العدد 5112 - الأحد 04 سبتمبر 2016م الموافق 02 ذي الحجة 1437هـ

حفظ التراث الوطني والاعتراف بالهوية التعددية

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

أثار قرار هيئة البحرين للثقافة والتراث وضع مساجد تاريخية ضمن قائمة «التراث الوطني»، غضب إدارة الأوقاف الجعفرية، تأسيساً على أنها لم ترجع إليها كإدارةٍ معنيةٍ بالأمر.

القرار أثار شكوك الكثيرين خارج دائرة الأوقاف الجعفرية أيضاً، من ناحية ما ستئول إليه ملكية هذه الآثار ووظيفتها، وخصوصاً أن غالبيتها مساجد إسلامية قديمة، وتوجد في مناطق جغرافية معيّنة. وهو ما يمثل ثلثي العينة المعلن عنها، بواقع 20 موقعاً غالبيتها مساجد، مقابل 12 موقعاً آخر في مناطق أخرى، غالبيتها تلال لا تحمل أسماء، بل مجرد أرقام.

أهم هذه المواقع التاريخية الأثرية على الإطلاق، هو موقع «مسجد الخميس»، باعتباره أقدم صرح إسلامي يوجد في جزر البحرين، على رغم أن البحرين كانت ثاني منطقةٍ يدخل أهلها الإسلام طوعاً بعد المدينة المنوّرة، وربما يرجع ذلك إلى بساطة العمارة في هذه المنطقة عموماً. ولم ترتفع العمارة إلا بعد قرون، في ظلّ الدول التي ازدهرت على أطراف الجزيرة العربية. وهذا المسجد الذي أقيم أيام العيونيين، أثار الكثير من الجدل، وما كان له أن يثير ذلك لو كان هناك اعترافٌ بالهويات في مجتمع تعددي.

المسجد يقع في البلاد القديم، التي كانت عاصمةً للبحرين قبل أربعة قرون، والتي ظلت سوقاً عامرةً حتى نهاية الستينات من القرن الماضي. وكان من حسن حظ جيلي، أنه ارتبط منذئذٍ بهذا المسجد، بحكم العمر والتنشئة والسكن والدراسة في هذه المنطقة. وحتى اليوم، أمرّ على هذا المسجد يوميّاً، ذهاباً وإياباً، فأستنشق منه عبق التاريخ.

في قبال هذا المسجد، كانت تُقام سوق الخميس، ومنها أخذ المسجد هذا الاسم، مع أن اسمه الحقيقي في كتب التاريخ «المشهد ذو المنارتين». ومن الصعب حتى على من نشأ في هذا المحيط التاريخي الثري، أن يتخيّل أن المنارتين يفصل بين بنائهما قرنان من الزمان.

كان يفصل مدرستنا (الخميس الابتدائية الإعدادية) عن المسجد شارع من مسارين، وكان يبعد عن صفّنا عشرات الأمتار، وكان مدرّسو الرسم يخرجوننا إلى الساحة لنرسمه على الطبيعة، حيث لم يكن للمدرسة سورٌ يفصلها عن الشارع حتى منتصف السبعينات.

هذا المسجد كان مهملاً منذ الثلاثينات، حيث انقطعت الصلاة فيه قبل ذلك، وظلت البهائم تقتحمه لعدم وجود باب يحميه. وظلّ مهملاً من قبل الجهات الرسمية حتى وقتٍ متأخر، ولم تطله أيدي الترميم إلا على فترات متباعدة، آخرها الترميم الذي بدأ العام الأخير، بالتنسيق بين الوزارة والأوقاف الجعفرية. ومثل هذا الصرح يحتاج إلى رعايةٍ وحمايةٍ وتنسيقٍ بين الجهات الرسمية المختلفة، لضمان حمايته وبقائه، ولننقله أمانةً محفوظةً في أعناقنا، إلى الأجيال المقبلة، دون تفريطٍ كما حدث مع الكثير من الآثار الوطنية والمساجد التاريخية والعيون والبيوت.

المسجد ارتبط اسمه باسم أشهر وأقدم مقبرةٍ في البحرين، «أبوعنبرة»، وهي حاليّاً قسمان، كانا متصلين فيما مضى، لكن مع عملية شقّ الشوارع والطرقات تم تقسيمها إلى نصفين يفصلهما شارع رئيسي: القسم الأكبر الشرقي ظل مقبرة لدفن الموتى، والقسم الغربي، المحيط بالمسجد، حيث تحيط به من الشرق والشمال والغرب القبور القديمة، وأكثرها لعلماء وفقهاء، حيث كان حوزةً علميةً مزدهرة قبل بضعة قرون... ومن الجنوب يطل المسجد على الشارع العام.

«هيئة الثقافة والآثار» تدرك حساسية الموضوع بلاشك، فـ «مقبرة أبوعنبرة ذات بعد وأهمية للطائفة الشيعية في البحرين»، كما قالت «الأوقاف الجعفرية». وهناك معالم ومساجد تاريخية أخرى، يفترض الاهتمام بالحفاظ عليها وحمايتها من التدمير والتخريب المتعمد، وفي مقدمتها مقام الصحابي الجليل صعصعة بن صوحان العبدي، ومسجد جزيرة الشيخ إبراهيم في عسكر جنوب البلاد.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 5112 - الأحد 04 سبتمبر 2016م الموافق 02 ذي الحجة 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 11 | 5:56 م

      الهوية التعددية... أو اللا هوية.

    • زائر 9 | 10:57 ص

      الطائفية والعنصرية تمارس بكل أنواعها وعلى شتى المجالات ضاربين بكل التقارير المحلية والدولية الموثقة عرض الحائط و كأن احترام حقوق الناس وخصوصية العقيدة والمذهب يجب أن ترضى به أمريكا وكفا

    • زائر 7 | 1:56 ص

      هناك معالم ومساجد تاريخية أخرى، يفترض الاهتمام بالحفاظ عليها وحمايتها من التدمير والتخريب المتعمد، وفي مقدمتها مقام الصحابي الجليل صعصعة بن صوحان العبدي، ومسجد جزيرة الشيخ إبراهيم في عسكر جنوب البلاد.

    • زائر 5 | 12:20 ص

      اذا كان هناك مكوّن سياسي وأساسي في هذا البلد لايحصل على حقوقه فكيف سيحصل تاريخ البلد الحضاري والتراثي اهتماما يليق به كتراث اسلامي قديم يدلّل على اصالة البحرين وانتمائها الإسلامي

    • زائر 4 | 11:16 م

      نتمنى من الطرفين الوزارة والاوقاف التنسيق والمبادرة لحماية مقام الصحابي صعصعة ومسجد الشيخ ابراهيم.

    • زائر 2 | 10:42 م

      كانت عسكر يقطنها المؤمنون وهجرها ساكنيها من الجور ومسجدها مهمل وصعصعة مهمل وتعرض للتخريب

    • زائر 1 | 10:06 م

      لا يفترض بان يفسر اي عمل لحفظ التراث او الثقافة هو استهداف متعمد، والتراث الأندلسي وغيره محفوظ من الدولة الاسبانية والعثماني ايضا ، وهذا يسخر له فنيون ومهندسين وميزانية للترميم ، وما تبذله الشيخة مي من اعمال متميزة لا يجب ان يحارب تحت اي مسميات وإنما يجب التعاون اذا كان المشروع يحافظ على تاريخ البحرين والذي صنعوه اجدادنا بدون منطلقات طائفية.

    • زائر 10 زائر 1 | 5:55 م

      التاريخ يثبت.

اقرأ ايضاً