العدد 5147 - الأحد 09 أكتوبر 2016م الموافق 08 محرم 1438هـ

سيموتون حين يُولدون!

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

أعلن وزير الداخلية المغربي محمد حصاد أن حزب العدالة والتنمية ذا التوجه الإسلامي قد تصدّر الانتخابات التشريعية الأخيرة بالمغرب. لقد كان الفوز حليفه بـ 99 مقعداً، مُبقِياً 80 مقعداً لمنافسه حزب الأصالة والمعاصرة بعد أن تم فرز أكثر من 90 في المئة من الأصوات بحسب النتائج شبه النهائية المعلنة.

أما بقية الأصوات فقد توزعت على حزب الاستقلال (31 مقعداً) وحزب التجمع الوطني للأحرار (30 مقعداً) وحزب الحركة الشعبية (21 مقعداً) وحزب الاتحاد الدستوري (16 مقعداً) وحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (14 مقعداً) وحزب التقدم والاشتراكية (7 مقاعد) وحزب الحركة الديمقراطية الاجتماعية (3 مقاعد) وفيدرالية اليسار الديمقراطي (مقعدان)، ومقعدان آخران للبقية.

رئيس الحكومة المغربية عبد الإله بن كيران، وهو أيضاً أمين عام حزب الإسلاميين في السلطة، الذي كان قد تنبأ عبر مراقبي حزبه في المراكز الانتخابية بالفوز قبل إعلان وزارة الداخلية المغربية ذلك قال إن «الشعب المغربي كسب كسباً عظيماً ويستحق أن يكون في مصاف الدول الصاعدة»، وإن هذا اليوم هو «يوم فرح وسرور انتصرت فيه الديمقراطية وظهرت فيه الأمور على حقيقتها».

المغرب بلد ذكي. فحينما جاءت حركة (20 فبراير/شباط 2011) قام بخطوة تنطوي على نباهة وفطنة. عَدَّل الدستور وسمح للإسلاميين بالترشّح (على رغم خشية جارته الجزائر من مجيء القوى الدينية التي حاربها في التسعينات) وكان يُدرك أن هؤلاء الإسلاميين سيحققون فوزاً كاسحاً (ولأول مرة في تاريخهم) خلال الانتخابات التي كانت مقررة أن تجرى نهاية العام 2011م وهو ما حصل.

كان التعديل المقر هو أن يختار جلالة الملك محمد السادس رئيس الحكومة من الحزب الفائز بالانتخابات التشريعية ويكلفه تشكيل التحالف الحكومي، حيث إن النظام الانتخابي هناك لا يُعطي حزباً واحداً القدرة على الفوز بالغالبية الكبيرة في الانتخابات التشريعية، وبالتالي يجب على مَنْ يُكلَّف بالحكومة أن يقوم بتشكيلها بصورة ائتلافية من عدة أحزاب وليس من لون واحد.

لذلك رأينا في الحكومة السابقة أن حزب الأصالة والمعاصرة المعارض للإسلاميين كان مشاركاً في الحكومة، وكذلك حزب التجمع الوطني للأحرار، وحزب الحركة الشعبية، وحزب التقدم والاشتراكية، وبذلك يحرم ذلك الإسلاميين (أو غيرهم) التفرّد بالسلطة ليجعلها جماعية متراضية. وبالتالي حمى المغرب نفسه من أي اضطرابات أو تداعيات سياسية لأحداث ما سُمّي بالربيع العربي المدمِّرة.

الحقيقة أن سماح المغرب للإسلاميين والمعارضين الدخول إلى الحكومة هو في جوهره إدراك للسنن الطبيعية لحياة البشر. فهو يعي أن بقاء هؤلاء في المعارضة أو الاصطدام معهم لن يُسكتهم ولن يفنيهم، وبالتالي هناك وسيلة أخرى أقل كُلفة ستجعلهم على المدى البعيد منكمشين شيئاً فشيئاً، عندما يسمح لهم الدخول إلى الميدان الذي كانوا خارجه، ويُصابون بناره وسعيره.

