العدد 5141 - الإثنين 03 أكتوبر 2016م الموافق 02 محرم 1438هـ

تحديات تحيط بمبادئ النهضة الإصلاحية للإمام الحسين

محمد حميد السلمان comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

بناءً على ما سبق ذكره بالأمس، لابد بدايةً أن نقرّر عدة حقائق هي مستمرة منذ قرون، وهي أن أهم ميزات المجتمع المسلم، هو امتلاكه لذكرى عاشوراء الأليمة، مع أن هذه الذكرى من المفترض أنها تمس وتلامس وجدان وعقل كل إنسان، وليس المسلم وحسب، على وجه البسيطة.

والحقيقة الأخرى، أن المقدس والدين مفهومان مترابطان تاريخياً؛ فدائماً نجد الدين ممزوجاً ببعض المقدّسات، كما نجد المقدّس تضفى عليه مقولاتٌ دينية. ومن عادة الشعوب عبر مسيرتها التاريخية العامة، وخصوصاً المضطهدة منها، أن تضيف إلى شعائرها الثابتة أعمالاً وممارسات أخرى مبتكرة ومصنوعة من وحي التفاعل الحضاري مع الشعوب الأخرى، ثم تعود لتلبسها ثوب المقدسات. وكما يقول الباحث حسين الشامي، غالباً أن هذه الإضافات توجب الهتك للدين وتضعفه، ويصعب بعدها معالجتها خصوصاً إذا تبناها تيار شعبي واسع، فتأخذ جانب الجدل الشرعي وغير الشرعي والاجتماعي بشكل مستمر.

وعطفاً عليه، فهناك الكثير من الأخطار والتحديات الكبرى التي ما برحت النهضة الإصلاحية التي قادها الإمام الحسين (ع) تواجهها وتصطدم بها في كل زمان ومكان، منذ أن تشكلت هذه النهضة والثورة كواقعة تاريخية في العام 61 هـ (680 م). فقد تعرضت الثورة الحسينية المباركة لخطر التسطيح بجعل مجرد إحياء هذه الثورة العالمية؛ يكون بقراءة منبرية سطحية تحوي الكثير من المبالغات التاريخية، ومحاولة إسباغ نوع من القدسية على تلك المبالغات. وسبب ذلك وقوع الثورة ضحية لبعض الأمزجة والعواطف والأهواء والعادات الشعبية، بعيداً عن مفاهيم مدرسة أهل البيت عليهم السلام، ومفاهيم مدرسة عاشوراء الحقيقية التي أراد الإمام الحسين (ع) تثبيتها في المجتمع الإسلامي بشكل عام قبل مجتمع الموالين لمدرسة أهل البيت فقط، فهي دعوة ثورية لبناء الواقع الإسلامي والإنساني العام، وليست ثورة عبثية محدودة تحتاج منا لبعض العواطف السطحية لدعمها ونشر مفاهيمها.

أضف إلى ذلك، مع أن معركة الثورة نفسها لم تتعدّ بضع ساعات من يوم العاشر من محرم، وهي ثابتة في كتب التاريخ وفي روايات الأئمة (ع)؛ إلا أنه بسبب إدخال وتصديق كل رواية وخبر على الثورة الحسينية مما ذكره خطباء المنبر الحسيني، جعلها أكبر ثورة في التاريخ الإسلامي يدخل فيها كم هائل من الخيال، والقصص، والأقوال التي أتت عن طريق لسان الحال بأقلام الشعراء، وبعض أهل المنبر في كل زمان ومكان، دون أن يستند معظمها على دليل تاريخي ثابت.

والأخطر، أنه إذا تم السكوت على مثل هذه الظاهرة- القضية، والتراجع عن نقدها وتقييمها بسبب التفاعل الشعبي الواسع معها، الناتج عن العواطف السطحية أو الجهل المركب لدى البعض، ستبدو للناس بأنها من الثوابت بل والمقدسات في الشرع، وأن تكذيبها ومحاولة الرد عليها وتصحيحها يعتبر تطاولاً وإضعافاً للمذهب. وهنا تغدو الحقيقة كذباً، والافتراء هو الحقيقة المقدسة.

إن تلك المرويات غير العقلانية، والافتراءات والزيادات في مراحل مختلفة من التاريخ، لم تعد قابعةً في بطون الكتب، وعلى أرفف المكتبات فقط؛ بل تُستظهر سنوياً على منابر معظم الخطباء في موسم عاشوراء الإمام الحسين(ع)، ما عدا البعض الذي بدأ يعي هذه القضية ويعمل على إصلاحها. وفي هذا الصدد يشير الشهيد مرتضي المطهري، بأن الإمام الحسين (ع) استشهد ثلاث مرات في الحقيقة، ثالثها عندما استشهدت أهدافه على يد أهل المنبر الحسيني .

ثم إن مدرسة أهل البيت هي مدرسة المنطق والأدلة والبراهين، حيث لم تكن تستند إلى المصادر الخاصّة بها فحسب، وإنما تستلهم الأدلة والبراهين من المصادر والكتب عند المذاهب الأخرى، فأين ذلك فيما شُحنت به كتب الثورة الحسينية وحادثة كربلاء تحديداً من علم مدرسة المنطق والأدلة والبراهين؟

والحقيقة الثالثة، أن الحسين قام بثورته من أجل الوقوف بوجه الظلم وتصحيح أوضاع الأمة، وليس للعزاء والبكاء عليه، أو التفنن في شعائر البكاء واللطم. فهو القائل: «أيها الناس إن رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله) قال: من رأى سلطاناً جائراً مستحلا لحُرم الله ناكثاً لعهد الله يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان ولم يغيّر عليه بقول ولا بفعل، كان حقاً على الله أن يُدخله مَدخله».

