العدد 5139 - السبت 01 أكتوبر 2016م الموافق 29 ذي الحجة 1437هـ

فيلم «سبتمبر شيراز»... الثورة الإيرانية من جديد!

ملصق الفيلم
ملصق الفيلم

تمارس الأفلام السينمائية دوراً توثيقياً مهماً، حين تسرد قصصاً جرت أحداثها خلال فترات تحول تاريخي أو سياسي، عاشها مجتمع ما. في الواقع يتحول الفيلم السينمائي حينها إلى فيلم توثيقي مهم يقدم شهادة حية على مراحل التحول التاريخي أو السياسي تلك.

هذا الاندماج الحاصل بين عملية التوثيق والعملية الفنية المتمثلة في صناعة فيلم سينمائي، لا يعني وجوب التزام صانعي الفيلم بالحيادية في طرحهم، وهو الأمر اللازم لعملية التوثيق، فالأساس هنا هو تقديم عمل فني، والعمل الفني بكل أنواعه لا يعرف الحياد. الفن في الواقع هو تعبير عن موقف صانعه من قضية إنسانية ما.

في المقابل، فإن هذا الاندماج يستلزم قطعاً غوص مقدمي أي عملية فنية توثيقية في أعماق الشأن التاريخي أو السياسي موضع السرد أو التحقيق، وتقديمه على الشاشة بشكل كاف ومستوف، وخصوصاً حين تتم مناقشة واستعراض ذلك الشأن بعد أعوام طويلة، قد يصل إلى سبع وثلاثين عاماً.

هذا هو تماماً ما فعله فيلم «سبتمبر شيراز» (Septembers of Shiraz) الذي عرض في دور السينما في أميركا في شهر يونيو/ حزيران 2016، والذي جاء ليسرد، اليوم، وبعد 37 عاماً، جزءاً من التاريخ السياسي المعاصر لإيران، وعلى وجه التحديد، يتتبع الفيلم ما حدث في أعقاب انتصار ثورة العام 1979 في هذا البلد، وهي الثورة التي نقلت إيران من النظام الملكي إلى النظام الجمهوري الإسلامي. يوثق الفيلم تلك الفترة عبر قصة أبطالها عائلة يهودية ثرية تدفع ثمناً غالياً على يد الحرس الثوري الإيراني، الجهة التي بدت الأكثر نفوذاً وقوة وتسلطاً و... انتهاكاً للقانون والحرمات.

الفيلم الذي أخرجه الأسترالي ويني بلير (شاهدنا له مسبقاً The Sapphires)، مقتبس من رواية تحمل الاسم نفسه، كتبتها الإيرانية - الأميركية داليا سوفير، ونشرت العام 2007. الرواية التي تعد الأولى لسوفير، حظيت باحتفاء كبير ونالت عدداً من الجوائز، وهي بحسب أحد التقارير، الرواية الأولى التي تسرد أحداثاً جرت في داخل طهران (ما بعد الثورة). وتنقل سوفير عبر هذه الرواية أحداثاً حقيقية عاشتها مع والديها إسحاق أمين وزوجته فرناز، وذلك في أعقاب انتصار الثورة الإسلامية في إيران.

يبدأ الفيلم في منزل رجل الأعمال الإيراني اليهودي، إسحاق أمين (يقوم بدوره أدريان برودي) الذي يرحب بضيوف حفله المقام لتوديع ابن العائلة برويز (البريطاني جيمي وورد) الذي يسافر إلى أميركا للالتحاق بمدرسة داخلية. بعدها تنقلنا المشاهد لنتعرف أكثر على الوضع الاجتماعي السياسي للأسرة اليهودية الثرية التي يملك والدها مصنعاً للألماس وهو مصنع ذو صيت كبير يجعل أسرة الشاه وزوجته يفضلون التعامل معه لجودة أحجار مصنعه.

هذه الأسرة اليهودية تفضل البقاء في إيران، التي أصبحت إسلامية بعد الثورة، والتي لم يعد لأسر مثل أسرة إسحاق أمين، مكان للعيش فيها، بعد كثير من المحظورات التي فرضت من قبل الحكومة الإسلامية، وبعد فوضى عارمة تعم البلد، تمارس على يد الشعب الإيراني ويفرضها الحرس الثوري.

يعتقل إسحاق أمين من قبل الحرس الثوري، ويتهم بالتعامل مع الموساد، على رغم إصراره على أن زياراته لـ «إسرائيل»، وهي التي لم تكن تشكل مخالفة لقانون البلد، كانت بهدف الالتقاء بعائلة له هناك. لكن الحرس الثوري، الذي يعتقله من مكتبه وينقله لمبنى المخابرات على دراجة نارية بعد وضع قناع على وجهه، والضابط محسن (الممثل الإسرائيلي من أصول عربية علون ابو تبول) الذي يتولى التحقيق معه فيما يغطي وجهه بقناع، لا يعون ذلك. ما لديهم هو تاجر ألماس يهودي، يسافر إلى «إسرائيل» بشكل مستمر، وتكتب زوجته فرناز (سلمى حايك) مقالات يجدون فيها ترويجاً لأسلوب حياة غربية «فاسقة»، وهي أفعال تكفي لإصدار حكم بالإعدام ضده، ولتعريضه لوجبات تعذيب جسدي ونفسي متكررة ومنتهكة لأبسط الحقوق الإنسانية.

