العدد 5149 - الثلثاء 11 أكتوبر 2016م الموافق 10 محرم 1438هـ

بالفيديو ... في حضرة الشيخ أحمد العصفور: «الوسط» تقف لـ «العميد»...ونجله الشيخ ناصر: نحتاج مؤسسة لتقييم المنبر وتطويره

ذكرى رحيل تتزامن مع «العاشر»: هكذا ردد «أحرم الحجاج» على فراش الموت

المرحوم الشيخ أحمد بن خلف العصفور
المرحوم الشيخ أحمد بن خلف العصفور

العاشر من المحرم من العام 1438، يوم فاجعة الحسين (ع) وأهله وصحبه، وفيه تختتم «الوسط» سلسلة تقاريرها التوثيقية لسير أبرز خطباء المنبر الحسيني في مملكة البحرين.

وعند عميدهم، الشيخ أحمد بن خلف العصفور، تقف «الوسط» لتحيي ذكرى رحيل ثانية، تتزامن هذا العام مع عاشر المحرم، والموافق (12 أكتوبر/ تشرين الأول 2016).

وقفة كان اللقاء فيها مع نجله الشيخ ناصر العصفور، الذي استقبل «الوسط» بأريحية وتواضع جم، في منزله الكائن في قرية بوري، مستعرضاً بعضا من سجل والده الممتد لـ9 عقود، ومضيئاً من خلال ذلك على الحاضر والمستقبل.

فبعد نداء الخطيب الحسيني الشيخ عبدالمحسن ملا عطية الجمري، والذي استفتح به التقارير العشرة وهو يحذر من انتكاسة قد تصيب المنبر الحسيني؛ بسبب عودة مدرسة النعي التام، جاء نداء العصفور الابن، فاتحاً من ذكرى والده نافذة ارتقاء بالمنبر والخطابة الحسينية، حيث يقول: «نحن بحاجة لرصد وتقييم أداء المنبر الحسيني، وبحاجة لمؤسسة تحمل عبء ذلك، ولا مانع من أن يتصدى لذلك المختصون والخبراء، وصولاً لتحديد الايجابيات والسلبيات، وتقديم التوصيات التي ترتقي بالمنبر».

خطيباً في الـ 13 من عمره

وعمره 13 سنة، كان الشيخ أحمد العصفور، الذي يقول عنه عالم الدين الشيخ علي الكوراني: «ما رأيت أفصح ضاداً من ضاد الشيخ أحمد العصفور»، يسبق توجهه للنجف الأشرف، ببدء مشواره مع الخطابة الحسينية.

كان ذلك، في قرية عالي وفي ثلاثينيات القرن الماضي، كما يوثق ابنه الشيخ ناصر، وهو يقول: «وقتها كان يتتلمذ على يد الشيخ إبراهيم المبارك والشيخ محمد على حميدان، البداية بقراءة كتاب (الفخري) ثم مقدمات في مجلس بقرية عالي، وبمعيته مجموعة ممن كانوا في سنه، بعضهم الآن من رجال الأعمال في عالي».

يتجه الشيخ أحمد للنجف، وهناك يولع بخطبائها وخطباء كربلاء البارزين، فيحضر مجالسهم ويستفيد من طرقهم.

بشأن مرحلة النجف، يقول الشيخ ناصر: «تأثر كثيراً بأستاذه الشيخ عبدالوهاب الكاشي، أخذ طريقته وأبدع فيها، فطور وصنع له طريقته وأسلوبه الخاص، كما انه تعلم ما يعرف بـ (فذلكة المنبر) والتي تعني حسن التصرف، وذلك من الخطيب الشيخ محمد حسين المبارك، وهو أخو الشيخ إبراهيم المبارك، وأتذكر ثناء الوالد عليه كثيراً حيث استفاد منه ومنه ملكته».

مدرسة خطابية «فريدة»

أنتج خطاب الشيخ أحمد العصفور، من على المنبر الحسيني، مدرسة مستقلة، وصفت بالفريدة، وبحقها تتالت الشهادات، من بين ذلك ما قاله عالم الدين سيدمنير الخباز «تعرفتُ على المرحوم العلامة الخطيب الكبير الشيخ أحمد العصفور حينما كان يرقى المنبر في مشهد في أيامِ شهرِ رمضان. كُنا صِغاراً ولكن كنا نتسابق على حضور المجلس الذي كان يغصُ بالزائرين من البحرين والقطيف والأحساء والكويت وكثير من المناطق».

