كثيرين يخشون من أن الإجراءات ستعمل على تفاقم التفاوتات الاجتماعية التي ساهمت في إثارة الغضب ضد مبارك قبل انتفاضة 2011 التي أنهت حكمه الذي استمر 30 عاماً.

واليوم أسكتت الاحتجاجات. وفي عهد السيسي زج النظام بأعضاء جماعة الإخوان المسلمين في السجون بينما فر آخرون منهم خارج البلاد أو تواروا عن الأنظار. وجرى أيضاً إسكات النشطاء الليبراليين الذين كانوا يدعمون السيسي في بادئ الأمر. وأنهى قانون يقيد التظاهر الاحتجاجات الشعبية التي ساعدت في الإطاحة برئيسين خلال ثلاث سنوات.

وأصدرت مجموعة من الأحزاب الاشتراكية بياناً يرفض اتفاق صندوق النقد الدولي الذي يقولون إنه يكبل مصر بمزيد من الديون ويجعلها رهناً لقرارات قوى خارجية. لكن تلك الأحزاب ليس لها مقاعد في البرلمان ولا توجد دعوات حقيقية للاحتجاج.

أول اختبار للحكومة مشروع قانون يقترح ضريبة للقيمة المضافة بنسبة 14 في المئة وتتم مناقشته في البرلمان لكنه يواجه معارضة من نواب يخشون من التضخم.

وأدى التأخر في تطبيق ضريبة القيمة المضافة الجديدة بالفعل إلى تأجيل الشريحة الأولى من قرض بقيمة ثلاثة مليارات دولار من البنك الدولي. والشريحة الأولى التي تبلغ 2.5 مليار دولار من قرض صندوق النقد الدولي غير مرتبطة بإجراءات محددة لكن ذلك لا ينطبق على الشرائح التالية.

وثمة قضية رئيسية أخرى هي سياسة سعر الصرف. تعهدت مصر بسعر صرف أكثر مرونة لتخفيف حدة نقص العملة الصعبة والقضاء على السوق السوداء للدولار.

وستنطوي هذه الخطوة بالتأكيد على خفض ثانٍ لقيمة العملة هذا العام مما يؤدي بدوره إلى زيادة التضخم لكن البنك المركزي يقول إنه يجب أن يزيد الاحتياطي الأجنبي أولاً من 15.5 مليار دولار إلى 25 ملياراً ويتطلع للوصول إلى هذا الرقم بحلول نهاية العام.

وبالنسبة لسامي خانجي الذي يدير مطبعة يمثل نقص الدولار أزمة ملحة... إذ توقفت ماكينات مطبعته عن العمل لأسابيع.

وقال: «أنت تتحدث عن أشهر وسنوات وأنا أتحدث عن أسابيع. إذا لم أحصل على الورق قريباً فسوف يتعين علي أن أفصل عمالي... ربما يتوقف نشاطي تماما قبل أن تأتي هذه الأموال».

العدد 5097 - السبت 20 أغسطس 2016م الموافق 17 ذي القعدة 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً