العدد 5142 - الثلثاء 04 أكتوبر 2016م الموافق 03 محرم 1438هـ

تحريفات في الثورة الحسينية

محمد حميد السلمان comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

إنّ الخصوصية التي تتميز بها الثورة الحسينية، هي التي جعلت موضوعها منفصلاً عن سائر الموضوعات الفكرية الأخرى. فسائر المسائل لها جانب مدرسي في الغالب، تُطرح ويتم تداولها في أوساط خاصّة؛ أما مسألة الثورة الحسينية وتقديرها وتعظيمها فهي أمر مختلف، فقد تحوّلت إلى قضية عامة ويومية وعصرية. ولهذا السبب هي تحتاج أكثر من غيرها لتصحيح ومراجعة حقيقية ودائمة ضد كل ما أُدخل عليها، أو يدخل حالياً أو مستقبلاً، من سوء فهم، أو خلط في الوعي بين مفاهيم الثورة والنهضة الحسينية والحدث التاريخي ككل، والمفهوم العقيدي.

إن مكانة النهضة الحسينية الخاصة في التاريخ الإسلامي، تستوجب أن تخضع للبحث والدراسة الدقيقة، كما يذكر محمد الريشهري، في أوساط الحوزات العلمية والجامعات، ومن قبل أكفأ العلماء والخبراء، باعتبارها أحد أهم قضايا العقيدة، وعلى النُّخب المحيطة بمعارف الكتاب والسّنة وتاريخ أهل البيت النبوي، تبيين وتفسير الأبعاد المختلفة والمعبرة عن هذه الملحمة المفعمة بالهداية والعبر، وذلك من خلال جمع الروايات التاريخية، وتقييمها وتحليلها .

فهل صحيح أنه توجد تحريفات في الثورة الحسينية وفي واقعة كربلاء بالذات؟ وما هي تلك التحريفات؟

رغم أن تاريخ الثورة الحسينية مدون في بعض المصادر المعتبرة عند الفريقين من المسلمين منذ وقعت حادثة كربلاء؛ إلا أنه ظهر في الحواضر الشيعية منذ القرن العاشر الهجري، اتجاهات جديدة في كتابة السيرة الحسينية، أكَّدت على تكريس ظاهرة الانفعال غير المحدود بجانب الفاجعة، وذلك بإيراد روايات غير مسندة - في الغالب -، أو هي موضع جرح لدى المحققين من العلماء، تذرُّعاً بربط الأمَّة بأهل البيت عامةً، وبالإمام الشهيد خاصةً. فمن أين جاء الرواة المتأخرون جداً عن حادثة كربلاء، في عهود البويهيين في القرنين العاشر والحادي عشر للميلاد، بكتب «مَقَاتِل» عن الإمام الحسين (ع) أُقحمت في نصوصها بعض الأهواء والميول والأهداف السياسية، مع إشراك خاصّ للعاطفة والأحاسيس الدينية؟ كيف انتقل هذا النهج لمن جاء بعدهم في نسج مثل تلك الروايات الخيالية من مجموعة كتب مفقودة أساساً؟ ألا يستدعى هذا البحث والتمحيص والتدقيق فيما نقرأ ونبث للقراء وعامة الناس؟ فمنذ ظهر كتاب «روضة الشهداء» للملا حسين واعظ الكاشفي عام (910هـ- 1504م)، وإليه تعزى بعض الأساطير والخرافات المقحمة في نصوص عاشوراء؛ أخذت السردية الخيالية الخرافية تشق طريقها إلى بعض كتب الرواية والتاريخ، بل واعتمدتها بعض المراجع المتأخرة أيضاً. علماً بأن أقوال أرباب السير تباينت في حقيقة مذهب صاحب هذا الكتاب وانتمائه، فبعضٌ قال: هو من الشافعية، وآخر من الحنفية، بينما ذهب آخرون إلى تشيّعه.