ففي السلطة سيكابدون من أجل اللهاث وراء الحراك اليومي، ومتطلبات الناس وعثرات السياسة والتزاماتهم أمامها وأمام مبادئهم، وبالتالي فهم يُصبحون كالجائع الذي تُلقَى في فمه لقمة كبيرة، فيغص بها حتى يعيف الأكل تماماً؛ لأنه رأى الموت وغصصه. هذا الذي يحصل في السياسة. فالمرء ينتظر موته حين يُولد وليس قبله، والسياسيون كذلك، يموتون حين يُولدون في نار السلطة.

أكاد أجزِم أن هؤلاء الفائزين لن يكونوا كذلك بعد دورتين أو ثلاث أو ربما ست دورات. والسبب أن كرسي السلطة سيمحقهم أو سيقضم من شرعيتهم ووهجهم. هل تتذكرون انتخابات جنوب إفريقيا التي جرت في (أغسطس/آب الماضي) وماذا أفضت إليه؟ لقد خسر حزب المؤتمر الوطني الحاكم هناك سيطرته على الحكومة المحلية بعدما حقق التحالف الديمقراطي المعارض فوزاً كبيراً عليه.

حزب المؤتمر الوطني الذي تزعمه مناضل إفريقيا الكبير نيلسون مانديلا، والذي قاد نضال السود ضد الأقلية البيضاء لعشرات السنين يُمنى بهزيمة مُدوّية، لم يواجهها منذ العام 1994م، إذْ بقي لمدة اثنين وعشرين عاماً ينعم فيها بلا معارضة! هذا الأمر تكرر في غيره من البلدان كذلك ممن تتواجد فيها حركة تداول سلمي للحياة السياسية في السلطتين التشريعية والتنفيذية.

والحقيقة أن هذه الفطنة السياسية استمدها المغرب من الملك الراحل المغفور له الحسن الثاني الذي تعامل مع معارِضِهِ عبدالرحمن اليوسفي (والذي كان مناضلاً سياسيّاً منذ الأربعينات ومحكوم عليه بالإعدام) بطريقة ذكية، حين عرض عليه الملك الحسن الدخول في حكومة تناوب، فقَبِلَ اليوسفي وعُيّن وزيراً أولاً في (فبراير/ شباط 1998) حتى (أكتوبر/ تشرين الأول من العام 2002) ولم يخرج منها إلاّ وهو مكتو بنارها، إذ رأى الفارق الكبير والكبير جدّاً بين أن تقول وبين أن تعمل.

كنت أقول إن المغرب في ذلك قد «أجاز الممنوعات السياسية لدى المعارضة، فَقَلَّت المرغوبات السياسية لدى جمهورها، والذي هان عليه تشبّثه السابق بها وبالشعارات بعد أن شاهد صعوبة التجربة ونتائجها». ومثلما تكرر مع اليوسفي سيتكرر مع العدالة خلال الحقبة المقبلة، حينها سيعود الإسلاميون أدراجهم كما عاد غيرهم بعد أن يكتشفوا أن السلطة ليست نزهة، بل هي كالحياة التي هي ليست عرضاً أو مهرجاناً، بل معضلة كما كان يقول الفيلسوف الأميركي جورج سانتايانا.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 5147 - الأحد 09 أكتوبر 2016م الموافق 08 محرم 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 12:04 ص

      ما الذي سيروي ظمأ الشعوب ان لم تروهم التجربة الديمقراطية في الغرب (اذ نشاهد صعود اليمين المتطرف) ؟
      يعني نحتاج تحليلا مقنعا ، فعلا ما الذي تريده الشعوب ؟ وما هو مسار التاريخ فعلا؟
      بعض الأمور أعتقد لا زالت مبهمة ...
      عل الاستاذ يتحفنا ...

اقرأ ايضاً