تفسيراً لتفرد مدرسة العصفور، يقول ابنه الشيخ ناصر وهو يستعرض ملامح مدرسة والده الخطابية: «من الطبيعي أن يكون لكل مدرسة خصائصها ومميزاتها وفرادتها، وبالتالي لا بد أن تكون هنالك ملامح واضحة أو خصائص معينة لكل مدرسة، وفيما يتعلق بمدرسة الوالد الخطابية، فإني أرى أن ملامحها تتركز في الأصالة من جهة وأيضاً جانب الولاء».

وأضاف «تميزت مدرسته بالولاء والارتباط بالحسين (ع) وبأهل البيت (ع)، إلى جانب تميزه بالملكة والقدرة والهيمنة على المنبر أو المستمع، وإذا لاحظنا، فإن تلك الفترة (تواجد والدي في العراق) شكلت مرحلة من مراحل المنبر الحسيني، وروادها ممن سبقوا الوالد منهم السيدصالح الحلي والشيخ محمد علي اليعقوبي والذين أسهموا في تبلور المدرسة، حتى سار على نهجهم من جاء بعدهم من الخطباء».

وتابع «تميزت تلك المدرسة بخطابها العام الذي تستوعبه الطبقات كافة، بفضل الخطاب المتنوع من جهة وسلاسة التعبير واستخدام العبارات السهلة من جهة أخرى».

ووصفاً لوالده خطابياً، قال: «جمع محاسن مجموعة من الخطباء، شملت شجى الصوت والتأثير، والهيمنة والملكة على المنبر، بالإضافة للجوانب النفسية كالإخلاص والولاء والتعلق بالإمام الحسين (ع)، كما امتاز بمخزون من الحكايات والقضايا والتجارب، حتى إنني سمعته يقول (لو انني أؤلف كتابا عن القضايا العجيبة التي عايشتها أو صادفتها، لظهر كتاب أكبر من كتاب دستغيب (القصص العجيبة)».

يعزز ذلك سيدمنير الخباز، ببضع كلمات «كان لصوته الشجي ونبرته الحزينة تأثير كبير على النفوس والأرواح (...)، ويشعر كل شخص يستمع إليه أن نعيه يخرج من القلب، بحزن وشجن وتفاعل وانصهار بقضية كربلاء قضية الحسين بن علي (ع)».

ومجدداً، يعود الحديث عن ملا عطية الجمري، الحاضر في كل تقارير «الوسط»، حيث يتحدث العصفور عن علاقته بأبيه «كانت علاقة متميزة بينهما، الى درجة التنسيق في توقيت الخطابة، وهو من أطلق عليه صفة (ساحر المنبر)، والأمر كذلك لعدد من العلماء والخطباء من بينهم ملا عبدالحسين العرادي والشيخ منصور الستري، حيث يشير الوالد ضمن ذكرياته إلى قراءته في المحرق في السابق بتوقيت يعقب توقيت الشيخ منصور، وما إن يصل الوالد حتى تكون علامة الوصول هي «هرن» السيارة، يسمعه الشيخ منصور فيكون العلامة لختم مجلسه».

أسلوب ممنهج

لم يكن أسلوب الخطابة العام والذي انتهجه الشيخ أحمد العصفور، إلا ممنهجا.

يؤكد ذلك الشيخ ناصر العصفور، ويضيف «الفارق بين أسلوب المحاضرة وأسلوب المنبر هو ما يميز الخطيب الحسيني عن المحاضر والذي يستعد بموضوع معين وعادة يكون الحضور نخبويا ممن يهمهم عنوان المحاضرة ومضمونها، أما المنبر الحسيني فمنبر عام، منبر يشمل كافة أفراد المجتمع ومن كافة الطبقات، بحيث نرى الرجل الكبير الشيبة والشباب والأطفال، ومختلف الثقافات والمستويات التعليمية، فيجلس البروفيسور والدكتور والمهندس جنباً إلى جنب العامل والإنسان صاحب الثقافة العادية».

وأضاف «هذا التنوع يتطلب طرحا مختلفا، ويمكننا القول ان الخطابة السائدة آنذاك كانت تعتمد هذا الأسلوب، أما الآن فقد أصبحت الخطابة من على المنبر تقارب المحاضرة النخبوية، وربما يتسم هذا الأسلوب بنوع من الرتابة والركود بخلاف الخطيب الذي يطرح ما يتناسب مع هذا الجمهور المتنوع من جهة، ويطعم موضوعه بقصة وأبيات من الشعر وطرفة».

لكل مرحلة تحدياتها

اتسمت الخطابة الحسينية بديناميكية، مردها كما يقول الشيخ ناصر العصفور إلى «تحديات تفرضها كل مرحلة».

