العدد 5147 - الأحد 09 أكتوبر 2016م الموافق 08 محرم 1438هـ

بلغريف في مذكراته عن عاشوراء البحرين: مشهد العزاء جذاب لأي فنان

أحد مواكب العزاء
أحد مواكب العزاء

ثم فجأةً، بدون أي علامة أو إشارة، نهض كل واحد على قدميه. تحرك الرجال الكبار في السن إلى ممرات المأتم، أما الشباب والرجال الأصغر سناً فقد خلعوا معظم ملابسهم وجعلوها في حِزم ولفّوا أقمشة بيضاء أو ملونة حول خصورهم، مشكلين دائرة في وسط القاعة، ثم صنعوا دائرة ثانية. ودارت دوائر الرجال ببطء، كل رجل إحدى ذراعيه مشتبكة مع خصر جاره، بينما الذراع الأخرى يضرب بها صدره هاتفاً: يا حسين، يا حسين. وخاتِماً بعنف بنفس إيقاع نغمة الهتاف.

وقفت عند الباب مراقباً هذا المشهد البربري. إنه موضوع جذّاب لأي فنان! في مرات عديدة حاولت أن أرسم هذا المشهد لكنه يحتاج إلى شخص بمهارة جوستاف دوريه ليكون عادلاً مع جمهور الأجساد العارية المتلألئة والمصباح الأصفر، والأقواس المظلمة في الخلفية وصورة الخطيب النائح على كرسيه فوق الحشود مغموراً بمنظر الرجال الذين رفع حميتهم لهذه الذروة من الإثارة.

لعدة دقائق صار المأتم مليئاً بصوت الهتاف الغليظ والأرجل الضاربة والصفعات التي تشبه المسدس للمئات من الكفوف المفتوحة على الصدور العارية التي كان لها أثر حسي مثير للفضول. ثم اتجه قائد إحدى الدوائر نحو الباب وفي لحظة واحدة تدفقت حشود الرجال البالغ عددهم 400 أو 500 إلى الشارع حيث شكّلوا موكباً لينضموا إلى الفرق الأخرى من الرجال من المآتم الأخرى.

وفي الوقت نفسه شارك بعض الرجال الكبار في السن في الموكب أيضاً، والذين بدأوا ببطء بجمع أكواب القهوة وأدوات التدخين وشيئاً فشيئاً بإطفاء المصابيح.

مشيت إلى مأتم العجم. كان المأتم الأكبر في المدينة لكن مبناه غير جذاب. الشوارع كانت مليئةً بالناس المهرولين إلى الأماكن التي يستطيعون فيها أن يشاهدوا موكب العزاء بأفضل ما يمكن، وحشود النساء التي تشبه الغربان السوداء حطت على أطراف أسطح المنازل التي تقع على خط سير الموكب. قادوني عبر الدرج إلى أحد الأسطح حيث يستطيع المرء أن ينظر إلى الأسفل خلال النوافذ، إلى المأتم الذي كان الملا الفارسي ينهي قراءته، ومن هناك كنت أشاهد الشارع حيث يمر الموكب. كانت هناك كراس على السطح، وجلب الناس أكواباً من الشاي الفارسي المُحلى. مباشرة اندفع الرجال إلى الشارع الذي كان طريقاً واسعاً، مكتظاً على كل جهة بالمشاهدين الذين حرص رجال الشرطة على جعلهم على مسافة من منتصف الشارع.

كان وقتاً صعباً لرجال الأمن الذين كانوا يعملون لساعات طويلة خلال الليالي الثمان السابقة، واضعين أعينهم على المآتم ومرافقين للمواكب الليلية. وتحدث المشاكل على نحو غير مختلف إذا ما التقت مجموعات من مأتمين في طريق ضيق لأن لا أحد منهما سيفسح الطريق للآخر. ولقد درجنا على تنظيم جدول مع قادة الشيعة لغرض تجنب أية صدامات، لكن هذا الجدول لا يتم الالتزام به أحياناً. فحينما يكون كل واحد متوتراً ومشدوداً، فأي شيء ربما يقع، وفي بعض الأحيان تحدث أمور غير مرغوبة.

بعد وقت قصير سمعت صوت الطبول على مسافة غير بعيدة مصحوباً بالعويل الصاخب للنساء، ورأيت مصابيح صفراء متحركة منعكسة على جدران البيوت. وأصبح الضجيج عالياً حينما جاء رئيس الموكب ببطء إلى الشارع أسفلنا، وأضافت النساء اللواتي في البيوت المقابلة عويلها الحاد إلى صوت الموسيقى. وجاء بعض رجال الشرطة أولاً حاملين المواقد للتأكد من أن الطريق سالك، ثم جاءت مجموعة من الرجال والأولاد الحاملين للأعلام واللافتات على أقطاب طويلة مع رمز ليد على نقطة من الأقطاب، هتفوا وألقوا الغبار على رؤوسهم، تبعهم الموسيقيون وهو يعزفون على أنواع مختلفة من الطبول والمزامير. كان اللحن حزيناً ومثيراً للأسى. ثم جاءت التماثيل التي يحمل كلاً منها أربعة رجال. إنها نماذج للمساجد في المدن المقدسة بقبب مذهبة وامضة ومنارات طويلة، مضاءة من الداخل بالشموع، الموكب كله كان مضاءً بواسطة رجال حاملين مصابيح يدوية. رجال كانوا يقودون خيولاً أغطيتها مزركشة عليها مسحة من الصبغ الأحمر الذي يمثل الدم، وبعضها عليه أسهم مثبتة في الأغطية. كانت الخيول تستعار عادةً من حاكم البحرين، وحيث أنها ليست مدربة على مواجهة الجمهور فإنها أحياناً تندفع بين المشاهدين.

العدد 5147 - الأحد 09 أكتوبر 2016م الموافق 08 محرم 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 2:54 ص

      مقال بلغريف هذا ذكرني بالسفير البريطاني في الهند مع القنصل البريطاني عندنا كانوا مارين في السيارة و رأوا شاباً جامعياً يركل برجله بقرة، فأمر السفير السائق أن يتوقف، و نزل السفير من السيارة و عاقب الشاب عقابا شديدا أمام مرأى الناس في الطريق

    • زائر 5 | 2:44 ص

      هده ابانا وجدادنا
      ونحن على خط
      الحسين ان شاء الله
      سائرون
      السلام على الحسين
      وعلى علي بن الحسين
      وعلى اولاد الحسين
      وعلى اصحاب الحسين
      ونحن اصحاب الحسين
      وصدق رسول الرحمه
      من احب عمل قوما
      حشره معهم

    • 14 نور | 1:57 ص

      السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى اصحاب الحسين عليهم السلام
      اللهم احشرنا مع الحسين يوم الورود وثبت لي قدم صدق مع الحسين وأصحاب الحسين الذين بذلوا مهجهم دون الحسين علي السلام

    • زائر 2 | 12:57 ص

      صباح الخير

      أي والله السلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحفيده الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات ربي وسلامه عليه كان العزاء ذاك الوقت مهيب فعلأ كان يصتحيني واللدي من شذه الخوف أحاول الهروب منه

    • زائر 1 | 12:06 ص

      اااقولهااا
      السلام على الحسين
      وعلى علي بن الحسين
      وعلى اولاد الحسين
      وعلى أصحاب الحسين
      السلام عليكم جميعآ لقد فزتم بالحياة الابدية
      فهنيئا لكم الجنة الموعودة حشرنا الله وإياكم
      مع محمد وآل محمد "مإجورين"

اقرأ ايضاً