وهكذا يعلنها الفيلم: إنها ثورة إسلامية، تحتقر أتباع أي دين آخر، وهو بلد يعج بفوضى كثيرة، يحرق شعبه دور السينما، ويعلق جثث أنصار النظام السابق في الساحات العامة. إنه أيضا حرس ثوري يتشكل من «حاقدين» على النظام السابق، وشباب فاسد وجد ضالته في هذا التشكيل الجديد، ليمارس من خلاله كل أشكال العنف والنهب والاعتداء على الأشخاص وعلى ممتلكاتهم الخاصة.

نموذج لهذه الفئة من الشباب تتمثل في مهدي (الإيراني الأميركي أنتوني عزيزي)، ابن حبيبة (تقوم بدورها الممثلة الإيرانية الأميركية شهرت أغداشلو) الذي يلتقطه إسحاق وزوجته من الشارع وينقذانهما من الفقر، حين يسمحان لحبيبة بالعمل لديهما خادمة، ولابنها في أن يعمل في منصب مهم في مصنع إسحاق حين يكبر ويصبح شاباً. لكن هذا الابن الناكر للجميل، الذي ينضم إلى الحرس الثوري، يقرر سلب المصنع، بعد اعتقال إسحاق من قبل الحرس الثوري.

وليست تلك هي الخسارة الوحيدة التي يُمنى بها إسحاق (اليهودي)، لكنه يخسر كل رصيده المصرفي في محاولة منه لشراء حريته، وذلك حين يقنع الضابط محسن، برغبته بالتبرع بكامل رصيده المصرفي لصالح الثورة، في مقابل الإفراج عنه. بالطبع يضطر إسحاق بعدها للهرب من البلاد، مضحياً بآخر قطع ألماس يملكها، يقدمها للمهربين الذين سيقتادونه لخارج إيران عبر الحدود التركية.

في الفيلم كثير من التفاصيل التي توضح همجية وعنف الثورة وأنصارها، وعلى رأسهم الحرس الثوري، وقسوة المعاناة التي عاشها «اليهودي» إسحاق في ظل النظام الإسلامي. التفاصيل المتعلقة بالثورة تفتح شهية المشاهد للبحث والتحقق مما أشار له الفيلم، ولمعرفة ما حدث فعلاً في أعقاب انتصار تلك الثورة. ربما، تكون هذه إحدى الحسنات القليلة للفيلم، حين يستحث في عقل المشاهد الرغبة في البحث تلك، لمعرفة إن كان هذا الانطباع الذي ينقله فيلم تموِّله شركات إنتاج إسرائيلية، صحيحاً أم مبالغاً فيه، أم قليلاً في شأن تلك الثورة.

لكن الجزء السيئ في الفيلم والذي يتناقض مع العبارة الأخيرة التي تبرز على الشاشة بعد انتهاء الفيلم، هو ذلك الجزء المتباكي على اليهودي في كل مكان، وهو الجزء الذي يبدو مبتذلاً لكثرة تكراره ووروده في كثير من الأفلام السينمائية التي يصنعها يهود، منتجون أو مخرجون، والتي تتباكى على اليهود، الذين ذاقوا كل أصناف العذاب على يد كل الأنظمة وكل شعوب الأرض.

وعودة إلى العبارة في نهاية الفيلم، فهي تفيد بأن الفيلم «مُهدى لضحايا الاضطهاد في جميع أنحاء العالم». حقيقة ستبدو عبارة تدعو للتهكم على فيلم يبالغ في عملية التباكي «اليهودي» المعاد والمكرر بشكل فج ومبتذل. بل تصل حدة التباكي تلك إلى أن يضطر الفيلم للمبالغة في إظهار مظلومية اليهودي حين يضمن في أحد مشاهده غرفة تشبه غرف الغاز النازية الشهيرة، لكنها هنا تستخدم لإعدام أنصار النظام السابق بالرصاص. بدا الأمر مبتذلاً للغاية، وبدا المشهد الذي تقدم عبره تلك الغرفة، سطحياً، على رغم محاولات أدريان برودي تقديم ما بوسعه لتوضيح كم الرعب والألم اللذين عايشاهما فيما يشاهد أصدقاءه وشركاءه في الزنزانة يقتادون إلى مصيرهم في تلك الغرفة أمام ناظريه بل ويسمع أصوات موتهم. بلا شك أدريان ممثل على درجة عالية من التمكن، لكنه أخفق هذه المرة بسبب ابتذال المشهد ومحتواه.