من هنا، علينا أن نعي بأنه بسبب ما وصلت إليه المجالس الحسينية من قوّة التأثير في العامة، أطمع ذلك الحكّام في توظيفها بما يصبّ في مصالحهم، وذلك عبر عملية تغييرية ترمي إلى استدراج هذه الأداة وسلبها قوّة المعارضة والتأثير، وتحويلها إلى أداة بيد السلطان، الأمر الذي أفقدها إلى حدّ كبير فاعليّتها الثورية. وقد بدأ هذا النهج الجديد، ببداية الحكم البويهي، وتحديداً في عهد معز الدولة عام 334هـ 945 م. ويرى محسن ظاهري، أن البويهين استطاعوا استغلال سخط المسلمين الشيعة، وضعف الدولة العباسية للإستيلاء على مركز الخلافة في بغداد؛ للسيطرة على كافة الأوضاع في غرب إيران والعراق. وكان من أبرز مبادرات هؤلاء دعم ما كان ممنوعاً من النشاطات ذات الصفة المذهبية، كإحياء مجالس العزاء والاعتراف بها رسمياً. بل حتى وصل بهم الأمر إلى الإجبار عليها أيضاً، وقد اتخذوا في نشر مذهبهم أساليب مشابهة لما كان يتبعه خصومهم العباسيون، وهي أساليب غير مقبولة في منظار الإسلام الحنيف.

إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"

العدد 5142 - الثلثاء 04 أكتوبر 2016م الموافق 03 محرم 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 11 | 10:09 ص

      وين غايب يا استاذ نشتاق لرؤيتكم خصوصا مثل هذه المناسبات العزيزة

    • زائر 10 | 10:03 ص

      لماذا نكون جريئين في نقد أنفسنا و نترك الآخرين و المعلوم أن الكثير من الروايات المندسة في سيرة أهل البيت عليهم السلام ألفها أبو جعفر المخذول عبد الله العباسي. ليسيء لأهل البيت بدهاء و نحتاج لغربلة التاريخ بشكل صحيح من كل الكتب. فمواقف الكثير غريبة كموقف بن الحنفية و غيره، و اليوم تتأكد هذه الحاجة لأن العامة يأخذون التاريخ من المسلسلات و المسلسلات الشيعية تنتجها إيران بكل ما هو رسالة سياسية و مدسوسة و لا تمس للواقع بصلة إلا أنها تظهر دور إيراني لم يكن موجودا في نصرة التشيع. والله المستعان.

    • زائر 9 | 4:58 ص

      لعبت السردية الخيالية دورها في نشر الكثير من القصص والاحداث المستوحاة من الخيال الواسع ونقل روايات الرؤيا لكن والحمدلله برز اليوم عدد من الخطباء الذين اعتمدوا الدروس القيمة من الفاجعة دون أن ينسوا ما للعبرة والدمعة اثرهما في نفوس عشاق الحسين .

    • زائر 8 | 4:20 ص

      السبب في انتشار القصص الخرافية هو كما يقول اخواننا المصريين "الجمهور عاوز كذا" للاسف يتسابق من يعتلي المنابر و خصوصاً في الفضائيات على سرد قصص لا يمكن لعاقل ان يصدقها و لا يمكن لعقل سوي ان يقبلها فقط لان العامة تحب سماع مثل هذه الخرافات و الأساطير

    • زائر 5 | 2:41 ص

      نعم يجب ان تتم عملية التمحيص علي ايدي المتخصصين
      فقبل كل شيئ ماهو تعريف الخرافة وما هو تعريف العقل؟
      فقبل ان يتم رفض اي شيئ بحجة مخالفة العقل علينا تعريف ما هو المستحيل عقلا , فمثلا قصة عرش بلقيس تخالف العادة الطبيعية ولكنها لا تخالف العقل
      وفي الطرف المقابل لا يمكن قبول كل شيئ بحجة عدم مخالفته العقل فالامكان اعم من الاثبات وهذا ما يقع فيه وللاسف الكثير من الخطباء
      هناك كتب معتبرة على الخطباء التمسك بها وعدم نقل كل ما يسمعونه بدون التمحيص من اعتبار المصدر

    • زائر 3 | 12:58 ص

      هنالك الكثير من الخرافات التي تم لصقها بالإمام الحسين عليه السلام وبواقعة كربلاء ويتم محاربة وتسقيط من ينتقدها...هذه الزيادات تشابه ما قام به الوضاعون ...نتيجتها النهائية هي إضعاف أهداف ثورة الحسين عليه السلام.

    • زائر 2 | 12:04 ص

      صح كلامه

    • زائر 1 | 10:06 م

      في اح الشيوخ في احد القنوات الفضائية يقول لا اعرف من اين تاتون بتلك القصص الخرافية وهو يقول ياليت تحترمون عقولنا وما في داعى لزيادة

اقرأ ايضاً