العدد 5142 - الثلثاء 04 أكتوبر 2016م الموافق 03 محرم 1438هـ

«سنودن»... بين جدلية الخيانة ورمزية البطل القومي الشجاع

فيلم يتناول سيرته الذاتية يُعرض بـ «السيتي»...

جوزيف غوردون في لقطة من الفيلم
جوزيف غوردون في لقطة من الفيلم

أشعل فيلم «Snowden» المعروض حالياً في سينما مجمَّع السيتي سنتر، جدلاً لا يزال مُحتدماً في داخلي، مثاره ما يُمكن أن أصف به بطل القصة الحقيقة التي يرويها الفيلم، إدوارد سنودن.

هذا الجدل، في الواقع، ليس مختصاً بي، لكنه شغل ولا يزال يشغل كثيرين منذ أن ظهر سنودن على صفحات صحيفتي «الغارديان» و «الواشنطن بوست» يوم 21 يونيو/ حزيران 2013، كمسرِّب لمعلومات مهمة صُنِّفت بأنها سرية للغاية من وكالة الأمن القومي؛ حيث يعمل، تتعلَّق ببرنامج التجسُّس «بريسم» الذي تستخدمه الوكالة للتجسُّس على خصوصيات الأفراد... في جميع أنحاء العالم، بهدف حماية الأمن القومي لأميركا.

ربما يحتاج كل من يشغله هذا الجدل، لأن يتعرَّف عن قرب على حقيقة ما فعله موظف وكالة الأمن القومي، والعميل السابق بوكالة المخابرات المركزية (السي آي أيه)، هذا، وعلى ما يمكن أن يكون لذلك من تأثير على حياتنا جميعاً.

المخرج والمنتج والسيناريست الأميركي «الثائر، المتمرِّد دائماً» أوليفر ستون، تبرَّع للقيام بهذه المهمة، في فيلم Snowden، وهو فيلم إثارة سياسي، يسرد السيرة الذاتية لإدوارد سنودن، يخرجه ستون ويشارك في كتابة نصه السينمائي. ستون استقى مادته تلك من كتابين، هما The Snowden Files الذي وضعه الصحافي البريطاني لوك هاردنغ، وحصل هذا الكتاب على إشادة قوية من صحيفة «الغارديان» التي كانت أول من نشر تسريبات سنودن. كذلك استقى ستون مادة فيلمه من كتاب Time of the Octopus الذي وضعه محامي سنودن، الروسي أناتولي كوشيرينا.

يتتبَّع الفيلم تفاصيل دقيقة للجانب الوظيفي من حياة سنودن، ولجزء بسيط من حياته الشخصية، مركِّزاً على تلك التفاصيل المتعلِّقة بتمكُّن سنودن من الوصول إلى مصادر معلوماته التي بثَّها للصحافة، والمتعلِّقة بتجسُّس وكالة الأمن القومي على الحياة الخاصة لملايين الأشخاص في جميع أرجاء العالم، بحجَّة حفظ الأمن القومي للولايات المتحدة الأميركية، ومن ثم للعالم.

متعة التفاصيل ليس في سردها بل في مشاهدتها على الشاشة في فيلم لم يخلُ من إثارة ومتعة، على رغم مادته السياسية و... التقنية إلى حد ما. الفضل في ذلك يعود إلى مخرج متمكِّن من تقديم الأفلام السياسية طوال تاريخه المهني، حاصداً الجوائز عن عدد منها، وكذلك للفنان جوزيف غوردون لفيت الذي أبدع في أداء الدور وتمكَّن من نقل حالة التوتر المصحوب بالإصرار على إتمام المهمة، والخوف الممتزج بشجاعة نادرة. غوردون ممثل جيد على أية حال، تألَّق في عدد من الأفلام مثل Inception, The Dark Night Rises, Sin City وهو هنا يبرز بشكل اسثنائي في فيلم بدا هو محوره الأساس.

لكن المتعة الأكبر حقيقة ستكون في الجدل الذي ستعيشه بداخلك فيما تتابع ما يفعله سنودن، وحتى بعد انتهاء الفيلم, سيتمثل هذا الجدل في عدم قدرتك على تقرير ما إذا كان سنودن بطلاً أم خائناً، شجاعاً في تسريبه لمعلومات بهذه السرية وعلى هذه الدرجة من الخطورة والأهمية، أم متمرداً منتهكاً لقوانين السرية التي يلتزم بها أي موظف في العالم، ناهيك عن موظف يعمل في وكالة الأمن القومي. هل هو مسرب لمعلومات مهمة للعالم بأسره، أم إنه متمرد، هل هو وطني مخلص للأسس التي بنيت عليها الديمقراطية الأميركية والتي يؤمن بها كثير من الأميركان، ومن بينهم «المثقفون» خصوصاً، أم خائن لبلاده ولديمقراطيتها، مهما بدت تلك النسخة المعمول بها من تلك الديمقراطية، مشوهة و.. مزيفة.

سيُثار بداخلك جدل آخر أيضاً حول الخط الفاصل بين حق الحكومات في مراقبة الحشود بهدف الحفاظ على الأمن القومي وبين حق الأفراد في الحصول على خصوصيتهم على مختلف وسائل التوصل، ستتساءل إن كانت للتطوُّر التكنولوجي الهائل الذي نعيشه تأثيرات سالبة على الديمقراطية.

الطريف أنك بقليل من البحث ستعرف أن الجدل لا يدور في أذهان مشاهدي الفيلم في جميع أنحاء العالم فحسب، لكنه أيضاً جدل يدور لدى صنَّاع الفيلم أنفسهم. أوليفر ستون مخرج الفيلم وكاتب نصه، يقول في أحد لقاءاته، معلِّقاً على عدم تحمُّس أي شركة أميركية لإنتاج الفيلم، لتتلقَّفه أخيراً شركة ألمانية «إنه أمر غريب حقاً أن تصنع فيلماً عن رجل أميركي، ولا تكون قادراً على تمويل الفيلم في أميركا (...) يقولون إن لدينا حرية تعبير، ولكن الواقع هو أن افكارنا مُموَّلة، ومُوجَّهة، وكذلك إعلامنا. هذه البلاد تتعامل مع هذا الأمر بشدة؛ إذ لا يُسمح بتوجيه الانتقادات عند مستويات محدَّدة. يمكنك أن تصنع فيلماً عن قادة الحقوق المدنية، ممن رحلوا، ولكن ليس من السهل أبداً أن تصنع فيلماً عن الأحياء منهم».

نموذج ستون، هذا الرافض لسياسات بلاده، الجرئ في اعلان معارضته ورفضه، ليس وحيداً. في أحد مشاهد الفيلم يقول صحافي «الغارديان» غلين غرينوالد، الذي كان مسئولاً عن نشر المعلومات المسربة من قبل سنودن، وهو أيضاً من ساعده على الهرب من هونغ كونغ (يقوم بدوره الممثل زاكري كوينتو) لسنودن: «أنت لست وحدك» في إشارة إلى أولئك الذين لا يقبلون بسياسات بلادهم.

نعم لم يكن سنودن وحيداً، صحف كبرى نشرت قصته، صحافيون بارزون عرَّضوا مهنتهم للخطر حين نشروا قصته تلك، آخرون ساعدوه على الوصول إلى ملجأ آمن، وبعدها كان هناك مخرج شجاع كأوليفر ستون ينتقد سياسات بلده بهذه الصراحة وبهذه الجرأة، وممثلون لا يقلون شجاعة عن مخرج فيلمهم، يقدمون أداء مميزاً يجعل مشاهدة الفيلم متعة خاصة، وبطل فيلم هو جوزيف غوردون ليفيت يتبرع بأجره عن الفيلم كاملاً من أجل تسهيل الحوار حول علاقة التكنولوجيا بالديمقراطية.

إنها حقا نماذج مُشرِّفة... لكن في الجانب الآخر، لا تتجاوز أرباح الفيلم على شباك التذاكر الأميركية، 20 مليون دولار، وهي نصف موازنة الفيلم البالغة 40 مليون دولار. لم يعجب الفيلم المشاهدين الأميركان، وربما، ربما أقول، كانت تلك هي الحالة التي يرفض فيها العقل أن يستثار بداخله وعي مختلف بحقائق الأمور، وعي يُهدِّد حالة السكينة التي يعيشها العقل وهو يسلم بأن الحالة القائمة هي المثلى، مهما كانت عيوبها ونقائصها. يبدو ذلك أكثر راحة للكثيرين، من مواجهة الأوضاع القائمة، وتحريك المياه الراكده والاضطرار للتمرد على أي خطأ بهدف تصحيحه... أقول ربما!!





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 6:07 ص

      تساؤلات كثيرة تدور حول سنودن وفيلم سنودن..
      قصة تتحدث عن الحكومات والوطنية..
      لكن..!
      لماذا هذا التوقيت ؟؟

    • زائر 1 | 1:27 ص

      بارك الله فيك يا منصوره ، قراءه جميله للفيلم ، ومحاولة مجديه لتحريك المياه الراكدة فى مخوخنا

اقرأ ايضاً