العدد 5147 - الأحد 09 أكتوبر 2016م الموافق 08 محرم 1438هـ

بالفيديو ... في حضرة الشيخ محمد علي الناصري: «الوسط» تضيء سيرة «الخطيب المنفتح»... وصاحب المخطوطات «المجمدة»

خلَّف تركة ثقيلة قوامها 20 كتاباً لم ير النور... وعائلته تبحث «الإنقاذ»

المرحوم ملا محمد علي الناصري (1919 – 1999)
المرحوم ملا محمد علي الناصري (1919 – 1999)

ثامن المحرم، هو يوم تخصصه «الوسط» للشيخ محمد علي الناصري (1919 – 1999)، ولسيرته؛ خطيباً حسينياً، مؤلفاً، شاعراً، وموثقا.


زاوج الناصري، الذي استعاض عن المدرسة بـ»المعلم»، بين أمرين، فصيغت شخصيته الدينية المفتحة، وكانت نتاجاته الفكرية التي تنوعت فطالت مساحات زهد فيها غيره، من بينها التراث والأمثال.


التقت «الوسط» بنجله محمد خليل الصفار، أمس الأحد (9 أكتوبر/ تشرين الأول 2016)، ليبدأ التوثيق «إرث الوالد في الحفظ والصون، من بينه 45 كتابا و20 مخطوطا، تواجه تحديات عدة في سبيل طباعتها ونشرها».


وبعد 80 عاما، خلف الناصري الذي كان يوصي بطباعة كتبه، خلف تركته الثقيلة، قوامها نحو 7 آلاف كتاب هي مجموعة كتب مكتبته، بينها كتب لاتزال حتى اليوم مخطوطات، الأبرز فيها (معجم قرى ومدن جزيرة أوال وتوابعها)، والذي يأتي في 3 أجزاء.


عن ذلك، تحدث الابن محمد، فقال: «عمل والدي على هذا المعجم المكون من 2000 صفحة تقريباً، لمدة 45 سنة، ولم يرحل قبل إتمامه، وفيه كان يتناول كل منطقة، فيتطرق لسبب التسمية وما قيل في ذلك، والمعالم والعوائل، والمآتم والمساجد، والعيون، فكان له شعر لكل عين، بالإضافة للحوادث التاريخية، والتي دون بعضها بطريقة الشعر».


إلى جانب ذلك، فقد شملت قائمة «المخطوطات الناصرية»، كتاب (هكذا عرفتهم) وفيه تحدث عن تراجم لـ 250 شخصية بحرينية من عالم ووجيه، بالإضافة لكتاب (الأسرار في الأحجار) والذي ضمنه مواقف مباشرة له مع الأحجار الكريمة والخواتم.


الناصري أم الصفار؟


لحكاية اللقبين، تفاصيل، يرويها ابنه محمد بالقول «ينحدر والدي من عائلة الصفار، والتي اكتسبت لقبها من عملها في سوق الصفافير في المنامة (عمل جدي في الخياطة وعمل والدي في الصفارة)، وفي فترة سفر الوالد إلى إيران، كان يستعيض عن لقب الصفار بالناصري (نسبة إلى والده ناصر المشتغل في الطب الشعبي)؛ تفادياً لنظرة الإيرانيين الدونية لأصحاب الألقاب المرتبطة بالحرف، وبعد تأليفه كتاب (تنفيه الخاطر وسلوة القاطن والمسافر) كتب عليه اسم الشيخ محمد علي الناصري، وحين عاد للبحرين استمر اللقب».


واكتشفه ملا عطية


بين الناصري والخطيب الحسيني ملا عطية الجمري، نسجت علاقة من نوع خاص، حتى كان الناصري ينادي ملا عطية بـ»يُبه»، في دلالة على أبوية العلاقة التي استمرت لـ 40 عاما، أما البداية فيرويها الابن محمد خليل بالقول «وعمر والدي 19 عاماً، كانت الأقدار تعبد له الطريق باتجاه صعود المنبر الحسيني، يقرأ في مأتم الصفافير بالمنامة؛ نظراً لغياب الخطيب ملا عطية الجمري، فيأتي هذا الأخير في الجمعة التالية فيسمعه، يعجب بصوته وأداءه، فيقترح عليه التعلم».


بعد ذلك، استمر الناصري صانعاً لملا عطية لمدة 4 سنوات، واستقل بعد أن وضعه الجمري على أول الطريق، وترك حرفة «الصفارة» وواصل مع ملا عطية الجمري.


وتتلمذ الناصري الذي اعتبر نفسه «محظوظاً بنهجه الذي اختاره، ممثلاً في رثاء ومدح أهل البيت (ع)»، على أيدي العديد من الخطباء، من بينهم ملا عطية الجمري والشيخ حسن الباقري، كما تعلم اللغة والنحو على يد كل من: الشيخ محمد علي حميدان والشيخ عبدالله بن الشيخ محمد صالح وسيدعلوي الغريفي.