وأضاف «الفارق بين كل مرحلة هو اختلاف ثقافة الناس ومستوى وعي الناس، فالخطابة الحالية بطريقتها العلمية الجديدة، تتناغم مع متطلبات الواقع ومع ثقافة الناس وعموم المستوى الثقافي للجمهور، بخلاف السابق حيث كان التركيز على قضايا تتطلب خصوصية المرحلة». وتابع «في تلك الفترة، في الخمسينيات والستينيات وحتى بداية السبعينيات من القرن الماضي، كانت هناك تيارات موجودة، لذا كان التركيز على الجوانب العقائدية وشد الناس نحو الجانب الولائي والعقيدي؛ لأن هناك تحديات من هذا النوع».

وأضاف «اليوم، لدينا مشكلات معاصرة كثيرة، وخصوصا في القضايا الفكرية وما يتطلبه الجانب العقائدي والجانب الاجتماعي والمشكلات والأزمات المعاصرة، حيث يحتم كل ذلك على الخطيب أن يعالج هذه الجوانب، وفي الواقع فإننا نرى بعض الخطباء قد يسهب في عرض المشكلات دون طرح الحلول وهي الأهم».

ذكرى العميد وواقع الخطابة

لا يراها البعض مجرد مصادفة، أن تتزامن ذكرى رحيل الشيخ أحمد العصفور، مع يوم العاشر من المحرم، ومن وحي ذلك، يُفتح باب الحديث عن واقع الخطابة الحسينية في مملكة البحرين.

في هذا الصدد، كانت للشيخ ناصر العصفور رؤيته، يقول: «نحن بحاجة لمؤسسة تعنى بشئون الخطابة ولا يقتصر ذلك على التعليم وتخريج خطباء وانما نحن بحاجة لمختصين ومهتمين ولا مانع من أن يكون هناك خبراء يرصدون مسيرة المنبر بإيجابياتها وسلبياتها، لنخرج بتوصيات مهمة تشخص مسيرة المنبر، وما إذا كان يسير ناحية التطور والتكامل والارتقاء أو أنه يسير ناحية الانحدار».

وأضاف «هذا من شأنه أن يرصد لنا مسيرة المنبر في الوضع الحالي والمستقبلي، انطلاقاً من رصد وتقييم مختلف الفعاليات والشعائر الحسينية وكافة الممارسات»، مقترحاً بشأن التنفيذ على مجلس الخطباء البحريني، التصدى لذلك وتشكيل فريق يدرس الموضوع ويقدم التوصيات التي من شأنها الارتقاء بالمنبر وخطابه، وتحديد مواضع الإيجابيات والتي نحتاج أن ندفع بتعزيزها وتقويتها، وأيضاً السلبيات وتفاديها.

المنبر أقل من الطموح

إذا، المنبر الحسيني في البحرين بحاجة اليوم لوقفة؟

بالإيجاب، يرد على ذلك الشيخ ناصر العصفور، ويضيف «نعم، هو بحاجة لوقفة ورصد، ففي بعض الاحيان نرى بعض النماذج غير المؤهلة والتي قد تسيء للمنبر من ناحية الأداء، ولذا نشدد على أن أهمية امتلاك الحد الأدنى من المؤهلات لمن يرتقي المنبر».

ومن ذلك، خلص العصفور للقول «خطاب المنبر وعلى المستوى العام، ليس في الطموح. نعم هناك نماذج جيدة أو ممتازة لكنهم قلائل ومحدودون، وهو ما يفرض مسئولية العمل على تخريج نماذج في مستواها العلمي وثقافتها، بما يؤهلهم للخدمة وعلى كافة المستويات وخصوصاً بالنسبة للتحديات الحالية على المستوى العقدي».

هل تراها أولوية؟

يجيب العصفور، وهو يتحدث عن تلك التحديات «عندنا أمران، الجانب العقدي والمشكلات على المستوى الأخلاقي، وهما مستويان في أمس الحاجة لمعالجة الكثير من تحدياتهما، فعلى المستوى العقائدي هناك الأفكار والتيارات الموجودة وما تفرضه من تحديات أحدها ما يتعلق بالخطاب الموجه للشباب، أما الجانب الأخلاقي فنعاني من قصور في معالجة مشكلاته».

وأضاف «ما أقوله، إن الطرح المنبري وعلى مستوى التحديات المعاصرة، لا يرقى لمواجهة تلك التحديات، ونحن نرى أن هناك أسئلة وإشكاليات كثيرة، والقلة من الخطباء من يطرقها أو يقتحم مجالها. هناك خطباء معدودون على رؤوس الأصابع أو أكثر بقليل، لكنهم قلة وبامكانهم اقتحام هذا المجال (المجال العقدي) ومعالجة تحدياته، أما أخلاقياً، فالمعالجة أسهل مقارنة».

علاقته بالمنبر

لم تكن العلاقة بين الشيخ أحمد العصفور والرثاء الحسيني (المنبر)، والتي قال عنها الشيخ عبدالمحسن الجمري، إنها «جاءت لتوثيق علاقته بالمجتمع»، لم تكن لتنقطع إلا بعد رحيله، فكما تشير عائلته «حتى في الفترة الاخيرة والتي لم يكن يمارس فيها الخطابة، كان حين يتواجد في البيت ينشد الأبيات، والغرض من ذلك تفاعله مع الذكرى ولكي لا ينسى الابيات».

أبعد من ذلك، كان الشيخ أحمد لحظة وجوده في المستشفى، وهو ممدد على فراش الموت، يردد أبياتاً من قصيدة (أحرم الحجاج) الشهيرة، وخصوصاً على الطفل الرضيع. يظهر ذلك المقطع المحفوظ على (يوتيوب)، والذي يحوي صوتاً متهدجاً ومتقطعا للشيخ أحمد.

وعن تفاصيل تلك العلاقة، يتحدث ابنه الشيخ ناصر «لم يكن تعامل الوالد مع المنبر والقضية الحسينية محصوراً في ممارسته الخطابة وانما امتدت لتشجيع بقية الخطباء، ويتضح ذلك من مشاركته في جميع المناسبات وحضوره واستماعه لكافة الخطباء، بمن فيهم المبتدئين. كان يحضر ويستمع ويشجع، ولهذا نلاحظ ثناء الخطباء عليه رحمه الله، وأنه شجعهم ودفعهم وأثنى على خطابتهم ما شكل دافعاً ومحركاً لهم للارتقاء»، وعقب «كذلك، كان يشجع على الحضور للمجالس، وعلى المشاركة والدعم لكافة المؤسسات الحسينية والموكب الحسيني والرواديد».

فَضَّلَ عاشوراء البحرين

اتسع صيت الشيخ أحمد العصفور، وتجاوز حدود مملكة البحرين، حتى ذهب سيدمنير الخباز، لاعتبار عمادته على مستوى الخليج لا البحرين وحسب.

رغم ذلك، ومنذ سبعينيات القرن الماضي، ظل الشيخ أحمد وفياً للبحرين، وعاشورائها الذي كان يرى فرادته على مستوى الخليج والمنطقة، وهو المعروف بقول إن «البحرين، كربلاء الخليج».

وفي التفاصيل المستترة، تحدث الشيخ ناصر «منذ أن كنا صغارا، كنا نلحظ انشداد الوالد بشكل خاص لشخصية الحسين (ع) وبمستوى منقطع النظير، وهو ما لمسه عموم الناس أيضاً، وانعكس على أدائه».

وأضاف «أتذكر هنا، تلك العروض التي كانت ترد إليه للقراءة خارج البحرين وفي بلدان خليجية، ورغم المبالغ الكبيرة المقدمة له (شيك مفتوح)، إلا أنه كان يختار البحرين وعاشورائها».

وتابع «كذلك، فإن من الامور التي عايشتها شخصياً، قراءته في أحد المآتم ومنحه مبلغا أكثر بكثير من المتفق عليه، فكان يعيد الزيادة، حتى أن أحد الخطباء (ملا يوسف ملا عطية الجمري)، كان معه وقتها فأظهر استغرابه وتساءل (أنت مجنون!)»، وأردف «نلاحظ هنا حجم اخلاصه لله وللقضية الحسينية، وهي إحدى ميزاته».

وفي حديث متواتر مع ما أشار له الشيخ ناصر، يقول الشيخ علي الكوراني: «انطباعي وانطباع كل من عرفه، الشيخ أحمد العصفور سليم الذات والنفس، وحين رأيته في مدينة قم، كان يقول: (عندي عادة مع جماعة والآن مسوين حسينية في قم)، فكان يأتي لهم لأن هؤلاء مستمعوه من 30 أو 40 سنة، وكان وفياً لهم، ولا يطلب منهم شيئاً».

 

الشيخ ناصر العصفور مستعرضاً بعضاً من سجل والده الممتد لـ 9 عقود - تصوير : محمد المخرق
الشيخ ناصر العصفور مستعرضاً بعضاً من سجل والده الممتد لـ 9 عقود - تصوير : محمد المخرق

العدد 5149 - الثلثاء 11 أكتوبر 2016م الموافق 10 محرم 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً