تعتبر المهن الطبية من المهن التي تقدم خدمات مباشرة للجمهور، بل هذا النوع من المهن الأكثر احتكاكاً بالناس بمختلف شرائحهم. وتفيد معظم الدراسات بأن المهن الطبية وعلى رأسهم الأطباء الأكثر تعرضاً للإحتراق الوظيفي أو الاحتراق النفسي.

ولكن في هذا المقال سأتناول جانباً واحداً ومؤثراً في الاحتراق النفسي عند العاملين في المهن الطبية، وهو الضغط النفسي الذي يواجهه شاغلو هذه المهن الإنسانية بصور مختلفة، أولها البرامج التطويرية للمؤسسات الطبية، فكثيراً ما يقع عبء البرامج والخطط التطويرية على كاهل العاملين في هذه المؤسسات، مثل طلب سرعة الإنجاز والتعامل مع أكبر عدد من المرضى، مع تحسين جودة العمل في ذات الوقت، بالإضافة إلى ساعات المناوبة التي تزيد من الضغوط النفسية بسبب قلة أوقات الراحة.

وإذا ما نظرنا للجانب الإنساني الذي يعايشه الأطباء والفرق المساندة لهم خلال التعامل مع الحالات المرضية الحرجة والخطيرة، التي لابد أن تلقي بظلالها عليهم، فمشاهدة ألم ووفاة بعض الحالات التي يرتبط بها الفريق الطبي وجدانياً أمر صعب جداً. ورغم سنوات العمل التي قضيتها في الحقل الطبي والسنوات التي عملها زملائي الذين يفوقونني خبرة وتجربة في هذا المجال، إلا أننا جميعاً مازلنا نعاني من الضغط النفسي الذي يخلقه التعامل مع تلك الحالات.

كما أن الجانب الاجتماعي والظروف الحياتية لها دور في التأثير على العاملين في المهن الطبية سلباً وإيجاباً، فالمشكلات الأسرية التي قد يتعرّض لها الطبيب مثلاً تساعد في تهيئته سلباً للعمل، أي تجعله يدخل هذا المعترك الصعب بواقع نفسي سيء، والعكس بالعكس، فالأجواء الأسرية المستقرة تساعد في تهيئة الطبيب لمواجهة ضغط العمل والتعامل مع مرضاه برحابة صدر.

ومن هنا أصبح لزاماً أن أوجه رسالتي لإدارات المستشفيات، فلابد أن يعي المسئول عن أية مؤسسة طبية أن هذه المهنة يجب أن تكون إنسانية في التعامل مع المريض مع من يقدّم الخدمة في ذات الوقت، فمتى شعر الفريق الطبي بأن هناك من يراعيهم مهنياً وإنسانياً، حتماً سنجني خدمات طبية أفضل وتعاملاً أرقى مع المرضى.