لم يترك المنبر


وعمره 19 عاما، ارتقى الناصري أول منابره الحسينية، واستمر على ذلك حتى وفاته.


امتاز بأسلوب خطابي، أثراه بسعة اطلاعه، فكان يستعين على المجلس الواحد بالعديد من الأطوار الشعرية، والكثير من القصائد التي اندثرت، كذلك كان قادراً على التجديد رغم تقدمه في السن، حتى أتم 60 عاماً على خدمته الحسينية.


ملتقى الملالي في محل «التتن»


في محل المرحوم ملا سيدعدنان الوداعي، بائع «التتن»، والكائن في سوق المنامة، كان محل التقاء الملالي صباحاً، من بينهم الخطيب الناصري والشيخ أحمد العصفور، وهناك كانت تلقى الأشعار المتنوعة لتحيل المكان ملتقى للشعر والأدب.


يصفه ابنه محمد خليل بالقول «دائم التبسم، وقد تأثرت شخصيته بالعراق والعراقيين كثيراً، حتى انطبع ذلك على لهجته وعلى اهتمامه بالتراث»، فيما «يرسمه» الباحث مجيد علي فتيل بالقول «كان الناصري كثير التبسم، إذ يلقاك بالبشر ويودعك بالسرور، وفي الوقت ذاته كان يحتفظ بوقاره وهيبته، ولقد كان أيضاً يتمتع بحيوية ونشاط كبيرين رغم تقدمه في السن».


تركة ثقيلة


هو التوصيف الذي اختاره ابنه محمد خليل، للتعبير عن إرث والده الشيخ محمد علي الناصري، في تأليف الكتب وجمعها، لم ير الكثير منها النور بعد، ويقدر عددها بـ 20 كتابا لايزال مخطوطا.


إنتاجه الغزير هذا، فسر هو فلسفته في بيتي شعر نظمهما بالقول:


نعم هذه الدنيا تمر كلحظة ... فهل يرتجى منها الخلود مصير


وما هي إلا أكلة ثم شربة ... ومنها إلى قعر القبور تصير


وبداية هذا الانتاج، كانت من كتاب (تنفيه الخاطر وسلوة القاطن والمسافر) والذي خرج في جزأين بعد أن استطاع الناصري تأليفه وهو في طريقه مسافراً إلى القصبة، (منطقة بين إيران والعراق)، وذلك عبر «التك»، وهو نوع من أنواع المراكب، فيما يعلق على ذلك ابنه محمد خليل «حين كنت أسأله عن سبب تأليفه للكتاب، كان يرد بالإشارة إلى حاجة المسافر للتسلية عبر قصائد هزلية جمعها في الكتاب».


كتاب لم يظهر لملا عطية


لم يكتف الناصري بمؤلفاته، ذهب لأبعد من ذلك وفعل مالا يفعله الكثيرون، حتى تمكن من إخراج 45 كتابا للنور، بعضها من تأليفه وأخرى من جمعه. بذل جهداً في لملمة شتات غيره، وأحالها كتباً ودواوين لشخصيات بارزة من بينها أستاذه ملا عطية الجمري، وديوانه الشهير «الجمرات الودية في المودة الجمرية». ينقل عنه ابنه محمد خليل «كان ملا عطية يمشي ويكتب ويعطيني»، حتى تمكن من إتمام الأجزاء الثلاثة الأولى (1 – 3) في حياة ملا عطية، فيما رأت الأجزاء الثلاثة المتبقية (4 – 6) النور بعد رحيله.


وأضاف «نحتفظ ضمن إرث الوالد الفكري، بأوراق خطت بيد ملا عطية الجمري شخصياً، وغالبية الدفاتر الأصلية موجودة عندي».


ووفقاً لحديث الابن محمد خليل، فإن الشيخ الناصري جمع إلى جانب «الجمرات الودية»، كتاب آخر لملا عطية الجمري وهو عبارة عن ديوان شعري باللغة العربية الفصحى، غالبيتها حسيني، مضيفاً «أوصى والدي قبل رحيله بطباعة الكتاب، ولايزال عند ابنه الشيخ عبدالمحسن الجمري، بانتظار الطباعة والتوزيع».


وبفضل جهود الناصري الاستثنائية، حفظ إرث ملا عطية الجمري. يقول ابنه محمد: «كان في ذلك الوقت يأخذ الأوراق ويحتفظ بها في دفتر، ليذهب بها بعد ذلك للمستشار بلجريف للحصول على رخصة التأليف، وكان ينقلها عن طريق الحاج أحمد الماحوزي صاحب المكتبة»، مضيفاً «لم تكن الكتب تتعرض للرقابة، وكانوا فقط يختمونها».