أدريان عموماً، قدم أداء رائعاً، وكذلك فعلت سلمى حايك لولا تصنعها في افتعال اللكنة الإيرانية، وهو أمر لم تكن بحاجة إليه، وخصوصاً مع تواجد ممثلين من أصول إيرانية مثل شهرت أغداشلو وأنتوني عزيزي، كان أولى بهما أن يتحدثا بلكنة إيرانية، لم تكن ذات أهمية في الفيلم.

الفيلم ليس سيئاً، سيأخذك للحظات جيدة من الأكشن والدراما، وسيمتعك بأداء رائع من أدريان برودي وشهرت أغداشلو وغيرهما من الممثلين، وسيفتح في ذهنك نافذة لكثير من الأسئلة وستجد نفسك مرغماً على الرجوع لملفات إيران ما بعد العام 1979. لكن كل تلك اللحظات الجيدة، لن تصمد أمام ابتذال التباكي اليهودي، الذي يمارس عبر السينما، والذي لا يبدو وكأنه سينتهي أو يتوقف يوماً!

مشهد من الفيلم
مشهد من الفيلم




التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 19 | 9:18 ص

      فيلم رائع وعرض وحشية وهمجية النظام الثوري للأسف ايران كدولة عظمى انتهت مع الشاه شعب منتهك ويعاني من عزله عالميه فضيعه الحمد لله مو منهم

    • زائر 18 | 1:20 ص

      ماتوقعته جدي الفلم العنوان مشوق اكثر من القصة نفسها ...تشويه للثورة بشكل حقود و كأن الثورة قامت على النهب و السلب

    • زائر 16 | 4:34 م

      الصرخة على قد الالم. مقهورين لان الجمهورية صارت قوى عظمى

    • زائر 15 | 3:09 ص

      هولوود ومن يتبعها تحت سيطرة تامة بنسبة تزيد على 80% من قبل الصهاينه والمتصهينون والماسونيين وكل من على نهجهم. جمهورية استبدلت السفارة الصهيونية باول سفارة لفلسطين - تساعد فى جميع المجالات الفصائلة الفلسطينية (السنية ولوطنية و العلمانية) والاحزاب المقاومة للاستكبار العالمي . مربط الفرس لانها لا ولم ولن تعترف بما يسمى بدولة اسرائيل (الكيان الصهيونى الغاصب لارض العرب والمسلمين) . وهل تريد ان هولوود تعمل فيلم يري ان ميزان حسنات الجمهورية مليون مرة من اخطائها (ان كانت اخطاء ولا عصمة الا ل 14 معصوم ع

    • زائر 13 | 12:43 م

      هوليوود متحيزة لفئة معينة هي التي تقوم يامدادها بالاموال.
      فلذلك فان اي افلام سياسية هولوودية هي افلام منحازة و لا يمكن التعويل عليها.

    • زائر 11 | 7:43 ص

      مستحيل تقدر تقنع واحد موالي حق إيران

    • زائر 10 | 5:24 ص

      لهذه الدرجة إيران محيرتنكم ترى مو قده ايران اصبحت قوى عظمة في العالم

    • زائر 8 | 3:08 ص

      لن تتغير نظرتنا للثورة الاسلامية مهما حاول الاستكبار تشويه سمعتها

    • زائر 7 | 2:37 ص

      فلم فاشل. وكل مشاهده كذب. شغل امريكي لتشويه الثوره

    • زائر 5 | 1:49 ص

      شاهدت الفيلم تشويه كامل للثورة الايرانية كان ابنائي معي عندما شاهدته وكانوا يتسائلون هل هذه حقيقة الثورة الايرانية وكنت احاول ان اشرح لهم ان الفلم مبالغ فيه وكما قيل هو تلميع لصورة اليهود ومحاولة لظهارهم بدور المظلومية

    • زائر 4 | 12:57 ص

      نعم تذكرني القصه بما فعله الأمريكان في هنود الحمر..

    • زائر 1 | 12:25 ص

      كتبتم عن قصة الفيلم والذي سبق وأن سمعتها من الشخصيات نفسها منذ أعوام عبر التلفزيونات الفارسية في إمريكا. لكن لو تكلمت أو كتبت عن الموضوع فإن المتعصبين لا يرغبون بالإستماع لكل المظالم التي حصلت والآلاف الذين أعدموا بعد محاكمات أودون محاكمات تحت نظام ينسب نفسه للإسلام و سبب ترك عقيدتي. مثلا بعد حصول إنفجار في مقر الحزب الجمهوري عام 1986 و قتل العشرات بسبب إنفجار وفي اليوم الثاني سمعت من إذاعة ايران الي خبر إعدام اثنان من المساجين في كرمان لأنهم فرحوا من قتل المسئولين في ذلك الإنفجار.

    • زائر 3 زائر 1 | 12:56 ص

      واو...نبغي فيلم عن جلادين سجن السافاك..ويش صار ليهم بعد الثورة ...اكيد مساكين صاروا طحين..

    • زائر 6 زائر 3 | 2:17 ص

      حبيبي السافاك انضموا الى الثورةالايرانية للحاجه اليهم و الضباط الاكثر فتكا بالناس صاروا معممين كفاكم غباء!

اقرأ ايضاً