يُتبع..

إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"

العدد 5141 - الإثنين 03 أكتوبر 2016م الموافق 02 محرم 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 13 | 7:42 ص

      بارك الله فيك ووفقك، موروثاتنا تحتاج لرجال واعين ينيروا القيم والمبادئ الانسانية التي امر الاسلام بها، وينفضوا عنها الشوائب.

    • زائر 12 | 5:30 ص

      ارجوا الا ننسى هنا اضافة الكثير من البعد السياسي على تلك المراسم بعد نجاح بما يسمى ثورة الخميني التي ساهمت بشكل فعال في تغيير مفهوم تلك الشعائر واتخذت طابعا سياسيا في المقام الاول يلية الطابع المذهبي الذي كان عليه في السابق

    • زائر 11 | 4:39 ص

      لا أوافقك الرأي ف قضية العزاء واللطم والدمعة على الحسين فشأنها كبير وقيمته غالية لا تقاس بشيء .

    • زائر 10 | 3:50 ص

      أتمنى من الكاتب أن لا يبخس دور البكاء و اللطم في القضية الحسينية , و يجب أن يتكلم عنهما بقدر حجمهما , الذي لا يعطي الكثيرون حقه.... فهو و إن ذكر بالأمس انه لا ينكر أهميته , لكن يجب ان لا نقيس البكاء و اللطم دون حجمهما, أو انها مجرد شعائر بكاء و لطم, فما يفهم من روايات اهل البيت عليهم السلام ان لهما المحورية الخاصة في قضية الإمام الحسين عليه السلام , و ان زمن عاشوراء هو زمن بكاء و حزن و دمعة قبل كل شيء , و مشكلتنا اننا نقيس القضية الحسينية بمفاهيمنا و أفكارنا الضيقة الصغيرة

    • زائر 9 | 2:30 ص

      صدقت يا دكتور، هناك بعض "المشاهد" والمواقف الذي يذكرها بعض الخطباء لا تصدق ولا تصح ان تصدر من شخص لنقل ملتزم أو عالم ن ناهيك ان تصدر تلك من إمام او من أهل بيته، روايات غريبة لا يمكن ان يهضمها عقل ومع ذلك تجد حتى الخطباء المجيدين و ذوي العلم و المعرفة يتناول مثل تلك الروايات وكل ذلك من اجل استدرار الدمعة و التفاعل، في حين ان الثورة ملأى بالمواقف والمشاهد الأليمة.. نريد حركة اصلاحية تجديدية للمنبر.

    • زائر 8 | 2:07 ص

      امام الحسين مدرسه نتعلم منه الكرامه والصبر سلام الله عليه

    • زائر 7 | 1:42 ص

      الحسين ثورة متكاملة ضد الظلم .

    • زائر 6 | 1:15 ص

      لذلك قيل ان العبادات وقفية
      هذه طبيعة الشعوب وهنا يأتي دول المثقّف وعالم الدين اللذان يجب ان يتمتعا بالشجاعة بتهذيب الشعائر ورفض الاضافات التي لا تليق بقدسية الشعيرة

    • زائر 5 | 1:01 ص

      ذكر :ابن حبان في صحيحه
      وأخرجه أحمد في مسنده
      وغيرهم بألفاظ متعددة وطرق مختلفة
      فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أم سلمة احفظي علينا الباب لا يدخل علينا أحد. قال فبينما هي على الباب إذ جاء الحسين بن علي فاقتحم ففتح الباب فدخل، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يلتزمه ويقبِّله، فقال الملك: أتحبه؟ قال: نعم قال: إن أمتك ستقتله، إن شئت أريتك المكان الذي تقتله فيه. قال: نعم قال: فقبض قبضة من المكان الذي قتل به فأراه فجاء سهلة أو تراب أحمر، فأخذته أم سلمة فجعلته في ثوبها. قال ثابت فكنا نقول إنها كربلاء

    • زائر 4 | 12:58 ص

      شكراً دكتور على المقالة الجريئة كعادتك في التميز ولكن يجب أن لا نبخس دور البكاء والدمعة في ذكرى عاشوراء فالروايات مستفيضة في فضل البكاء على سيد الشهداء والأئمة عليهم السلام كانوا يبكون وبحرقة وبجزع شديد على مصرع الإمام الحسين فحديث الإمام الرضا مع أبن شبيب بين في هذا المجال.

    • زائر 3 | 12:44 ص

      جزاك الله خيرا على هذا الطرح الرائع ويسعدنا عودتك للوسط

    • زائر 2 | 12:43 ص

      ثورة الإمام الحسين هي الصدمة التي أيقظت الأمّة وأوقفت سياسة دفنا دفنا دفنا التي عمل البعض على دفن الاسلام الحقيقي

    • زائر 1 | 12:41 ص

      كلام سليم استاذنا تسلم اناملك

اقرأ ايضاً