وتواجه عملية إخراج إرث الناصري للنور، تحديات، من بينها مالية تتعلق بكلفة الطباعة، إلى جانب حاجة المخطوطات للتنقيح والكتابة على جهاز الكومبيوتر، والمراجعة.


وفي إطار البحث عن مخارج، لم يمانع الابن محمد خليل الصفار من النظر في إمكانية البحث في مقترح يتعلق بإنشاء مؤسسة معنية بإرث الناصري الفكري، تجميعاً ونشرا.


ومواصلة للحديث عن بصمات الشيخ الناصري، عدد بعضها كتيب صادر عن جمعية الماحوز الخيرية: «سعى الناصري الى كتابة كثير من دواوين الشعر لكثير من الخطباء، وقد قام بطباعة الكثير منها، بعد أن بذل الجهد الجهيد في جمع كثير منها، من بينها: ديوان ملا عطية الجمري (6 أجزاء)، ديوان ملا علي بن رضي (جزأين)، ديوان ملا عبدالحسين العرادي (الجزء الأول)، ديوان ملا عبدالوهاب العرادي، ديوان ملا جواد حميدان، ديوان الحاج عبدالحسين الحلواجي، ديوان الحاج سلمان بن سليم، ديوان السيدالنجفي، ديوان الملا عبدالله البلغة، ديوان ملا أحمد بن رمل، وديوان ملا علي بن فايز».


مجمع هوايات


لم تنحصر اهتمامات الناصري في حدود الخطابة الحسينية وشئونها، حتى اعتبره الباحث جاسم آل عباس «شخصية فريدة من نوعها، باهتماماتها المبكرة في جانب التراث، وبجهودها التي أسهمت في توثيق الكثير من ذلك»، فيما أردف ذلك المؤرخ سالم النويدري بالإشارة لاستثنائية شخصية الناصري، والحاجة لحفظ إرثه واستثماره.


وفي مجال الهواية، ضمت قائمة هوايات الناصري، 17 هواية، شملت جمع القواقع البحرية والأصداف حتى ألف كتابا (مخطوط) في ذلك، كما ألقى محاضرة عنها في جمعية تاريخ وآثار البحرين.


عرف بتخطيه حدود جدران المآتم، فكان نشاطه على مستوى البحرين، محاضراً في جمعية تاريخ وآثار البحرين، ومتواصلاً مع باحثين إنجليز ومع متحف البحرين الوطني، بل وامتد نشاطه لخارج البحرين، حين اشترى منه مركز التراث في قطر مجموعة من كتبه.


متحف الناصري


وبهواياته الغريبة في بعضها، أثار الناصري تعجب البعض آنذاك، فكان مهتماً بجمع علب الكبريت «عود الثقاب»، ولديه 500 علبة غير مكررة، منها ما حمل صورة الزعيم المصري جمال عبدالناصر، إلى جانب هواية جمع العملات المعدنية، وفي ذلك يقول ابنه محمد خليل: «في سفري، كانت «صوغته» العملات القديمة، وذلك بطلب شخصي منه. لم يكن يطلب شيئاً آخر».


وبحوزة عائلة الناصري (الصفار)، مقتنيات عديدة لوالدهم من بينها المسابيح والخواتم والساعات والكاميرات والصور، وهي اليوم جاهزة لإنشاء متحف يحمل اسم والدهم. يقول ابنه محمد خليل: «في المكتبة نحو 7 آلاف كتاب أيضاً، ونحن في طور إعادة ترتيبها وتنظيمها، وما لفت انتباهي عشقه المخطوطات فكان لا يمانع من شرائها وأسعارها تصل إلى 150 دينارا».


الرحيل


في العام 1999، كان الناصري يستعد لطي عقوده الثمانية، فاستعد لذلك بأبيات شعر، نعى فيها نفسه قبل شهور من الوفاة، وطلب من صديقه ورفيق دربه سيدعدنان الوداعي بأن تؤرخ بعد وفاته.


أبيات تضمنت قوله:


أدين بدين المصطفى ووصيه... علي وباقي الآل كل حياتي


وأرجو بهم فوزي بيوم قيامتي... فهم شفعائي بعد يوم وفاتي


بهذا يدين الناصري فأرخو ... ( ) وأتمها المرحوم الشيخ عبدالأمير الجمري والذي كان على علاقة وثيقة به، فقال:


بهذا يدين الناصري ومرتجي ... الإقالة من باريه للعثرات


وبالآل – للتاريـخ ... (زك محققاً الناصري راجح الحسنات).



محمد خليل الصفار نجل الشيخ محمد علي الناصري متحدثاً إلى «الوسط» عن سيرة والده - تصوير : أحمد آل حيدر
محمد خليل الصفار نجل الشيخ محمد علي الناصري متحدثاً إلى «الوسط» عن سيرة والده - تصوير : أحمد آل حيدر

العدد 5147 - الأحد 09 أكتوبر 2016م الموافق 08 محرم 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

شاهد أيضا